سنوات السينما

المخرج التونسي المنصف ذويب
المخرج التونسي المنصف ذويب
TT

سنوات السينما

المخرج التونسي المنصف ذويب
المخرج التونسي المنصف ذويب

- ‫التلفزة جاية ‬‬ (2006)
- قرية بانتظار زيارة خاصّة
- (★★★)
المخرج التونسي المنصف ذويب من أولئك الذين لم يقدّر لهم بعد تسجيل نجاح كبير على صعيد النقاد العرب أو في المهرجانات الدولية. نعم هو عرض أفلاماً في بعض المهرجانات لكن نسبة لاهتماماته غالباً لم يتبلور أي من أفلامه إلى شأن يتيح له تكرار التجربة وتكرارها بنجاح أعلى.
في «التلفزة جاية» كوميديا ناجحة تنضوي على ملاحظات اجتماعية جمعها المخرج الذي كتب السيناريو بنفسه ووزعها جيداً عبر شخصياته والأحداث التي تمر بها. إلى حد بعيد، الفيلم هو الكوميديا التي احتاجتها السينما العربية ولا تزال. هادفة من دون فرض وسلسلة السرد من دون إظهار أكثر مما يلزم من مهارات فنية.
الموقع هو قرية تونسية يضعها الكاتب - المخرج في زمن غير محدد ويستثني من التسمية ما قد يعرّض المرحلة التاريخية للتساؤل. لكن إذ ينطلق كما لو كانت الأحداث وردت قبل عقود، ويبقي الإكسسوارات المستخدمة في أشكالها القديمة الأولى، تبدو عليه إمارات التحديث بالتدريج عبر توفير القليل من الإيحاءات مثل القول في أحد المشاهد «نحذّركم من مغبّة تصدير الديمقراطية المشبوهة إلى هذه الأرض الطاهرة»، وهو تعليق قد يعني أكثر من منوال فهو يرفض الديمقراطية من جهة ويهاجم الولايات المتحدة من جهة أخرى على أساس أن ديمقراطيّتها مشبوهة.
لكن السياق يبقى خفيفاً وتلك القرية ستفاجأ بزيارة مسؤول تونسي كبير فيضطرب حالها استعداداً لاستقباله. لكن هناك من لا يُبالي في مقابل المهتمّين والباحثين عن استفادة مادية ما من جراء هذه الزيارة.
إجادة الفيلم تبرز من خلال الفوضى التي تصاحب الإعلان عن تلك الزيارة ومسايرة الاتجاهات والنماذج الموجودة من الشيخ الأعمى (عيسى حرّاث) وما يرمز إليه ذلك العمى، إلى الشاب المناضل الذي لا يزال يتحدّث عن فلسطين والإمبريالية وباقي الشعارات (شوقي بوقليّة) ومن المرأة التي تؤمن بنظرية مؤامرة مصدرها الرجال وترى في كل شأن صراعاً بين الجنسين (الرائعة فاطمة بن سعيدان) إلى السكرتير الحذر (جمال ساسي) وصولاً إلى الفيتوري (عمّار بو ثلجة) الذي يرأس البلدة (أقرب إلى مختارها) والذي يعتقد أنه قد يصل إلى احتلال وظيفة رسمية أعلى. الفرصة تتلألأ له حين يتّصل به الوزير ليخبره أن «التلفزة الألمانية جاية» للتصوير في البلدة وعليه التأهب لاستقبالها. هي فرصة رائعة له لإظهار حسن إدارته وحكمته، والمخرج يستخدمها بمهارة للدلالة على ما تعيشه تلك القرية من اضطراب يزداد شأناً كلما اقترب موعد الزيارة.
ينطلق المختار الفيتوري في عداد ركامات من المهام التي عليه الإقدام عليها لأجل هذا التحضير ومنها تنظيف المكان وحث صاحب المقهى (المخرج نوري بو زيد في دور صغير لأجل الصداقة) على تنظيف مقهاه، والطلب من الفنان المحلّي (حميد العبيدي) بصنع تمثال يوضع عند مدخل البلدة. ولسبب ما يصير حتمياً تصوير فيلم تاريخي يقوم به مخرج مصري (هشام رستم) تؤازره في اختيار الممثلين عضوة الجمعية الثقافية، التي لديها مشهد أهم إذ تتولّى محاولة إفهام نساء البلدة أهمية الحد من النسل بوضع أصبعيها في مانع مطّاطي والتأكيد على أن هذه الوسيلة ناجعة. النكتة التي تتردد هنا هي قيام إحدى النساء بالتأكيد أن زوجها وضع المانع في أصبعيه لكن ذلك لم يحد من النسل فرزقت بتسعة أولاد.
للأسف، يكتفي المخرج بالعرض السلس والمعالجة العامّة ولا يحاول للوصول إلى تعميق الدلالات عبر معالجة أسمك قليلاً من النسيج الماثل. تراه كان يحاول إنجاز فيلم كوميدي فعلي مليء بالمواقف والضحكات وهو ينجح في ذلك، لكن مقدار النجاح محدود والطموح كذلك. بعض المشاهد كان يمكن تطويره لما بعد ما تعرضه، مثل مشهد حجز الألمان الذين وصلوا إلى القرية لتصوير الفيلم العلمي وذلك من قِبل رجل الدين.
رغم هذه الهفوات المهمّة، يبقى «التلفزة جاية» عملاً يسترعي الانتباه لفكرته وموضوعه. غناء شبه فريد بين الأفلام الكوميدية العربية المليئة بثغرات التنفيذ والمرمية في حوض التهريج.

★ ضعيف| ★ ★: وسط | ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز