موانع إجرائية وقانونية أمام محاولات تنحية بيطار عن ملف مرفأ بيروت

بعد تسريبات عن اقتراح قانون إنشاء «هيئة اتهامية عدلية»

القاضي طارق بيطار (الوكالة المركزية)
القاضي طارق بيطار (الوكالة المركزية)
TT

موانع إجرائية وقانونية أمام محاولات تنحية بيطار عن ملف مرفأ بيروت

القاضي طارق بيطار (الوكالة المركزية)
القاضي طارق بيطار (الوكالة المركزية)

أكدت مصادر قضائية لبنانية، أمس (الاثنين)، سقوط صيغة دعوة مجلس القضاء الأعلى إلى الانعقاد سريعاً، والبحث في تعيين محقق عدلي جديد في جريمة انفجار مرفأ بيروت، بديلاً للقاضي طارق بيطار الذي يواجه احتجاجات سياسية على إجراءاته، خصوصاً من قبل «الثنائي الشيعي» الذي يضم «حزب الله» وحركة «أمل»، في ضوء أن هذا المخرج يضرب مبدأ فصل السلطات، ويكرس طغيان السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ويكبلها.
وإزاء انسداد الأفق أمام الجميع، سرت تسريبات عن توجه لتقديم اقتراح قانوني معجل مكرر إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي التي تعقد اليوم، يقضي بإنشاء «الهيئة الاتهامية العدلية»، بصفتها هيئة قضائية جديدة يُناط بها مهمة النظر بقرارات المحقق العدلي، وتحديداً ما يتعلق بالادعاء على سياسيين ومذكرات التوقيف، والعمل على إبطالها أو تثبيتها.
وتردد أن هذا الاقتراح وليد اتفاق بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير العدل هنري خوري، وهو يشكل تسوية تحفظ ماء وجه القضاء، ولا تطيح بالمحقق العدلي، ويعد مخرجاً قانونياً «يصوب مسار التحقيق»، ويبطل قرار الادعاء على سياسيين، بمن فيهم رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والنواب نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل، والوزير السابق يوسف فنيانوس، علماً بأن أوساطاً قانونية وضعت هذا المشروع في سياق تطويق بيطار، والالتفاف على قراراته.
وعلى الرغم من الحديث عن تقدم حظوظ هذا الاقتراح، وتداوله على نطاق واسع بصفته مخرجاً من الأزمة الحالية، فإن أي كتلة نيابية لم تتبناه بعد، إذ تراوحت مواقفها منه بين رافض ومتحفظ ومتريث، حتى أن كتلة «الوسط المستقل» التي يرأسها ميقاتي غير مطلعة على مضمون هذا الاقتراح، حيث أوضح عضو الكتلة النائب نقولا نحاس لـ«الشرق الأوسط» أن «الموضوع غير مطروح من قبلنا بشكل رسمي، وكتلتنا لم تجتمع بعد، ولم تتخذ قراراً بهذا الخصوص»، لكنه لمح إلى أن «الموضوع قيد التداول لدى أطراف عدة، ونحن لم نحسم رأينا بشأنه».
أما كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهي أكثر المعنيين بالصراع مع بيطار، في ضوء أن اثنين من أعضائها مستهدفان، هما علي غازي زعيتر وحسن علي خليل (الأخير صدرت بحقه مذكرة توقيف غيابية)، فبرأت نفسها من هذا الطرح، ورأى النائب قاسم هاشم أنه «من السابق لأوانه إعطاء الرأي في موضوع لم نطلع عليه بعد. وعندما يُطرح علينا، سنبدي موقفنا».
وقال هاشم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «يحق لأي نائب أن يقدم اقتراح قانون معجل مكرر، ويحق للرئيس بري أن يضع على جدول أعمال الجلسة أي أمر استثنائي طارئ، لكن اقتراح كهذا يجب أن يقدم قبل 48 ساعة من موعد الجلسة التشريعية، وهذا لم يحصل حتى الآن».
وأضاف النائب هاشم: «نحن مع الأصول الدستورية والقانونية بكل ما يتعلق بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت، وقلنا كلمتنا للمعنيين بأن ملاحقة الرؤساء والوزراء ليست من اختصاص المجلس العدلي، وإلا لماذا وجد القانون والدستور؟».
وينسحب الانقسام السياسي حول إجراءات المحقق العدلي على هذا الاقتراح، إذ إن القوى الداعمة لخطوات بيطار تعارض بشدة الذهاب إلى إنشاء هيئة قضائية تطوقه وتحد من صلاحياته، حيث رفض عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية)، النائب وهبة قاطيشا، بالمطلق «التسليم بأي خطوة تعطل التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وتعرقل مسار القاضي بيطار».
وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «لا يمكن إقرار قانون يخدم فئة من اللبنانيين، لأنه ينسف المساواة بين المواطنين»، ولفت إلى أن «المطلوب إسقاط كل الحصانات في جريمة المرفأ، من رئيس الجمهورية إلى كل المناصب السياسية والوظيفية»، داعياً إلى «الحكم على المحقق العدلي بموجب القرار الظني الذي يصدره، وليس من خلال تحقيقاته واستدعاءاته».
وعلى قاعدة الضرورة في اتباع القواعد الدستورية في عمليات التشريع، ثمة موانع تعرض هذا القانون للإبطال أمام المجلس الدستوري في حال إقراره، إذ عد الخبير الدستوري القانوني المحامي سعيد مالك أنه «لا يمكن تشريع نص عام لحالة خاصة»، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الطرح «لا يعدو كونه محاولة لإحراج القاضي طارق بيطار، ودفعة للتنحي».
وقال إنه «لا يمكن تمرير هذا الاقتراح بصيغة المعجل المكرر، لأن المادة (5) من تنظيم قانون القضاء العدلي تعطي مجلس القضاء الأعلى الحق بإبداء رأيه بكل مشروع أو اقتراح قانون يتعلق بالتشريعات القضائية»، مذكراً بأن «تقديم أي اقتراح قانون بهذا الخصوص يستوجب إحالته على لجنة الإدارة والعدل التي عليها أن تأخذ رأي مجلس القضاء لأنه من القوانين العضوية، ولا يمكن تمريره بقانون عادي».
وتترقب الأوساط القضائية والقانونية الخطوات التي سيلجأ إليها القاضي بيطار في الساعات المقبلة، وما إذا كان سيستمر في تحقيقاته أم أنه سيتريث بانتظار تهدئة الأمور. إلا أن مرجعاً قانونياً أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «شيئاً لم يتبدل على صعيد برنامج المحقق العدلي، إذ إن جلسة استجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب لا تزال في موعدها في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، والقرار الذي سيتخذه بحق دياب يتوقف على مثوله والإدلاء بإفادته من عدمه».
ورأى المرجع القانوني أنه «من حق بيطار تحديد موعد جديد لاستجواب النائبين نهاد المشنوق وغازي زعيتر، بالاستناد إلى النصوص القانونية المرعية الإجراء»، وذكر بأن «المادة (97) من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على ما يلي: إذا لوحق النائب خارج دورة انعقاد الدورة العادية للمجلس، فتستمر الملاحقة من دون الحاجة إلى إذن لرفع الحصانة النيابية عنه».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.