نصر الله يسعى لوقف الاستخفاف بـ«فائض القوة» لدى حزبه

TT

نصر الله يسعى لوقف الاستخفاف بـ«فائض القوة» لدى حزبه

يقول مصدر سياسي معلقاً على المواقف التي أعلنها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله وخصّ بها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من دون أن يسمّيه، إنه أدى خدمة سياسية لخصمه اللدود، ليس بدعوته له إلى أن «يقعد عاقل ويتأدّب» فحسب؛ وإنما للتهويل عليه بأن لدى الحزب 100 ألف مقاتل مسلحين على أكمل وجه، وينتظرون الإشارة «لطحن الجبال»، ويعزو السبب إلى أن تهديد جعجع هو الذي استوقف الرأي العام اللبناني؛ ومن خلاله الدولي والإقليمي، من دون أن يتوقف أمام سرده تاريخه السياسي بأبرز محطاته؛ «لأن تهديده أقلق السواد الأعظم من اللبنانيين الذين تعاملوا معه على أنه يؤدي إلى تعويم جعجع سياسياً في الشارع المسيحي، وبالتالي لم يكن مضطراً للتلويح بفائض القوة الذي يتمتع به الحزب».
ويلفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن نصر الله «لم يكن مضطراً للخروج عن المضامين السياسية في محاكمته جعجع التي لم تكن قضائية، باستحضاره الهيكل العسكري لحزبه الذي يتجاوز تعداد الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، وإنما أراد التوجُّه إلى محازبيه وأنصاره لاستيعابهم؛ ولطمأنتهم على مستقبلهم بغية استعادة زمام المبادرة بالهجوم على خصومه؛ وأولهم جعجع، وصولاً لتصفية حسابه مع حزب (القوات) على خلفية اتهامه بأن مشروعه هو الرهان على الحرب الأهلية».
ويستبعد أن يكون نصر الله اضطر للحديث عن الهيكل العسكري لحزبه لتوجيه رسالة إلى الذين يدققون في نتائج الانتخابات النيابية في العراق على أنها أول مؤشر لتراجع نفوذ إيران لمصلحة خصومها، ويقول إنها قادرة على استرداد ما خسرته لأن جميع القوى؛ وعلى رأسهم من يصنّفون على لائحة الخلاف معها، لن تذهب بعيداً في مشروعها الذي يبقى تحت السيطرة، ويؤكد أن البعض، وإن كان ينطلق في تقديم الموقف المستجدّ لنصر الله على أنه يأتي في سياق الهجوم في موقع الدفاع عن الدور الإيراني في العراق، فإنه يغيب عن باله أنه يهدف من وراء تهديده إلى استيعاب الإرباك الذي أصاب قاعدته الحزبية والحاضنة الشعبية للمقاومة بعد العاصفة الدموية التي استهدفت مناطق التماس في الضاحية الجنوبية.
ويكشف المصدر نفسه عن أن نصر الله كان مضطراً للتهديد بقوة الهيكل العسكري الذي يتمتع به حزبه لوقف الاستخفاف بفائض القوة الذي لم يسمح له باستخدامه عندما تعرضت مجموعة من الشبان في بلدة شويا في قضاء حاصبيا لعناصر الحزب والشاحنة التي استخدموها لقصف المنطقة المفتوحة الممتدة بين منطقة مزارع شبعا المحتلة وبين تخوم منطقة جنوب الليطاني التي هي بمثابة منطقة مشتركة لعمليات الجيش و«يونيفيل» لتنفيذ القرار «1701»، ومن ثم لوقف الاشتباك الذي كان اندلع في منطقة خلدة بين عناصر حزبية وأخرى عشائرية وقبلية على خلفية الثأر لمقتل شخص ينتمي إلى العشائر العربية.
ويؤكد أن الحزب بات مضطراً لأن يستعيد هيبته لئلا يتحوّل إلى «مكسر عصا»، ولم يجد أمامه سوى «القوات» محمّلاً إياها مسؤولية مواجهات الطيونة التي أدت إلى سقوط 7 قتلى؛ بينهم امرأة، ويقول إن نصرالله «أراد أن يُخضع جعجع لمحاكمة سياسية على أن تضاف إلى المحاكمة القضائية التي طالته سابقاً وأدت إلى سجنه، مع أنها مسبوقة في تاريخ العلاقة بين الطرفين من موقع الاختلاف والخصومة الدائمة، رغم أنه كانت جرت محاولات لفتح حوار بينهما لكنها لم تفلح لتنظيم الخلاف انطلاقاً من التفاهم على ربط النزاع أسوة بما هو حاصل الآن في علاقة (حزب الله) بكل من (تيار المستقبل) و(الحزب التقدمي الاشتراكي)».
ويرى أن «لا خلفية إقليمية أو دولية لحديث نصر الله عن الهيكل العسكري لحزبه، لكن هذا لا يمنع من توظيفه في خانة توجيه رسالة إلى إسرائيل لمنعها من المساس بقواعد الاشتباك في جنوب لبنان، وأيضاً إلى المجتمعين الدولي والإقليمي بعدم الرهان على (القوات) كرأس حربة في مواجهة الحزب والتصدي لتمدّده ونفوذه إلى خارج الحدود»، ويقول إن نصر الله أراد أن يواجه «القوات» على «عتبة الاستعدادات لخوض الانتخابات النيابية، لعل خصومه يبادرون إلى التحسب منذ الآن لرد فعله في حال قرر جعجع أن يتجرّأ على (حزب الله) من دون حساب لقدرته على حسم الموقف».
ويعدّ أن لجوء «حزب الله» لإخضاع جعجع إلى محاكمة سياسية لم يمنعه من التهويل عليه وتهديده بمحاكمة «ميدانية» من نوع آخر في حال استمر في تطاوله على «الحزب» والتحريض عليه، ومن هنا تهديده بعدد مقاتليه الـ100 ألف لبناني، كما قال.
ويلفت إلى أن تهديد نصر الله لجعجع «لن يمر مرور الكرام إقليمياً ودولياً؛ وإن كان يقصد من ورائه شد العصب داخل الحاضنة الشعبية للمقاومة لمواجهة ما سمّاه نصر الله (رهان جعجع على جر البلد إلى حرب أهلية)»، ويقول إنه ستكون هناك تداعيات لتهديده على المستويين العربي والدولي، «وهذا يشكل إحراجاً للحكومة الميقاتية وهي تواصل التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات».
ويؤكد أن تهديد نصر الله يؤدي إلى «ضرب مشروع إعادة بناء الدولة، فيما يسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تدوير الزوايا لعله يتمكن من معاودة جلسات مجلس الوزراء وإخراج التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت من المأزق الذي يواجهه، كما أن هذا التهديد سيُدرج على جدول الاهتمامات الدولية بلبنان التي تعوق إعادته إلى الخريطة الدولية التي هي من أولويات ميقاتي».
لذلك؛ فإن تهديد نصر الله لجعجع سيؤدي، على الأقل في المدى المنظور، لرئيس «القوات» خدمة من السابق لأوانه التكهّن بمردودها عليه في الانتخابات النيابية؛ لأنها أتاحت له التقدُّم بشكل ملحوظ على خصومه في الشارع المسيحي، كما أن استحضار القوة العسكرية للحزب يشكّل قلقاً لدى الطوائف الأخرى من خلال أبرز قياداتها التي تتواصل مع «الحزب» تحت سقف التهدئة لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي.
كما أن خصوم جعجع في الشارع المسيحي كانوا يفضّلون، بحسب المصدر نفسه، «ألا يتطرّق نصر الله إلى القوة العسكرية لحزبه؛ لأن استحضارها لن يؤسس لحلفائه للدخول في مرحلة سياسية تسمح لهم باسترداد القوة الثالثة في شارعهم التي ما زالت تتموضع في منتصف الطريق بين (القوات) و(التيار الوطني الحر) وتختزن قوى معارضة تتواصل مع أطراف الحراك المدني».
أما إذا كان «حزب الله» يعوّل على أن هجومه على «القوات» سيخدم حليفه النائب جبران باسيل بإعادة تعويم ورقة التفاهم مع احتفاظ الأخير بحقه في التمايز عن «الحزب»، فإنه سيكتشف أن هناك صعوبة في إحداث فرز في الشارع المسيحي يؤدي إلى خلط أوراق التحالفات بحسابات جديدة.
وعليه؛ فإن «أمر العمليات» الذي أصدره نصر الله باستهدافه حصراً «القوات» يحول حتى الساعة دون تحقيق الحد الأدنى من الأهداف المرجوّة منه، إن لم يكن سيدفع باتجاه تعميق الهوّة بين الحزب وقوى أساسية في الشارع المسيحي، فيما أن الحوار بين «بكركي» و«الحزب» في حاجة إلى إعادة التواصل بعد أن انقطع منذ دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى تحييد لبنان.
وتبقى الإشارة إلى أن نصر الله، بحسب المصدر السياسي، اضطر لإدراج اسم «القوات» بنداً أول على جدول أعمال «الحزب» في المرحلة الراهنة لأنه في حاجة إلى استنفار جمهوره للدفاع عن قضية وجودية باتهامه جعجع بالعمل على إقامة «كانتون مسيحي»، فيما يصر على قطع الطريق على من يحاول أن يجره إلى خلاف مع الجيش بعد أن تعرّضت قيادته لهجوم منظّم من مواقع التواصل وبعضها محسوب على «الحزب»، وكانت «استقوت» بالحملات التي شنّها عدد من أبرز المسؤولين في «الحزب» الذين غمزوا من قناة المؤسسة العسكرية في تطرّقهم إلى ما حدث في الطيونة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.