توقعات باستمرار «المحاصصة» في العراق

طبيعة النظام السياسي تحول دون تغيير حقيقي

TT

توقعات باستمرار «المحاصصة» في العراق

استند النظام السياسي العراقي الذي حل محل نظام «البعث» الشمولي الذي أطاحته الولايات المتحدة الأميركية بتدخل عسكري عام 2003، إلى مفهوم «التوافق والتمثيل النسبي» بين المكونات العراقية؛ القومية والطائفية والإثنية، بحيث لن يتمكن أي ائتلاف أو جماعة سياسية ومهما كانت نسبة تمثيلها السكاني أو البرلماني من تجاهل بقية الأطراف وتشكيل حكومة أغلبية حاكمة.
القوى الشيعية الإسلامية على اختلاف مشاربها، ورغم أغلبيتها العددية المكرسة في البرلمان منذ انتخابات الدورة الأولى النيابية عام 2005، لم تتمكن على الإطلاق من تشكيل حكومة أغلبية من دون مشاركة ورضا المكونات الرئيسية الأخرى؛ القومي في خطه الكردي، والطائفي في فضائه السني العربي. من هنا، فإنه، ومهما قيل عن نتائج انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) التي جرت الأسبوع الماضي، ومهما كانت الآمال المعلقة عليها، فلن يستطيع أي طرف من الأطراف الفائزة الانفراد بتشكيل الحكومة، وسيبقى المسار «التوافقي - التحاصصي» المتعثر الذي سارت عليه البلاد منذ نحو 20 عاماً حاضراً وبقوة؛ مما قد يعني إمكانية تفجر أوضاع البلاد السياسية والاجتماعية في أي لحظة في مستقبل الأيام، مثلما حدث في أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية وكانت ذروته في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019؛ نظراً لأن تجربة الأعوام السابقة أثبتت عقم هذا النظام وعدم قدرته على إصلاح ما يمكن إصلاحه، بالنسبة لأوضاع البلاد المتردية على المستويات كافة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، استنادا لمعظم المراقبين والمحللين المحليين.
لذلك؛ لا تجد الاتجاهات الراغبة في تجاوز مشكلة النظام القائم حلاً سوى تحويله إلى نظام رئاسي. ويرى المنتقدون للنظام القائم أنه يحمل في جذوره عوامل تمييز وظلم عميقة، ذلك أنه قام، وما زال، استناداً على ما يمكن تسميته «العرف السياسي» وليس القانوني أو الدستوري، الذي يجري بمقتضاه توزيع مناصب البلاد الرئيسية (رئاسات: الوزراء والجمهورية والبرلمان) على فئات قومية وطائفية محددة (شيعة - سنة - أكراد) ولا يسمح بتولي منصب رئاسة الوزراء إلا لشخصية شيعية تنتمي بالضرورة إلى جماعات الإسلام السياسي، وكان رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي الاستثناء الوحيد في هذا الاتجاه وربما الأخير.
التوقعات ببقاء شكل النظام وبنيته المستندة إلى سياق «التوافق - التحاصص» السياسي تدعمها طبيعة الإجراءات التي يجري من خلالها التصويت على الحكومة المقبلة داخل البرلمان. فبغض النظر عن عدد نواب الكتلة الكبرى المؤهلة لتشكيل الحكومة (وهي في الدورة الحالية الكتلة الصدرية برصيد 73 مقعداً)، يفرض دستور البلاد أن تخصص الجلسة الأولى لمجلس النواب لانتخاب رئيسه ونائبيه، ويكون ذلك بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس؛ أي بموافقة أكثر من نصف الأعضاء (165 نائباً) باعتبار أن العدد الكلي للمجلس 329 نائباً. بعد ذلك يقوم المجلس بممارسة أول أعماله المتمثلة في فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ويشترط فيه موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس في الجولة الأولى (210 نواب)، وإذا لم يحصل أي من المرشحين على الأصوات الكافية يصار إلى اختيار المرشح الحاصل على أعلى الأصوات.
بدروه؛ يقوم رئيس الجمهورية المنتخب بتكليف مرشح الكتلة الكبرى البرلمانية تشكيل الحكومة واختيار الوزراء بعد أن يحصل على تصويت الأغلبية المطلوبة في البرلمان وتمثل أكثر من نصف أعضاء البرلمان (151) عضواً.
الشروط الآنفة المتعلقة باختيار كبار المسؤولين في الحكومة والبرلمان كانت كفيلة دائماً وفي جميع الدورات الانتخابية بـ«إرغام» الكتلة الكبرى على التفاوض مع بقية الكتل الفائزة لتشكيل الحكومة، وتلك كانت القاعدة التي ارتبطت بقضية التشكيل حتى مع إحراز «الائتلاف الوطني الموحد» الذي يضم غالبية القوى الشيعية 128 مقعداً من إجمالي 275 مقعداً في انتخابات عام 2006، وهي أعلى نسبة مقاعد حصل عليها ائتلاف سياسي؛ لكنه اضطر للتفاهم مع الأطراف الكردية والسنية لتمرير حكومته التي كانت بحاجة إلى أغلبية الثلثين لاختيار رئيس الجمهورية و«النصف زائداً واحد» لاختيار رئيس الوزراء. من هنا؛ فإن تكرار سيناريوهات «التوافق - التحاصص» السابقة في هذه الدورة أمر واضح، ولعله الشيء المحتمل الوحيد، خصوصاً مع حاجة الكتلة الكبرى (الكتلة الصدرية 73 مقعداً) إلى خدمات نحو 70 نائباً لتمرير صفقة اختيار رئيس البرلمان ونائبيه (151 عضواً)، قبل أن تكون بحاجة لخدمات نحو 140 نائباً لانتخاب رئيس الجمهورية (210 أصوات)، وأقل من هذا العدد لتمرير رئيس الوزراء وحكومته.



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.