محاكمة صعب تفجّر أزمة جديدة بين واشنطن وكراكاس

تحوّل تسليم ألكس صعب، الذراع المالية للنظام الفنزويلي، إلى السلطات القضائية الأميركية إلى أزمة جديدة مفتوحة بين واشنطن وكراكاس، بعد الانفراج النسبي الذي شهدته العلاقات بين الطرفين إثر وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وبعد 4 سنوات من التوتر والتلويح بالتدخل العسكري في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
ومع ازدياد مخاوف النظام الفنزويلي من احتمالات توصل الولايات المتحدة إلى صفقة مع صعب يكشف بموجبها عن معلومات حساسة حول الطرق والشبكات التي كان يستخدمها للالتفاف على العقوبات التجارية والمالية المفروضة على حكومة نيكولاس مادورو والمقرّبين منه، صعّد الرئيس الفنزويلي خطواته وخطابه، وفتح معركة واسعة للإفراج عنه، رافعاً مستوى التهديدات والتداعيات المحتملة لتسليمه. وكانت أولى هذه الخطوات انسحاب الوفد الحكومي من المفاوضات الجارية في المكسيك مع المعارضة الفنزويلية برعاية النرويج وحضور الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، بعد تعيين صعب عضواً دائماً في الوفد.
وبعد وصول صعب إلى الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي من الرأس الأخضر، حيث كان معتقلاً منذ مطلع صيف العام الماضي تنفيذاً لمذكرة جلب صادرة عن «إنتربول»، بدأت الحكومة الفنزويلية حملة منسّقة عبر وسائل الإعلام التابعة لها والمتعاطفة معها لدعم الموقف الرسمي الذي يعدّ رجل الأعمال الكولومبي، المتحدر من أصول لبنانية، مندوباً دبلوماسياً للحكومة ومفاوضاً باسمها في المكسيك، وضحيّة «عملية اختطاف قامت بها الولايات المتحدة بالتواطؤ مع حكومة الرأس الأخضر»، كما جاء الأربعاء على لسان نيكولاس مادورو، من غير الإشارة إلى ما تضمنته مذكرة الجلب الصادرة بحقه من تهم بغسل أموال وفساد.
وتصرّ الحكومة الفنزويلية على أن تسليم صعب إلى السلطات الأميركية يشكّل انتهاكاً لأحكام القانون الدولي، وهو «اعتداء تقوم به الإمبريالية الأميركية ضد الثورة البوليفارية»، مؤكدة أنه تعرّض للتعذيب وسوء المعاملة عندما كان معتقلاً في الرأس الأخضر.
وفي تصريحات، أمس، قال نيكولاس مادورو: «لست أدري ما الذي سيحدث بالنسبة للحوار مع المعارضة... هذا سنعود إليه لاحقاً؛ لأننا في الوقت الراهن نشعر بالإهانة والظلم، ونسعى إلى الإفراج عن هذا الرجل الطيّب والنظيف الذي خطيئته الوحيدة أنه يحب شعب فنزويلا، وذنبه أنه الذي وفّر لنا الوقود في وجه العقوبات المجحفة المفروضة علينا، والغذاء والأدوية التي يحتاجها الشعب الفنزويلي».
وكشف مادورو عن أنه هو الذي سعى إلى المفاوضات مع المعارضة في المكسيك، وأنه أجرى اتصالات مكثّفة مع كل الأطراف المعنية؛ بما فيها الولايات المتحدة، واصفاً اعتقال صعب وتسليمه بأنه «طعنة في الظهر» من واشنطن التي وصف تصرفها بالحماقة. وقال: «حذّرنا الولايات المتحدة من أننا سنتخذ تدابير صارمة في حال تسليم صعب»، لكن من غير أن يكشف عن هذه التدابير التي ما زالت في دائرة الاحتجاجات والتنديد بعد الانسحاب من المفاوضات مع المعارضة.
يذكر أن هامش المناورة أمام النظام الفنزويلي ضيّق جداً، حيث إن الأزمة الاقتصادية الخانقة والوضع الاجتماعي المتدهور يدفعانه إلى السعي نحو تخفيف العقوبات عن طريق المفاوضات التي قرر الانسحاب منها، فضلاً عن أن صعب أصبح في عهدة القضاء الأميركي الذي بدأ الأربعاء استجوابه في إحدى محاكم ولاية فلوريدا، ولم يعد هناك من مجال لوقف إجراءات المحاكمة.
ويخشى النظام الفنزويلي من احتمال تجاوب صعب مع عرض من القضاء الأميركي لتخفيف عقوبته أو حتى للإفراج عنه، مقابل كشفه عن معلومات مهمة تقدّر أوساط مطلعة أنها تشمل مئات المسؤولين المدنيين والعسكريين الضالعين في أعمال فساد وغسل أموال، ويمكن أن تطال الرئيس الفنزويلي وعائلته والدائرة المقرّبة منه، خصوصاً أن صعب كان الوكيل الشرعي الذي يتصرّف بالنيابة عن مادورو وزوجته لإبرام صفقات مالية وتجارية.