عيسى مخلوف: ما قلته في الكتاب كان خلاصات وتساؤلات أولية

«ضفاف أخرى» سيرة الذات والآخر

عيسى مخلوف: ما قلته في الكتاب كان خلاصات وتساؤلات أولية
TT

عيسى مخلوف: ما قلته في الكتاب كان خلاصات وتساؤلات أولية

عيسى مخلوف: ما قلته في الكتاب كان خلاصات وتساؤلات أولية

«مُخادع» كتاب عيسى مخلوف، الصادر عن «دار الرافدين» بعنوان «ضفاف أخرى»، وهو يقدّم نفسه للقارئ على أنه سيرة. لكن ما حال هذه السير التي تعبث بالأفكار وتعيد ترتيبها؟ وهل السيرة تعني الآخرين بالحجم ذاته، وربما أكثر، مما تعنيه لصاحبها؟ هنا كاتبٌ أمام مرافعة الذاكرة والسؤال والمخزون الثقافي. «ضفاف أخرى» يتوهج بالشعر والسرد والتاريخ والفلسفة، عبر حوار عذب أحكم الشاعر العراقي علي محمود خضيّر قيادته، وهو المشغول كمخلوف بهاجس التواصل مع الوجود والآخر.
مخلوف وخضيّر شكلا ما يشبه التمرير البارع للكرة: تبادل متناغم بين لاعبين، رشيق وشيّق. نسأل مخلوف: متى شعرت أنّ البوح في داخلك اكتمل، ففاضت به روحك؟ يجيب مخلوف من باريس: «منذ أكثر من سنتين، وقبل الوباء، اتصل بي الشاعر العراقي علي محمود خضيّر بعدما انتهى من جمع الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر بسام حجار (دار الرافدين)، واقترح علي إجراء حوار طويل يتناول سيرتي الشخصية والأدبية.
تساءلتُ، ماذا سأضيف إن تكلّمتُ عن نفسي فحسب؟ ثم اتفقنا أن ينطلق الحوار من السيرة الذاتية إلى ما هو أبعد منها بكثير. إنه سيرة الذات والآخر والتجربة الإنسانية عموماً. هو أيضاً سيرة الكتب التي قرأتُها وفتحت أمامي آفاقاً جديدة، والموسيقى التي استمعتُ إليها وتركت أثراً فيّ، واللوحات الفنية التي علّمتني أن أرى، وخصوصاً لقاءات أشخاص ساعدتني معرفتي بهم في التعرّف أكثر إلى نفسي، والأسفار في الجغرافيا وداخل الذات. هكذا أجدني مقيماً عند تقاطُع الثقافات، مراهناً على القواسم المشتركة بينها في تأسيس عقد اجتماعي جديد يجعل الحياة ممكنة مهما اختلفت الأجناس والتوجّهات واللغات».
ويتذكر الكاتب والمترجم والصحافي اللبناني سيرة مضادة؛ حين غادر لبنان بسبب التقاتل الأهلي، فأدرك سريعاً حينها أنّ ثمّة وجهين لخروجه: سلبي، يبعده عن أهله وأصدقائه؛ وإيجابي، يعرّفه إلى ثقافات ما كان ليعرفها كما ينبغي لو بقي بعيداً عنها. وهنا يستعيد قول أبي تمام: «فاغترب تتجدّد»، ويتابع: «حين وصلتُ إلى باريس، وأقمتُ في الحي اللاتيني، وجدتُ نفسي في مكان يغصّ بالمكتبات وصالات السينما والمسرح. وعلى بُعد خطوات، متحف اللوفر الذي أكد لي، كبقية متاحف فرنسا والعالم، أنّ في استطاعة البشر صناعة شيء آخر غير الحروب. هذه الإمكانات الثقافية المتاحة في باريس ما كانت لتترك أثرها فيّ، لولا عطشي إلى المعرفة التي أصبحت شبيهة بذلك الماء في الأسطورة الإغريقية، كلما شربنا منه ازددنا عطشاً».
أما كيف أثّر التطور التقني والتكنولوجي وإمكاناته الهائلة على الصعيدين العلمي والثقافي، في صقله؟ يقول: «صار المرء أينما وُجد، على صلة عبر الإنترنت، بمكتبات كونية ضخمة وبغاليريهات ومتاحف ومواقع للغات والموسيقى والصور الفوتوغرافية والأفلام السينمائية والوثائقية. لم يكن العالم يوماً قريباً من بعضه البعض كحاله الآن، ولم يكن، في الوقت ذاته، بعيداً عن نفسه ويعيش انفصالاً في وجوده إلى هذا الحد».
لقد طرح عليك علي محمود خضيّر كل الأسئلة! هل قلت كل شيء؟ يجيب: «لا، لم أقل كل شيء في هذا الكتاب. ما قلته كان خلاصات وتساؤلات أولية يحتاج التوسّع فيها إلى حيّز أكبر». يتهيأ للقارئ أنه أمام متاهات من التساؤلات والأفكار والمشاعر. فهاجس السؤال والتساؤل منطلقُ الكتاب وإجاباته. يدرك مخلوف وخضيّر أنّ السؤال الجيد أفضل من جميع الإجابات الجاهزة، وهو المدخل إلى التغيير. وأنّ تفاعُل الأفكار وتصارعها، هو ما يساعد الإنسان على التقدّم. «ضفاف أخرى»، يقول مخلوف، «هو أيضاً أفكار ومشاعر. يمكن التعبير عن الأفكار بدقّة، لا عن المشاعر. بعض هذه المشاعر لا تقولها الكلمات، أو أنها تلتقط ملامح منها. أحياناً، نظرة واحدة تكفي. إيماءة صامتة واحدة. الصمت أيضاً لغة». يتعدّى الكتاب «الشخصانية» طالما أنه قادر على لمْس بشري واحد وحمله من عتمة ما إلى مساحات مشرّعة على الحرية. نتوجّه لمخلوف: ليس الموت وحده ما فتّح فيك مرارات الشعر وأسى الإنسان والأمكنة، بل كل ما ورد في السيرة. أي «انفراجات» في الروح يتركها البوح؟ فيجيب: «صحيح. ليس الموت الذي دخل بيتنا باكراً، أو الذي طالعني في الخارج، ما فتح في مرارة الشعر وأسى الإنسان والمكان، بل هناك ظروف كثيرة أخرى، بعضها يختارنا ولا نختاره، ويتدخّل في رسم ملامحنا ومساراتنا.
مرّات، يجد الإنسان نفسه في مكان لا يشبهه، وبرفقة جَمْع هو النقيض لما يتطلّع إليه. في كتاب غبريال غارثيا ماركيز عن سيمون بوليفار، وردت العبارة الآتية: (إني أعيش قدراً ليس قدري). وكم ينطبق هذا الكلام على الذين يولدون في أوطان صارت منافيَ. لا مكان مثالياً في العالم، لكن هناك أمكنة تتضاءل فيها نسبة الأكسجين فلا تعود صالحة للعيش. أمكنة يولد المرء فيها خائفاً، هارباً ومطروداً. لا قيمة فيها للإنسان الفرد، المهدّد كل لحظة في وجوده. مع ذلك، لا بد من التدخّل في نحت هذا القدر، ومواجهة عنفه المتعدد الأشكال، والخروج من سجون اليقينيات، عدوّة المعرفة».
في صفحات من «ضفاف أخرى»، يلوح ما يشبه تعرية الذات، حيث يبوح المُحاوَر بأمور لم يسبق تطرّقه إليها. وفي صفحات أخرى، يرصد تحديات تواجه الإنسان ومحاولة فهم مَن يكون وماذا يجري حوله. برغم الواقع المعقّد في كل مكان، وإن بنسب متفاوتة، ثمة وميض يلمع في الأفق. والذين وصلوا إلى قاع اليأس هم أكثر من يعرف معنى الرجاء. هذه روحية الكتاب، الذي يتناول أيضاً: تغيّر المعنى الثقافي في العالم، والثورة التكنولوجية التي تصبح خطيرة إذا فقدت المعايير الإنسانية، وتسيّد المال الذي اختصر الإنسان في رقم صغير ضمن منطق الربح والخسارة، وتحكّمَ بكل شيء بما في ذلك الحياة الثقافية والإبداع، حتى الأحاسيس الحميمة والمشاعر الخاصة.



«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها

«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها
TT

«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها

«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها

تعقد مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، الأحد المقبل، في الكويت، فعاليات الدورة الـ19، حيث يتم تكريم المبدعين من الشعراء والنقاد الفائزين بجوائز المؤسسة، في حدث يُتوج الجهود الرامية إلى الاحتفاء بالشعر العربي ورموزه، وتحمل هذه الدورة اسم الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

ويقام حفل افتتاح الدورة التاسعة عشرة صباح الأحد المقبل بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وعلى مدى ثلاثة أيام من مساء الأحد 15 إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تقدم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي خمس جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها أربع جلسات أدبية يعرض فيها الأدباء والنقاد المختصون ثمانية أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتفى به، وثلاث أماسٍ شعرية يشارك فيها 27 شاعراً، ودعت المؤسسة لذلك نخبة من الأدباء والنقاد ورجالات الفكر والثقافة من مختلف أرجاء الوطن العربي.

سعود عبد العزيز البابطين رئيس مجلس الأمناء (الشرق الأوسط)

وصرح سعود عبد العزيز البابطين رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، بأن هذه الدورة تتميز بطابع استثنائي يُضفي عليها أهمية خاصة، حيث تعقد تحت رعاية أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، «ما يعكس دعمه للثقافة والفكر، ولكونها أيضاً تعقد على أرض الكويت، هذا الوطن الذي طالما شكل منارة للثقافة العربية ورافدًا غنيًا للعطاء الأدبي».

وأضاف: «إن اختيار يوم 15 من ديسمبر (كانون الأول) لإطلاق هذه الدورة يحمل رمزية خاصة، فهو يوم تتقاطع فيه ذكرى وفاة والدي، الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (طيب الله ثراه)، مع تجديد عهدنا كمؤسسة في حمل رسالته الثقافية والشعرية».

وقال: «كان الراحل عبد العزيز سعود البابطين شاعراً يرى في الكلمة مسؤولية وقوة، ونحن نلتزم في هذه الدورة بالسير على خطاه، مضيفين لمساته الإنسانية إلى فضاء الشعر العربي».

وأشار إلى أن هذه الدورة ستشهد برامج متنوعة تحتفي بالإبداع الشعري، إلى جانب فعاليات تسلط الضوء على الإرث الشعري والإنساني للشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين، ودوره في تعزيز القيم الثقافية والإنسانية.

وتضم فعاليات الدورة التاسعة عشرة، مجموعة من الفعاليات، تشمل ندوات شعرية تناقش أعمال الراحل عبد العزيز البابطين، وتأثيرها في المشهد الثقافي. وجلسات حوارية تستعرض رؤيته الفكرية ودوره في تعزيز القيم الإنسانية من خلال الشعر. وأمسيات شعرية بمشاركة نخبة من أبرز الشعراء العرب.