مسيرات مليونية لدعم الحكم المدني في السودان

طالبت بتفكيك بقايا نظام البشير... والشرطة تفرّق المتظاهرين بالغاز

موكب الخرطوم بحري المطالب بنقل السلطة للمدنيين أمس (أ.ف.ب)
موكب الخرطوم بحري المطالب بنقل السلطة للمدنيين أمس (أ.ف.ب)
TT
20

مسيرات مليونية لدعم الحكم المدني في السودان

موكب الخرطوم بحري المطالب بنقل السلطة للمدنيين أمس (أ.ف.ب)
موكب الخرطوم بحري المطالب بنقل السلطة للمدنيين أمس (أ.ف.ب)

تدفق ملايين السودانيين إلى شوارع مدن البلاد المختلفة، خاصة العاصمة الخرطوم، للمطالبة بتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، وقطع الطريق على أي محاولات انقلابية، وإصلاح الأجهزة الأمنية، ودمج قوات الحركات المسلحة في القوات النظامية، ودعم الحكم المدني والتحول الديمقراطي، وإقامة العدالة ومحاسبة قتلة المتظاهرين السلميين في جريمة فض الاعتصام في يونيو (حزيران) 2019، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتفكيك بقايا نظام «الإخوان المسلمين».
وتعد الحشود الجماهيرية والسيول البشرية التي شهدتها شوارع السودان أمس هي الكبرى منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019 بعد أن حكم البلاد لنحو 30 عاماً.
من جانبه، حيّا رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، الجماهير التي خرجت بالملايين في كل المدن والأرياف، مؤكداً تمسك الحكومة الانتقالية بالتحول المدني الديمقراطي، وشعار الثورة «حرية سلام وعدالة... المدنية خيار الشعب». وقال في كلمة مسجلة، أمس، إن الشعب السوداني أثبت تمسكه بالسلمية، والتزامه بالسير في درب الحرية والديمقراطية والتحول المدني الديمقراطي، مضيفاً أن الجماهير أسمعت صوتها وأرسلت رسالتها أنه لا تراجع عن أهداف الثورة، ولا مجال للردة عنها. وتعهد حمدوك بمواصلة العمل على إكمال مؤسسات الانتقال وتحقيق أهدافه وشعارات الثورة. وأشاد حمدوك بالدور الذي ظلت تضطلع به قوات الشرطة في حماية الموكب وكل وسائل التعبير السلمية.
- توحد القوى المدنية
ودعا «تجمع المهنيين السودانيين» و«قوى إعلان الحرية والتغيير»، ولجان المقاومة الشعبية، ومنظمات المجتمع المدني، المواطنين لتنظيم مواكب احتجاجية على خلفية إرهاصات بتدبير انقلاب عسكري، مستغلاً الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، فيما وصف البعض مسيرات أمس بمواكب «الزلزال».
وتزامن تدافع مئات الآلاف في الخرطوم مع ذكرى الثورة الشعبية السودانية الأولى في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1964. ونظموا حشوداً بشرية غطت المسافة الممتدة من أحياء الصحافة حتى شارع الستين، وعلى امتداد الشوارع الفرعية، ويقدر طولها بنحو 10 كيلومترات في الخرطوم وحدها، مع أعداد أخرى في مدن العاصمة المثلثة الأخرى، أم درمان، وبحري، التي خرج مئات الآلاف من الثوار في كل مدينة منها.
كما شهدت مدن ود مدني، الأبيض، كوستى، الجنينة، الفاشر، نيالا، سنار، سنجة، بورتسودان، كسلا، القضارف، عطبرة، عبري، دنقلا، ومدن أخرى في كل أنحاء السودان، مواكب مماثلة شارك فيها مئات الآلاف نددوا بمحاولات العسكريين الاستئثار بالسلطة، وشق الحاضنة السياسية، والتحالف مع الحركات المسلحة، وطالبوا بالحفاظ على الحكم المدني.
وطالب المحتجون بتأمين الانتقال الديمقراطي المدني، وتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، وتفكيك نظام 30 يونيو، والثأر لشهداء الثورة، وإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي الممثلة في المجلس التشريعي والمفوضيات، وتسريع عمل اللجنة المكلفة من رئيس الوزراء للتحقيق في مجزرة فض الاعتصام في 3 يونيو 2019 أمام القيادة العامة، التي اعترف المجلس العسكري الانتقالي وقتها بارتكابها.
- «مدنية أو ثورة أبدية»
وردد المحتجون هتافات مطالبة بتنحي رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، مثل: «سلم سلم يا برهان... وبرهان مالوا جابوا الكيزان (أي الإخوان المسلمين)»، وهتافات أخرى من قبيل «سلطة مدنية أو ثورة أبدية، كل السلطة في يد الشعب، سلمية... سلمية، ثوار أحرار... حنكمل المشوار، الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية»، وغيرها من الهتافات.
ولم تشهد مدن الخرطوم والخرطوم بحري أي صدامات مع الشرطة، بيد أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع في مدينة أم درمان، لتفريق المحتجين المتجمهرين أمام مباني المجلس الوطني (البرلمان)، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص. وغلب على الحشود التي خرجت أمس الطابع الشبابي مع وجود نسوي لافت، في وقت توحدت فيها المطالب بين المحتجين، برغم المخاوف من انقسام الثوار. وقال عيسى موسى، وهو شاب مشارك في الاحتجاجات لـ«الشرق الأوسط»، إنه يشارك في الاحتجاجات تأييداً للمدنية، فيما طالب والد الشهيد عبد العظيم كشة الذي لقي مصرعه في عملية فض الاعتصام، بالثأر لدم ابنه، وقاد موكب الصحافيين المشارك في الموكب، وهو يهتف: «الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية».
وشارك في المواكب الاحتجاجية عدد من الوزراء، من بينهم وزير رئاسة مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، ووزير الصناعة إبراهيم الشيخ، وكبار المسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم عضو مجلس السيادة محمد الفكي، ومستشار رئيس الوزراء السياسي ياسر عرمان، وعضوا لجنة تفكيك نظام 30 يونيو وجدي صالح، وطه عثمان، وحمل المحتجون على الأكتاف على وجه خاص كلاً من عضو مجلس السيادة محمد الفكي، وعضو لجنة تفكيك نظام 30 يونيو وجدي صالح، ورددوا هتاف «صامولة... صامولة»، استناداً إلى مقولة كان يرددها على الدوام بتفكيك دولة حزب البشير واسترداد الأموال ومكافحة الفساد.
وجاءت دعوة «تجمع المهنيين السودانيين» الذي قاد الحراك الاحتجاجي الذي أسقط حكم الإسلاميين في 2019، ولجان المقاومة في الأحياء، وقوى تحالف إعلان الحرية والتغيير، للمظاهرات الاحتجاجية لدعم المدنية وإنجاز المطالب الثورية، وللرد على مجموعة مكونة من حركات مسلحة، على رأسها وزير المالية جبريل إبراهيم، وحاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، تعتصم أمام القصر الرئاسي منذ السبت الماضي، لمطالبة مجلس السيادة بحل الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك.
- اتهامات بدعم حكم العسكر
وتتهم قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تمثل المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، هذه المجموعة، بأنها مدفوعة من العسكريين وقوات الدعم السريع للسيطرة على الحكومة، منتحلة اسم التحالف، واعتبرتها وكالات ومؤسسات إعلامية بأنها «مصنوعة» ومدعومة من العسكريين، ما يمكنهم من البقاء على قمة السلطة، مع اقتراب أجل تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، وفقاً للوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية.
وتشهد البلاد منذ نحو شهر توتراً كبيراً، تبودلت خلاله الاتهامات بين المكونين العسكري والمدني في الشراكة التي تقودها السلطة الانتقالية، حمّل خلالها العسكريون القوى السياسية المسؤولية عن المحاولات الانقلابية المتعددة خلال الفترة الانتقالية، والمسؤولية عما وصفوه بالفشل السياسي والاقتصادي، غداة الإعلان عن إحباط المحاولة الانقلابية الأخيرة في 21 سبتمبر الماضي، في الوقت الذي يتهم فيه المدنيون العسكريين باختطاف الدولة وخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار الأمني، لتبرير رفضهم تسليم السلطة للمدنيين.
ويُحكم السودان بوثيقة دستورية تم توقيعها في 17 أغسطس (آب) 2019، نصت على اقتسام السلطة بين المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية التي ينتظر أن تنتهي بنهاية عام 2024، ويترأس خلال الفترة الأولى من الحكم الانتقالي العسكريون، على أن تؤول الفترة الثانية للمدنيين، ومع اقتراب نهاية فترة العسكريين راجت شكوك قوية أنهم لا يرغبون في تسليم السلطة للمدنيين.



وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
TT
20

وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)

ناقشت اللجنة الوزارية الخماسية بشأن غزة، الأربعاء، مع ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، خطة إعادة إعمار القطاع التي أقرتها القمة العربية الطارئة في القاهرة بتاريخ 4 مارس (آذار) الحالي.

جاء ذلك خلال اجتماع استضافته الدوحة، بمشاركة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، والدكتور أيمن الصفدي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، والدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، وخليفة المرر وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية، وحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وبحث المشاركون تطورات الأوضاع في غزة، واتفقوا على مواصلة التشاور والتنسيق بشأن الخطة كأساس لجهود إعادة إعمار القطاع، بحسب بيان صادر عن الاجتماع.

بدر عبد العاطي يلتقي ويتكوف على هامش الاجتماع في الدوحة (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي ويتكوف على هامش الاجتماع في الدوحة (الخارجية المصرية)

وأكد الوزراء العرب أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشددين على ضرورة إطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، بما يضمن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

وجدَّدوا تأكيد الحرص على استمرار الحوار لتعزيز التهدئة، والعمل المشترك من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية، والتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

وسبق الاجتماع لقاء للوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني، في الدوحة، بحثوا خلاله «سبل الترويج وحشد التمويل للخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، لا سيما في ظل استضافة مصر للمؤتمر الدولي لإعادة الإعمار بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية، وبحضور الدول والجهات المانحة»، بحسب الخارجية المصرية.

من لقاء الوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني في الدوحة (الخارجية المصرية)
من لقاء الوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني في الدوحة (الخارجية المصرية)

كان الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة (غرب السعودية)، الجمعة الماضي، قد أكد دعم الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، مع التمسُّك بحق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه.

ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في تصريحات أعقبت «اجتماع جدة»، إن الخطة أصبحت عربية - إسلامية، بعد تبنّي واعتماد «الوزاري الإسلامي» جميع مخرجات «قمة القاهرة»، مؤكداً السعي في الخطوة المقبلة لدعمها دولياً، عبر تبنيها من قِبل الاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية؛ كاليابان وروسيا والصين وغيرها، للعمل على تنفيذها.

بدر عبد العاطي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإسلامي بمحافظة جدة (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإسلامي بمحافظة جدة (الخارجية المصرية)

وأشار الوزير المصري إلى تواصله مع الأطراف الدولية بما فيها الجانب الأميركي، وقال إنه تحدّث «بشكل مسهب» مع مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط عن الخطة بمراحلها وجداولها الزمنية وتكاليفها المالية. وأضاف أن ويتكوف تحدث عن عناصر جاذبة حولها، وحسن نية وراءها.

إلى ذلك، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، في بداية اجتماع بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء الآيرلندي مايكل مارتن: «لن يطرد أحد أحداً من غزة».

من جهته، دعا رئيس الوزراء الآيرلندي خلال لقائه ترمب، إلى وقف إطلاق النار في غزة، وقال: «نريد السلام، نريد إطلاق سراح الرهائن»، مضيفاً: «يجب إطلاق سراح جميع الرهائن، ويجب إدخال المساعدات إلى غزة».