بوادر أزمة جديدة بين باريس والجزائر

فرنسا طالبت بـ«احترام» سيادتها إثر تصريحات «مستفزة» من السفير الجزائري

جزائريون خلال مشاركتهم في إحياء الذكرى الـ60 لقتل متظاهرين جزائريين عام 1961 في باريس (أ.ب)
جزائريون خلال مشاركتهم في إحياء الذكرى الـ60 لقتل متظاهرين جزائريين عام 1961 في باريس (أ.ب)
TT

بوادر أزمة جديدة بين باريس والجزائر

جزائريون خلال مشاركتهم في إحياء الذكرى الـ60 لقتل متظاهرين جزائريين عام 1961 في باريس (أ.ب)
جزائريون خلال مشاركتهم في إحياء الذكرى الـ60 لقتل متظاهرين جزائريين عام 1961 في باريس (أ.ب)

بدأت تلوح في الأفق بوادر أزمة جديدة بين باريس والجزائر، بعد أن دعت فرنسا، مساء أول من أمس، سلطات الجزائر إلى «احترام» السيادة الفرنسية، وذلك بعدما حضّ السفير الجزائري جاليته المقيمة في فرنسا على «تشكيل رافعة» للتدخل في «الحياة السياسية الفرنسية»، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية أمس.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الفرنسية أن «وزير أوروبا والشؤون الخارجية جدّد الأسبوع الماضي التأكيد على تمسّك فرنسا باحترام السيادة الجزائرية. ومن البديهي أنّنا نتوقّع من كلّ شركائنا أن يحترموا سيادتنا».
وكان سفير الجزائر في باريس، محمد عنتر داود، قد حض الخميس الماضي الجالية الجزائرية في فرنسا على الاستثمار في الجزائر وليس فقط في فرنسا.
وقال السفير؛ خلال منتدى خُصّص لإحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961 أمام مئات الجزائريين المقيمين في الديار الفرنسية، إنه «من غير المقبول ألا تتمكّن الجزائر، التي تتوفر على أكبر جالية أجنبية بفرنسا و18 قنصلية، من الأخذ بزمام الأمور من أجل التدخّل، ليس في السياسة الجزائرية فحسب؛ بل أيضاً على مستوى السياسة الفرنسية»، وهو ما عدّته أوساط فرنسية «تصريحات مستفزة».
وهذه هي المرة الأولى، التي يصدر فيها عن مسؤول سام في الدولة الجزائرية، تصريح علني يدعو من خلاله الجزائريين الذين يحملون جنسية هذا البلد، إلى ممارسة حقوقهم السياسية التي يكفلها دستور المستعمرة السابقة، باعتبارهم مواطنين فرنسيين. غير أن المطلب كان معمولاً به في وقت سابق، في عهد ودادية الجزائريين بأوروبا، التي اختفت في نهاية ثمانينات القرن الماضي.
وعّد مراقبون أن المستهدف الأول من تصريحات السفير عنتر داود هو الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يعد أبرز خصم سياسي للدولة الجزائرية في الوقت الراهن، خصوصاً أنه مترشح مرتقب للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، دون نسيان الخصوم التقليديين الآخرين، وعلى رأسهم مارين لوبان، المرشحة المحتملة لـ«الجبهة الوطنية»، واليمين المتطرف. وفهم الطرف الفرنسي تصريحات سفير الجزائر على أنها إشارة إلى الجالية الجزائرية لمعاقبة الأطراف السياسية الفرنسية التي تتطاول على الجزائر، خصوصاً أن أعدادها الكبيرة (أكثر من 5 ملايين مهاجر جزائري) تستطيع، إذا ما انتظمت في كتلة انتخابية واحدة، قلب الموازين السياسية في فرنسا، ومن ثم معاقبة الرئيس المترشح إيمانويل ماكرون بالتصويت ضده، وإسقاطه عن عرش الإليزيه. وتأتي هذه المواقف في سياق توتر بين فرنسا والجزائر، بعد تصريحات للرئيس ماكرون عدّ فيها أن الجزائر بنيت بعد استقلالها عام 1962 على «ريع للذاكرة»، كرسه «النظام السياسي - العسكري»، وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.
وتحدث ماكرون، بحسب صحيفة «لوموند»، عن «تاريخ رسمي أعيدت كتابته بالكامل... ولا يستند إلى حقائق»، بل إلى «خطاب يقوم على كراهية فرنسا»، واصفاً تبون بأنه «محاصر في نظام صعب للغاية».
ولا يزال طيف حرب الجزائر، التي خاضتها الدولة الفرنسية بين عامي 1954 و1962 في مواجهة «جبهة التحرير الوطني الجزائرية»، يخيّم على العلاقات بين البلدين. ومع قرب موعد الذكرى السنوية لعدد من المحطات المهمة، مثل توقيع «اتفاقيات إيفيان» في 18 مارس (آذار) 1962، ضاعف ماكرون من مبادراته في إطار مسار غير مسبوق لفرنسا، يرمي إلى تهدئة ذاكرة هذا النزاع، الذي لا تزال تداعياته تطال الملايين، حيث كلّف المؤرخ بنجامان ستورا بوضع تقرير حول الحرب وسبل مصالحة ذاكرة البلدين، واعترف رسمياً باغتيال فرنسا المحامي الجزائري علي بومنجل عام 1957، كما أعاد رفات مقاومين جزائريين من القرن الـ19، وطلب «العفو» من «الحركيين الجزائريين»؛ الذين ساعدوا الجيش الفرنسي، عن الطريقة التي عاملتهم بها باريس بعد الحرب.
والسبت الماضي ندّد ماكرون بـ«جرائم لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية»، إثر إقامة مراسم رسمية إحياء للذكرى الستين لقتل متظاهرين جزائريين في 17 أكتوبر 1961 في باريس.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.