«نبتدي منين الحكاية» وثائقي يخلد لذكرى رحيل عبد الحليم حافظ

في كل أمة، علامات فارقة من التواريخ والأحداث السياسية والاجتماعية الهامة، ولكن بعض تلك التواريخ والشخصيات لا تخضع لحسابات السنين والأيام، فما يدخل القلب عبر المشاعر الجميلة الهادئة لا ينساه الإنسان أبدا، وهكذا بقي حب الفنان المصري الراحل عبد الحليم حافظ، علامة فارقة في تاريخ جيل الستينات، صديقهم في ليالي الحب والهجر، وحبيبهم في اللحظات الرومانسية الرقيقة، ورفيقهم علي الجبهة في سنوات الحرب والحلم، أيقونتهم المضيئة المشارك معهم كل تفاصيل حياتهم.
ويأتي يوم 30 مارس (آذار) من كل عام، تاريخا مميزا، يذكر معجبيه برحيله الذي كان في عام 1977، ويمر عليه هذا العام، 38 عاما كاملا، لم يختفِ حليم من المشهد المصري والعربي، سواء كان في الأحداث السياسية أو المناسبات العاطفية، فاستمر هو الحاضر الغائب، ومن هنا وبمناسبة ذكرى رحيله، طُرح فيلم تسجيلي قصير تحت عنوان «نبتدي منين الحكاية»، تحكي فيه مجموعة من السيدات المصريات، أبناء جيل الستينات، عن تلك العلاقة الأبدية التي استطاع أن يخلقها فنان مع جمهوره، وكيف كان حليم شريكهم الخفي في كل مناسبات شبابهم، والفيلم على اسم الأغنية الشهيرة، التي كتب كلمتها الشاعر محمد حمزة، ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب.
تقول مريم عبد الجابر، أحد صناعي العمل لـ«الشرق الأوسط»: «الفكرة جاءتني حيث سألت والدتي مصادفة، ماذا فعلتي حين توفي عبد الحليم حافظ، ففوجئت بردها وهي تعتبر شخصية جادة نوعا ما، فأخبرتني أنها بكت حين سمعت الخبر في الراديو، ولم تذهب إلى الجامعة يومها حزنا عليه، ثم عقدت عدة جلسات من العمل مع المخرج والمونتير كريم عبادة، وكمال سامي مدير التصوير، بعد أن تبلورت الفكرة بتصوير ذكريات حقيقية لمشهد تاريخي مؤثر في حياة هذا الجيل، وكان من المميز أن تكون الكلمة والصوت للمعجبات، اللاتي تقدم بهن العمر ولم ينسوا مطربهم المفضل».
الفيلم يقع في 6 دقائق و26 ثانية، استغرق تصويره يومين، وتم الانتهاء من تحضيره في شهر، وهو يعتبر أول إنتاج لمشروع «نادي الفيديو»، الذي يهدف إلى عرض مقاطع مصورة قصيرة تهدف إلى الترفيه والمتعة على قناة خاصة عبر الإنترنت.
يبدأ الفيلم، بعرض مكالمة هاتفية بين الفنان الراحل عبد الحليم حافظ مع أحد أصدقائه، خلال رحلة علاجه الأخيرة في العاصمة البريطانية لندن، قائلا جملا بسيطة تعبر عن اشتياقه لمصر، «أنا هستريح شوية وأجي.. مصر وحشتني»، حيث كان يعاني من تليف في الكبد بسبب إصابته بمرض البلهارسيا وهو صغير.
ثم يعرض الفيلم بعد ذلك، تناول الصحف المصرية لخبر وفاته في لندن، وأثار الصدمة والحزن على محبيها، خصوصا الفتيات الشابات، ربما كانت تلك المرة الأولي التي يرى المجتمع المصري مشهد فتاة تلقي بنفسها من شرفة منزلها حزنا على وفاة فنانها المفضل، وتطرح بعد ذلك صورة أرشيفية للجنازة المهيبة التي لم تعرف مصر مثلها سوى جنازة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والفنانة الراحلة أم كلثوم، وبلغ عدد المشاركين في الجنازة أكثر من 2.5 مليون شخص، مرددين «الوداع يا حليم يا حبيب الملايين».
تقول السيدة سونيا أبو غزالة، إحدى السيدات المشاركات في العمل حول رد فعلها حين علمت بالخبر، «نادتني والدتي مسرعة أن الراديو يقول إن عبد الحليم مات، وكان الخبر صادما على الرغم من علم الجميع بطبيعة مرضه».
ولكن السيدة أمل أمين علمت الخبر في المدرسة، وقالت: «يومها علمت الخبر من مدرستي في المدرسة، حين أخبرتنا أن عبد الحليم مات، فانهرنا جميعا في البكاء، وشارك أخي وخالي بالسير في الجنازة الشعبية بعد خروجهم من المدرسة»
أما السيدة مني أبو دومة، فكانت تواجه مشكلة كبيرة في التعبير عن حزنها وقالت: «والدي كان صعيديا، وكنت خائفة منه، إذ يمكن أن لا يتفهم أن أبكي على رحيل فناني المفضل، فكنت أتجه إلى غرفتي، أفرغ دموعي الحزينة وأخرج مرة أخرى للعائلة، إلى أن قام التلفزيون بعرض فيلم (الخطايا) في مساء هذا اليوم، وكان البطل الثاني الفنان حسن يوسف شقيق حليم، واسمه حسين، وكانت العائلة قد فقدت منذ شهور عمي «حسين»، فبكى والدي بشدة متذكرا عمي، فكان هذا تصريح غير مباشر لي لأبكي معه.. لكن على حليم».
وتحكي السيدة دينا توفيق عن جدتها اليونانية التي كانت تعشق عبد الحليم قائلة: «جدتي لأبي كانت يونانية، كانت تغني أغانيه بلغة عربية غير صحيحة، لكنها كانت مغرمة به، وحزنت كثيرا على رحليه، فلقد كان حليم فارس أحلام جيلنا، الشاب الجميل، اللذيذ، الجدع.. لن ننساه أبدا».
وتقول السيدة صفاء شرف: «عبد الحليم كان حالة خاصة غريبة، كنت أحبه لأغانيه، وأحب أغانيه لأعرف كيف أحب!، وكنت أحلم أن أقابله، لأعرف من هذا الرجل، ومن أين يأتي بهذا الكم من الأحاسيس».
ومن أكثر المواقف الطريفة التي مرت بها المعجبات، أن واحدة منهن كتبت أغنية «جواب» في كراسة دروسها المدرسية، فوقعت في يد والدتها، فظنت أنها كتبتها لحبيبها، وأخرى كان ابن الجيران في منزلها القديم، يغازلها بأغنية «الحلوة» عبر شرفته، كانت تشعر بالسعادة لمجرد سماعها.