حرب شوارع في شمال تكريت ضمن عمليات تطهيرها

متحدث باسم التحالف الدولي: ما زال هناك عمل يجب القيام به

حرب شوارع في شمال تكريت ضمن عمليات تطهيرها
TT

حرب شوارع في شمال تكريت ضمن عمليات تطهيرها

حرب شوارع في شمال تكريت ضمن عمليات تطهيرها

بدأت القوات العراقية، اليوم (الاربعاء)، مطاردة عناصر تنظيم "داعش" المتطرفين بين الانقاض المنتشرة في شوارع مدينة تكريت، بعد تحريرها، وسط مخاطر العبوات المفخخة التي تركوها خلفهم.
واعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي أمس (الثلاثاء)، تحرير مدينة تكريت شمال بغداد ورفع العلم العراقي على مبنى محافظة صلاح الدين، فيما يرى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بأنه "ثمة عمل كبير يجب القيام به".
وشهدت مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، احتفالات بعد إزالة راية تنظيم "داعش" السوداء ورفع العلم العراقي بدلا عنها، بعد عملية عسكرية كبيرة.
ورغم ذلك، ما زال مصير مئات المتطرفين مجهولا، ويعتقد بأنه مازال هناك من يتحصن منهم داخل المدينة.
واعلن العبادي في بادئ الأمر، استعادة السيطرة على مناطق وسط وجنوب وغرب تكريت، لافتا الى ان القوات العراقية "تقوم بتطهير باقي المناطق بسبب تفخيخ داعش المنازل والطرق".
واشار متحدث باسم التحالف الدولي الذي وجه ضربات جوية ضد المتطرفين في تكريت، بانه من السابق لأوانه ادعاء النصر في معركة مستمرة منذ عدة أشهر.
وقال الميجور كيم ميكلسن لوكالة الصحافة الفرنسية "ما زالت أجزاء من المدينة تحت سيطرة التنظيم ومازال هناك عمل يجب القيام به".
من جانبه، قال بريت ماكرك مبعوث نائب الرئيس الاميركي باراك اوباما الى التحالف، ان القوات العراقية حققت "تقدما شجاعا" في تكريت.
واعترف كريم النوري القيادي البارز في منظمة بدر أحد ابزر الفصائل الشيعية التي تقاتل في تكريت، بأن تكريت لم تطهر تماما.
وقال النوري ان "العديد من المباني مفخخة والقناصة مازالوا موجودين" في حي القادسية في شمال تكريت.
ونقلت مشاهد مصورة للوكالة، لقطات لمقاتلين يحتفلون وهم يقطعون راية سوداء وسط دمار تعرضت له المدينة.
وقال بهاء عبد الله نصيف احد عناصر الشرطة "نحن وسط مدينة تكريت وتم تحرير جميع المباني الإدارية".
ولم يعلن عن عدد المتطرفين الذين قتلوا او أصيبوا او اعتقلوا خلال المواجهات. كما لم تعلن المصادر الحكومية عن عدد الضحايا منذ بدء المواجهات في الثاني من مارس (اذار).
وقامت القوات العراقية من الجيش والشرطة والحشد الشعبي ومقاتلين من ابناء العشائر، بمحاصرة تكريت على مدى اسبوعين من سير العملية.
وشهدت المعركة هدوءا أحيانا بسبب حذر القوات الحكومية والموالية لها من وجود القناصة والعبوات الناسفة التي زرعها المتطرفون كوسيلة دفاعية.
وكانت ايران البلد الاجنبي الرئيسي الداعم للعراق في المراحل الاولى من المعركة لكن الضربات الجوية لدول التحالف اثبتت كفاءتها في كسر ظهر مقاومة عناصر التنظيم.
وكانت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي قد وجهت طلبا الى التحالف الذي تقوده واشنطن الذي بدأ بتقديم الدعم منذ أغسطس (آب) في مناطق متفرقة من العراق، بتوجيه ضربات جوية على تكريت.
وبدأت طائرات مقاتلة اميركية في 25 من مارس (اذار)، تنفيذ ضربات على تكريت كما شاركت طائرات فرنسية في العملية.
لكن ضربات التحالف الجوية، دفعت بعض الفصائل الشيعية التي لعبت دورا كبيرا في المعارك، الى تجميد مشاركتها في الهجوم على تكريت.
وقالت وزارة الدفاع الاميركية التي كانت قلقة من الدور الذي تلعبه ايران في العملية وحلفاؤها، بانها اشترطت تدخلها بتولي القوات النظامية (الحكومية) قيادة العملية.
لكن بعد ان أعطى كل من الجانبين لنفسه غطاء سياسيا، شارك كلاهما في الهجوم الذي نفذ هذا الاسبوع.
وتم اخلاء شبه كامل لأهالي مدينة تكريت التي يسكنها حوالى 200 ألف نسمة، قبل بدء العملية، ولا يوجد أي مؤشر على بقاء البعض منهم خلال الايام الماضية. كما بدأ آلاف النازحين من اهالي محافظة صلاح الدين، حيث تقع تكريت، خلال الايام الماضية بالعودة من بغداد الى مناطق في صلاح الدين، التي تم تحريرها.
لكن حجم الدمار الذي لحق بمدينة تكريت بسبب العبوات الناسفة التي فجرت فيها، قد يؤخر عودة الاهالي اليها.
وانتشرت عجلات مدرعة تضررت خلال الهجوم، في الجانب الغربي من مدينة تكريت حيث سمعت اصوات طائرات مقاتلة تحوم في سماء المدينة، وفقا لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال رسول العبادي من كتائب الامام علي احد الفصائل الشيعية الرئيسية المشاركة في المعركة، متحدثا لفرانس برس "قبل حوالى ربع ساعة كنا نشتبك بالرصاص في شمال تكريت". وأضاف ان "الدواعش يحاولون التقدم باتجاه جامعة تكريت" في شمال المدينة. وتابع "لم يبقى أكثر من ثلاثين منهم في منطقة القادسية" شمال المدينة.
وتمثل تكريت معقل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، رمزا لعناصر حزب البعث المنحل وأهمية كبيرة لحكومة بغداد.
وتسعى القوات العراقية التي نفذت عمليات لتطهير مناطق جنوب بغداد، خلال العام الماضي، الى التوجه شمالا بعد تحرير تكريت نحو تحرير الموصل (شمال بغداد)، التي تمثل المعقل الرئيسي للمتطرفين في العراق حاليا.
من جهة أخرى، التقى وزير الدفاع خالد العبيدي امس الثلاثاء جميع قادة وزارته لمناقشة التحضيرات المقبلة لاستعادة محافظة نينوى، كبرى مدنها الموصل (350 كلم شمال بغداد).
وقال وزير الدفاع ان "هذا النصر ليس إلا نقطة استراتيجية جديدة للانطلاق نحو عملية تحرير محافظة نينوى".
وما زال عدد كبير من أهالي الموصل ثاني مدن البلاد وتقدر مساحتها بحوالى عشرة أضعاف تكريت، يتواجدون هناك.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.