في كرة القدم الحديثة، يمكن أن يتكون الفريق الطبي لأندية الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري الدرجة الأولى من عدد كبير من الموظفين، لكن في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي، كانت القصة مختلفة تماماً، حيث كان الطاقم الطبي في توتنهام يتكون من الطبيب بريان كيرتن، وأنا، ومساعدي ديف بتلر، بالإضافة إلى اثنين من الأطباء بدوام جزئي للعمل خلال مباريات الشباب صباح يوم السبت من كل أسبوع. وسرعان ما أصبح واضحاً أنه كان يتعين علي بطريقة ما أن أجد المزيد من الوقت للتركيز على بول غاسكوين بعد تعرضه لإصابة قوية.
كان خياري الوحيد هو الذهاب إلى العمل مبكراً، وهو ما كان يعني الاستيقاظ عند الساعة السادسة صباحاً، وبعد تناول قطعة من الخبز المحمص وكوب من الشاي سريعا كنت أتوجه إلى لندن. كان بول يقابلني في ملعب التدريب في الساعة الثامنة صباحاً لكي نبدأ العمل، وهو ما كان يسمح لنا بإجراء تدريبات فردية لإعادة التأهيل قبل وصول اللاعبين الآخرين.
وما زلت أتذكر جيدا ما حدث في صباح أحد الأيام، فبعد جلستنا العادية في الصباح الباكر، حان الوقت لبول لكي يحصل على استراحة ويذهب لتناول القهوة، لكن نظراً لأن بعض اللاعبين الآخرين كانوا يستمتعون بقليل من المزاح، فقد قرر بول البقاء في غرفة العلاج. لكن بول يظل دائما كما هو ولا يتغير أبدا، حيث كان هو مركز الاهتمام نظرا لأنه يشعر بألم حقيقي، لذا قلت له فجأة: «يتعين عليك أن تخرج من غرفة العلاج». لقد بدا بول مصدوماً ومستاء، لأنني نادراً ما أفقد أعصابي. لكن ما فعلته قد أتى ثماره، حيث فتح بول الباب وضربه بقوة وهو يترك الغرفة!
وبعد حوالي نصف ساعة كان هناك شخص يطرق الباب، وعندما فتحته شعرت بدهشة شديدة لأن بول كان يقف خلفه ويضع وردة بيضاء في فمه! وقال: «آسف» ومد يده، وقال: «هل ما زلنا أصدقاء؟» عندئذ حاولت ألا أضحك وقلت: «نعم بالطبع نحن أصدقاء، وسنظل كذلك دائما ما دمت تتصرف على طبيعتك». كان هذا هو الخلاف الوحيد بيننا خلال تلك السنة، فقد كان هناك احترام متبادل بيننا، وكان يعلم أنني سأفعل كل ما في وسعي لمساعدته على العودة للعب على أعلى مستوى، وكنت أعلم أن لديه الدافع للعودة أقوى وأفضل من ذي قبل.
جاء بول في صباح أحد الأيام لحضور جلسته المبكرة المعتادة وقال: «جون، ما هو شعورك حيال قضاء عطلة عمل في البرتغال؟» وأوضح أنه كان يتحدث إلى إحدى الصحف الشعبية وكانوا مستعدين لتمويل الرحلة مقابل بعض الصور الحصرية. لقد كان عرضاً مغرياً، وبعد المشاعر الإيجابية التي سادت بيننا خلال الأسابيع القليلة الماضية اعتقدت أنها ستكون فرصة جيدة لنا لاستعادة نشاطنا بينما لا نزال نعمل بكل جدية. وبعد التشاور مع النادي والطبيب الجراح بالفريق الطبي، تم الاتفاق على أن نسافر إلى البرتغال لقضاء عطلة لمدة 10 أيام ومواصلة برنامج إعادة التأهيل الصارم من هناك.
لكن بمجرد وصولنا إلى المطار في يوم الرحلة، أدركت أنه لن أكون أنا وبول فقط، حيث كانت هناك مجموعة كبيرة من المسافرين معنا. ولكي تكتمل هذه المجموعة كان هناك طاقم التصوير الذي حصل على إذن لتصوير وتوثيق إعادة تأهيل بول من البداية إلى النهاية. لقد كانوا ملتزمين دائماً أثناء فترة العمل، وبعد فترة بدأت أنسى أن الكاميرات كانت موجودة حولنا. وبينما كانت مجموعتنا تسير في المطار، استقبلنا الجمهور بهتافات مدوية عندما رأى بول.
لقد أرست هذه الرحلة القواعد الأساسية لإعادة تأهيل بول، وكانت الأجواء رائعة داخل المجموعة وعملنا بجد طوال جلساتنا الصباحية والمسائية. وتضمنت هذه الجلسات مجموعة كاملة من تمارين العضلات والمفاصل، وتمكنت أيضاً من إضافة قدر ضئيل من المقاومة بمساعدة زوجين من أحزمة الغوص اشتريتهما في وقت مبكر من صباح أحد الأيام من على رصيف الميناء. وخلال الفترات بين الجلسات، استمتعنا كثيراً بالمرح والضحك، وكان من بين أبرز الأحداث آنذاك مشاركتنا في مباراة لتنس الطاولة مع الممثلة الدنماركية بريجيت نيلسن، التي كانت تقيم في نفس الفندق.
وبعد أيام قليلة من رحلتنا كنا نستمتع بتناول وجبة مسائية عندما قال لنا غاسكوين فجأة: «من منكم يريد صيد سمك القرش في فترة ما بعد الظهيرة؟ لقد اتفقت مع قارب، وسوف يصطحبنا ربان السفينة حوالي 14 ميلاً داخل البحر في مكان يعج بأسماك القرش». لقد كان بول يعشق الصيد، ونظرا لأنه كان يتقدم بشكل مذهل في برنامجه العلاجي اعتقدت أن رحلة الصيد ستكون فكرة رائعة. كان بول يشعر بالراحة والاسترخاء. وشعرت في بعض الأحيان أنه رغم الضجة الإعلامية التي دائما ما تثار حول بول، فإنه لا يكون سعيدا حقا إلا عندما يكون بعيدا عن الأضواء، وكان ذلك واضحا عندما كان يصطاد بمفرده.
لقد نجحنا جميعا في الصيد، لكن بدرجات متفاوتة، وتمكنا من اصطياد عدد قليل من الأسماك لكن لم يكن هناك ما يشير إلى وجود أسماك القرش. وأخيراً، اهتزت صنارة الصيد بقوة في إشارة إلى أن هناك سمكة كبيرة. وبغض النظر عن حجم السمكة التي التقطتها السنارة فإنها لم تستسلم بسهولة أو بدون قتال، وبعد معركة عظيمة تمكن بول من جذب السمكة بالقرب من القارب.
وبينما كنا نحدق بحذر من فوق الحافة، كان من الرائع أن نرى سمكة قرش صغيرة في الماء. لقد جذبها ربان السفينة بعد معاناة إلى سطح السفينة، وقال بول: «أعطوها لجوني». شكرت بول على ذلك، وظننت أنني قد تسلمت سمكة القرش بالفعل، وهنا قال القبطان: «مهما فعلت، لا تتركها لأنها ستعض شخصا ما في ساقه». تخيل أن يكون العنوان الرئيسي لإحدى الصحف في اليوم التالي: «بول غاسكوين يتعرض لعضة سمكة قرش في ساقه السليمة وهو في رحلة صيد مع طبيب الفريق!» وعندما انتابتني مثل هذه الأفكار وبعد أن أمسكت بسمكة القرش لفترة وجيزة، أعادتها مرة أخرى إلى البحر!
وتضمنت صفقة انتقال بول غاسكوين من توتنهام إلى لاتسيو قيام اللاعب برحلة سريعة إلى روما. وسمح ذلك لأنصار لاتسيو المتعصبين برؤية غاسكوين وكذلك الطاقم الطبي للتحقق من التقدم الذي يحرزه اللاعب. وفي الزيارة الأولى تم الاتفاق على أن يرافق بول صديقه المقرب غلين رويدر. وكان غلين قد خاض مسيرة كروية مميزة كمدافع لأندية كوينز بارك رينجرز ونيوكاسل وواتفورد، كما عمل بعد ذلك كمدير فني في الدوري الإنجليزي الممتاز مع وستهام ونيوكاسل ونوريتش سيتي.
أعتقد أنه عندما كان غلين لاعباً في نيوكاسل في منتصف الثمانينات من القرن الماضي كانت هذه هي الفترة التي بدأت فيها الصداقة القوية بينه وبين بول، لذلك كان غلين هو الشخص المثالي لمرافقة بول إلى روما حيث كان أكبر سناً وكان قادرا على أن يجعل بول يشعر بالراحة والهدوء. وعندما عادا، أخبرني بول أن الرحلة كانت ناجحة، وعشقه مشجعو لاتسيو وكان بول متحمسا للغاية للعودة واللعب أمام هذا الجمهور العظيم.
لقد كان بول يمتلك حافزا مستمرا ويعمل بمنتهى الجدية، لكنني أعتقد أن هذه الرحلة أعطته دافعا إضافيا لاستعادة لياقته الكاملة.
ورود وأسماك قرش وأحزمة غوص... معركة بول غاسكوين لإنقاذ مسيرته الكروية
طبيب توتنهام السابق يكشف كيف ساعد اللاعب على التعافي من إصابته المروعة
ورود وأسماك قرش وأحزمة غوص... معركة بول غاسكوين لإنقاذ مسيرته الكروية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة