لماذا تستغرق عملية التوظيف وقتاً طويلاً بالعادة؟

في العديد من الأماكن يستغرق التوظيف أسابيع وأحياناً أكثر من شهر (أرشيفية - رويترز)
في العديد من الأماكن يستغرق التوظيف أسابيع وأحياناً أكثر من شهر (أرشيفية - رويترز)
TT

لماذا تستغرق عملية التوظيف وقتاً طويلاً بالعادة؟

في العديد من الأماكن يستغرق التوظيف أسابيع وأحياناً أكثر من شهر (أرشيفية - رويترز)
في العديد من الأماكن يستغرق التوظيف أسابيع وأحياناً أكثر من شهر (أرشيفية - رويترز)

عندما تطرح شركة ما وظيفة شاغرة، تكون هناك حاجة ملحة للتوظيف، لكلا الطرفين المعنيين. بمجرد التقديم، يريد العمال الحصول على وظائف جديدة بسرعة، والبدء في جني رواتبهم والانضمام إلى إيقاع المنصب الجديد. ويعد التوظيف السريع أمراً مهماً أيضاً لأصحاب العمل، نظراً لأن الوظائف الشاغرة تكلّف الشركات خسارة الإنتاجية والتوزيع غير الفعال للموارد للتعويض عن المقاعد الخالية.
رغم أن التوظيف يجب أن يتحرك بسرعة، فإن ذلك لم يحدث قط حتى الآن، حيث يبحث الكثيرون عن وظائف جديدة، ويعتبر أرباب العمل حريصين على ضم هؤلاء العمال إلى صفوفهم، وفقاً لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
من الناحية الواقعية، في العديد من الأماكن، يستغرق التوظيف أسابيع - وأحياناً أكثر من شهر. وتدخل المشكلات اللوجستية أو العمليات الخاصة بالصناعة أو العوامل الفريدة جميعها في وقت الانتقال من إعلان الوظيفة إلى العرض الرسمي.
*أسباب التأخير
تقول تيريزا آدامز، كبيرة مستشاري جمعية إدارة الموارد البشرية: «عمليات التوظيف التي تبدو بلا نهاية كانت مشكلة طويلة الأمد، حتى في فترة ما قبل جائحة (كورونا)».
في عام 2017، عندما قام باحثون من منصة «غلاسدور» الأميركية للبحث عن الوظائف بتحليل نتائج أكثر من 83 ألف مقابلة عمل عبر الصناعات في 25 دولة، وجدوا أن متوسط عملية التوظيف يستغرق 23.7 يوم. في زيادة طفيفة على عام 2016، عندما كان متوسط الوقت 22.5 يوم.
اختلفت النتائج على نطاق واسع حسب البلد؛ ففي البرازيل، كان المتوسط في عام 2017 39.6 يوم، مقارنة بـ16.1 يوم في الهند. وتعزو «غلاسدور» التباينات في لوائح سوق العمل - إلى أي مدى يكون من السهل تعيين الموظفين وفصلهم. ففي الولايات المتحدة، هناك زيادة ملحوظة في طول عمليات التوظيف. بين عامي 2010 و2015، وجدت «غلاسدور» أن متوسط الوقت زاد بمقدار 10 أيام.
بالطبع، تختلف عمليات التوظيف حسب الصناعة ونوع الوظيفة. تقول آدامز إنه رغم أن شغل الوظائف في مجال البيع بالتجزئة أو خدمة الطعام لا يستغرق الكثير من الوقت، فإن التوظيف لأدوار صناعة المعرفة قد يستغرق وقتاً أطول.
ويأتي ذلك مدعوماً بالبيانات: في أغسطس (آب) 2021، حلل موقع «لينكد إن» نحو 400 ألف عملية توظيف مؤكدة على منصته لمعرفة المدة التي استغرقتها. وجد الباحثون أن المجالات التي استغرق التوظيف فيها أطول فترة هي مجالات الهندسة والبحث، التي احتاجت لمتوسط 49 و48 يوماً على التوالي؛ وكانت أقصر الوظائف هي خدمة العملاء والوظائف الإدارية، حيث استغرقت متوسط 34 و33 يوماً على التوالي.
وجدت دراسة أخرى في عام 2017 أن شغل الوظائف في الصناعات مثل البناء يمكن أن يكون سريعاً يصل إلى 12.7 يوم في المتوسط - لكن الخدمات المالية يمكن أن تستغرق 44.7 يوم.
وقد يكون حجم الشركة أيضاً عاملاً في الجداول الزمنية للتوظيف. تميل الشركات الأكبر حجماً إلى «امتلاك أقسام موارد بشرية أكبر وأكثر قوة، ما يؤدي إلى مزيد من المركزية والهيكلية في التوظيف»، كما يقول مايكل جيبس، أستاذ الاقتصاد في كلية بوث للأعمال بجامعة شيكاغو.
ومن المحتمل أن تكون لهذه الشركات عمليات أطول وتطلب من المرشحين مقابلة المزيد من الأشخاص. يضيف ستيفن إم راكاس، المدير التنفيذي في كلية تيبر للأعمال في جامعة كارنيجي ميلون، بالولايات المتحدة: «نظراً للاختلاف في الموارد بين شركة كبيرة وشركة ناشئة ربما تضم بضعة عشرات من الموظفين، فإن هذا منطقي تماماً».
في العديد من القطاعات، أضافت العقبات مثل اختبارات المخدرات واختبارات الشخصية والبحث عن الخلفية وتقييم المهارات أكثر شيوعاً، المزيد من الخطوات إلى عملية التوظيف. لكن التوظيف يأتي دائماً مع لوجستيات تستغرق وقتاً طويلاً: فحص السير الذاتية، وإجراء مقابلات مع المرشحين، وجدولة مقابلات المتابعة مع مديري التوظيف الآخرين. رغم أن أنظمة الذكاء الصناعي وإدارات الموارد البشرية يمكن أن تتولى بعضاً من هذا، فإن المديرين المشغولين الذين يتعاملون مع أولويات متعددة يجب أن يشاركوا أيضاً - مما قد يتسبب في حدوث تأخيرات.
وتشرح آدامز: «عادة ما يكون للمديرين وظائفهم الخاصة، وعندما يكون لديهم منصب شاغر، فقد تصبح لديهم وظيفتان من الناحية الفنية».
ويمكن لعمليات التوظيف الطويلة، بالطبع، أن تأتي بنتائج عكسية على أصحاب العمل، عندما ينتهي الأمر بالمرشحين إلى فقدان الاهتمام بالوظيفة. يمكن للفجوات الطويلة بين المقابلات وضعف التواصل، تشجيع المتقدمين على البحث عن فرص أخرى بدلاً من ذلك.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».