ضغوط أوروبية على تونس لـ«الفصل بين السلطات»

في ظل ازدياد المخاوف من «هيمنة» رئيس الجمهورية على السلطة التنفيذية

الرئيس قيس سعيد (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ب)
TT

ضغوط أوروبية على تونس لـ«الفصل بين السلطات»

الرئيس قيس سعيد (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ب)

تترقب السلطات التونسية نتائج الجلسة، التي سيعقدها غداً (الاثنين)، مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، التي سيخصصها للملف السياسي التونسي، كما تنتظر ما يفرزه اجتماع البرلمان الأوروبي بعد يوم واحد حول الموضوع نفسه لضبط سياسة الدولة، وتوجهات رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال الفترة المقبلة، في علاقته مع الأحزاب السياسية، وبقية السلطات، وفي مقدمتها البرلمان، والسلطة القضائية. وسط مخاوف داخلية وخارجية من هيمنته على السلطة التنفيذية بكاملها، بعد تعيينه رئيسة للحكومة، وإشرافه على أول اجتماع وزاري لها، وتدخله في ضبط سياسة الحكومة بنفسه.
واستبق البرلمان الأوروبي هذا الاجتماع بتأكيده أن النظام الديمقراطي في تونس «يتعرض للخطر بسبب عدم الفصل بين السلطات». وقال في بيان له إنه «تجب دعوة الرئيس التونسي لفتح حوار مع الأحزاب السياسية الرئيسية، وممثلي المجتمع المدني لإنهاء الأزمة السياسية في تونس»، مشيراً إلى أن الرئيس سعيد «بات يسيطر حالياً على جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تقريباً».
وكان الرئيس سعيد قد تلقى أول من أمس، اتصالاً هاتفياً من جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، تمحور حول الأسباب التي دفعته لاتخاذ التدابير الاستثنائية، التي تمخض عنها إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد أنشطة البرلمان الذي يرأسه راشد الغنوشي، ورفع الحصانة عن النواب.
وخلال هذه المكالمة، انتقد الرئيس سعيد المغالطات، التي «يعمل بعض التونسيين على إشاعتها حول وضع الحقوق والحريات»، مؤكداً أنه «لم يتم أبداً التعرض للحريات في الدستور، بل تم تجميد أعمال المجلس النيابي، لأنه تحول إلى ميدان للصراعات، وسالت فيه الدماء في أكثر من مناسبة، وصارت بنود مشاريع القوانين بضاعة تباع وتشترى»، على حد تعبيره.
ودافع الرئيس التونسي عن وجهة نظره بالحديث عن انتشار الفساد، وازدياد احتجاجات الشباب المطالبة، على وجه الخصوص، بحل البرلمان، مؤكداً أن الدولة التونسية «كانت على وشك السقوط». لكن قوات الأمن «تعاملت بمرونة كبيرة مع المعارضين، الذين يدفعون الأموال لتنظيم مظاهرات زائفة، وقد تم رفع الإجراء عن عدد ممن كانوا يخضعون للإقامة الإجبارية»، حسب قوله. وفي هذا السياق، أكد رئيس الدولة أن عدداً من التونسيين «يسيئون إلى بلادهم من الخارج، ويروّجون لصورة خاطئة عن أوضاع الحريات» في تونس.
ويرى مراقبون أن حجم الضغوط المسلطة على السلطات التونسية بات كبيراً، علماً بأن الاجتماعين الأوروبيين حول تونس سينعقدان بعد أيام قليلة من اجتماع مجلس الشيوخ الأميركي حول الأوضاع السياسية التي آلت اليها تونس بعد تنفيذ التدابير الاستثائية منذ 25 يوليو (تموز) الماضي. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن جلسة مجلس الشيوخ الأميركي استمرت أكثر من ساعتين، وتخللتها عدة مداخلات تؤكد أن «الديمقراطية التونسية في خطر».
وكانت مجموعة من الأحزاب السياسية والمنظمات التونسية قد انتقدت التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي للبلاد، و«محاولات الاستقواء بالأجنبي، والاستعانة به ضد تونس، والنظام السياسي القائم في البلاد». كما اندلع جدل سياسي واسع إثر إعلان الرئيس السابق المنصف المرزوقي سعيه لدى مسؤولين أوروبيين إلى إفشال عقد القمة الفرنكفونية، التي كانت مبرمجة في تونس خلال الشهر المقبل، ما أدى إلى تأجيلها للسنة المقبلة، علاوة على تعليق عضوية تونس بالبرلمان الفرنكفوني نتيجة التوتر السياسي.
على صعيد آخر، وجهت نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي وأهم الوجوه المؤثرة حالياً في التوجهات السياسية بتونس، رسالة خاصة إلى من سمّتهم «الفاسدين والمتآمرين»، وذلك بمناسبة احتفال تونس بعيد الجلاء قائلة: «اليوم نهتدي بدرب شهدائنا الأبرار من أجل أن تحيا تونس وأن يحيا الشعب، وألا تذهب تضحيات شهداء معارك التحرير، وشهداء القوات المسلحة الأمنية والعسكرية في جيوب الفاسدين وحسابات المتآمرين»، مؤكدة أن «الاحتفال بذكرى جديدة لعيد الجلاء يرمز للتحرر من براثن الفساد والعفن، وتوق إلى الحرية في وطن حر، ترفرف رايته عالية».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.