العراق ومثقفوه في قلب الرياض

من مشهد آخر ليلة من ليالي معرض الكتاب

العراق ومثقفوه في قلب الرياض
TT

العراق ومثقفوه في قلب الرياض

العراق ومثقفوه في قلب الرياض

ونحن نلملم ما تبقى من دور النشر في معرض الرياض، ونرزم الكتب التي أهداها لنا أصدقاؤنا، دواوين شعر، وأحلام سنين، وقصائد حب، وفكر، وقلق، نرزمها ونحن نشاهد بعضنا البعض، حيث الكل يتحرك بسرعة رهيبة تذكرت أبيات البلاغة التي استشهد بها «الجرجاني» حيث بدأت أدندن بهذه الأبيات:
ولما قضينا من منىً كل حاجة
ومسح بالأركان من هو ماسح
وشدت على هدب المهارى ركابنا
فلم يعرف الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وسالت بأعناق المطي الأباطح
وفعلاً كانت هذه الأبيات قريبة جدا من مشهد آخر ليلة من ليالي معرض الكتاب في الرياض، ذلك المعرض الذي فتح قلبه قبل أبوابه لاستقبال العراقيين بوصفهم ضيف شرف المعرض، هذا الأمر يحدث لأول مرة للعراق حيث يحضر العراق بوجهه الذي يعرفه الناس، الوجه الثقافي والفكري والمعرفي والجمالي، العراق الذي وجدناه راسخاً في عقول الشيوخ وقلوب الشباب، لم تفرقهم السنين ولم يقبلوا أن يتبنوا فكرة عن العراق إلا بوصفه قصيدة طويلة كتبت على مر السنين، وكل جيل يأتي يضيف لها بيتاً ويرحل وتبقى الناس رواة لهذه القصيدة الطويلة.
لا يمكن للحديث عن لحظة وجود العراق في معرض الرياض إلا حديثاً شعرياً، لأن المعادل الموضوعي للجمال الذي ووجه به الوفد العراقي لا يمكن أن يكون إلا قصيدة حب توازي حجم الحفاوة والمحبة التي غمرت الوفد العراقي طيلة عشرة أيام، وكأن الكل كان ظامئاً لرؤية الكل، وما معرض الرياض إلا لحظة يستعيدها الفتيان والشباب بعد عشرات السنوات بحب، مثلما استعاد السعوديون بعد أكثر من خمسين عاماً الدكتور «علي جواد الطاهر» حيث وجدناه راسخاً بذاكرة السعوديين ووجدانهم، وبهذا يلهج باسمه كل طلبته ومجايليه، ذلك أن «الطاهر والمخزومي» وأساتذة كباراً آخرين وفدوا إلى السعودية وانضموا إلى جامعتها بعد أن طردتهم الجامعات العراقية بعد 1963 فاحتضنتهم المملكة وهم في نفس الوقت احتضنوا الأدب السعودي، والطاهر خدم الأدب السعودي خدمة كبيرة كما يروي لنا طلابه الذين جاوزت أعمارهم السبعين الآن.
يروي السعوديون كيف أن هؤلاء الأساتذة ظلوا ملاحقين من قبل السلطات العراقية، حيث أرسلت الكتب والتقارير خلفهم تطالب الجهات السعودية بطردهم لأنهم يساريون وأنهم شيعة كما يروى، فتجيبهم الجامعة السعودية بأنه إذا كان لديكم مثل هؤلاء فابعثوهم لنا، وبهذا فقد طاب المقام للطاهر وارتبط مع علّامة الجزيرة «حمد الجاسر» بعلاقة صداقة وثيقة، احتفظ بها الجاسر ليردها بعد وفاة الطاهر بوفاء كبير، حيث طبع له بعضاً من كتبه التي أصبحت مراجع مهمة للدراسة في المملكة.
هذه اللقطة مر عليها أكثر من خمسين عاما لكنها ما زالت في الوجدان السعودي، لهذا ستبقى لحظة حضور العراق إلى معرض الرياض عالقة في ذاكرة الكثيرين، لأن العراق حضر بكل قواه الناعمة، حيث الأثر الكبير لهذه القوى في النفوس والأرواح والوجدان.
معرض الرياض يؤشر بوضوح إلى أهمية الثقافة بوصفها سلطة مؤثرة وفاعلة وأنها أكثر أثراً من أي من السلطات، فالذي يريد أن يقضي على جماعات إرهابية أو متطرفة في مدينة من المدن لا تكفي المواجهة الأمنية والعسكرية لها، إنما بناء مسرح أو دار سينما أو إقامة حفلات أو سماع موسيقى، كلها ستكون عوامل أكثر نجاعة لتأهيل المدن والأرواح.
وصلنا إلى الرياض وبعضنا يراها لأول مرة والبعض الآخر زارها من زمن طويل، ولكن الجميع شعر بحداثة هذه المدينة، ولكن في نفس الوقت شعر الجميع بأنهم ما زالوا في بيوتهم، وبين أصدقائهم وأهلهم، توزعت نشاطات المعرض لفعاليات عديدة ومتنوعة، ولكن بقي للعراق سهمه الأكبر في هذه الفعاليات، فقد صنع القائمون على المعرض ليالي مضيئة بأسماء عراقية مضيئة وكبيرة فكانت ليلة للجواهري وليلة للسياب وأخرى للطاهر، وتناوب نقاد وأكاديميون عراقيون وسعوديون على تغطية تلك الليالي، بالبحث والإضاءة والنقاش، وبهذا يؤشر أن العقل الذي يقف خلف إدارة هذه الليالي هو عقل يمسك الأشياء عند منتصفها، فقد وازنوا ما بين الكلاسيكية والحداثة، حين وضعوا الجواهري والسياب، فضلاً عن أمسيات شعرية وحديث عن الرواية وجوائز البوكر وورش نقدية حول الفولكلور والتراث الشعبي العراقي.
الأجمل من ذلك هو مساحة الحوار التي حظيت بها هذه الزيارة، فقد تحدث العراقيون إلى السعوديين وبالعكس أحاديث طويلة في شأن الثقافة وأهمية أن تكون جزءاً في بناء أي دولة من الدول، وأنها جسر حقيقي للعبور نحو الحياة، وقد فتحت أكبر المراكز الثقافية أبوابها للعراقيين، باحثين ودارسين حيث أقام مركز «حمد الجاسر» ندوة اجتمع فيها كبار مثقفي السعودية والعراق، وتحدث الدكتور «حسن ناظم» فيها عن العلاقات الثقافية بين البلدين، وعن أهمية الثقافة في بناء الدولة، وقد دار فيما بعد حديث طويل لمداخلات المثقفين العراقيين والسعوديين في هذا الشأن، ومن ثم تكرر الأمر مع «فيصل بن معمر» الذي أدار مراكز الحوار الديني والثقافي في مراكز مهمة في المملكة وخارجها. أهمية هذه المعارض ما يقام على هامشها من حوار غني وثري بين المثقفين، فقد استضافت مجموعة «أدب» المعروفة للدكتور «عبد الله السفياني» عدداً من الشعراء العراقيين والسعوديين، ودارت القصائد والأحاديث لتجسر كل هوة حدثت في يوم من الأيام، وهذا ما صنعه الإعلامي والمثقف «محمد رضا النصر الله» حيث جمع الكل في جلسة ثقافية ودار حوار ثقافي طويل.
أماكن أخرى حضرتها خارج الرياض في الدمام مع عدد من الشعراء الرائعين ومحبي الشعر والثقافة سواء في ملتقى ابن المقرب أو في منتديات أخرى، حيث الحوارات المفتوحة عن الشعر وعن العلاقة العراقية السعودية على مر التاريخ.
أيام معرض الرياض هو حج ثقافي حقيقي، رمينا به جمرات السنوات التي مرت، وقصصنا به شعرة الخلافات، وركضنا نحو زمزم حياتنا بكل حب وود.
وأنا أفتح حقيبتي في اليوم الثاني لوصولي، اتصل علي الشاعر «محمد إبراهيم يعقوب»، ليقول لي أين أنت؟ فأرد عليه ببيت استدعته الذاكرة لحظتها للشاعر الكبير «حامد الراوي» حيث يقول فيه:
ملقىً على طرقات مكة
لا أجير ولا أجار
لحظتها قطع تذكرته من جازان ليصل الرياض بعد ساعات قليلة. معرض الرياض حلقة جديدة ستترتب عليها في المستقبل القريب مجموعة إجراءات تديم هذا الزخم وتنعشه.

معرض الرياض الدولي احتضن مكتبة عراقية عمرها نصف قرن



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.