90 % من العائلات السورية تتبع أساليب تأقلم «سلبية» للبقاء على قيد الحياة

«قياديات» يواجهن تحديات كبيرة لإعالة أسرهن في أماكن النزوح

تدريبات منظمة «شمس» لنازحات في مخيم الهول شرق سوريا (الشرق الأوسط)
تدريبات منظمة «شمس» لنازحات في مخيم الهول شرق سوريا (الشرق الأوسط)
TT

90 % من العائلات السورية تتبع أساليب تأقلم «سلبية» للبقاء على قيد الحياة

تدريبات منظمة «شمس» لنازحات في مخيم الهول شرق سوريا (الشرق الأوسط)
تدريبات منظمة «شمس» لنازحات في مخيم الهول شرق سوريا (الشرق الأوسط)

تقضي السورية ترفة الموسى (40 عاماً) أيامها خلف ماكينة الخياطة تتقاسم رزقها مع صاحبتها وهي تخيط الثياب للنساء والأطفال دون أن ترد أحداً لكسب بعض المال لإعالة عائلتها. ومدخول هذا العمل يساعدها على تجاوز صعوبات الحياة، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وأيام النزوح القاسية، بعدما أقعد المرض زوجها، وآلت إليها مسؤولية تربية أسرتها المكونة من 5 أفراد، بينهم ابنة مصابة بمرض القلب ونقص التروية.
ومن مكان نزوحها في مدرسة تقع بحي «البو معيش»، غرب مدينة الحسكة (شمال شرقي سوريا)، تقول ترفة الموسى، وكانت تلبس غطاء رأس محلياً وثوباً طويلاً، وتكنى بـ«أم تبارك»، إن «الحرب على مدينتي رأس العين أجبرتني على النزوح» إثر العملية العسكرية «نبع السلام» التي أطلقتها تركيا، مع فصائل سورية موالية، قبل عامين، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ليستقر بها الحال في أحد مراكز الإيواء بمدينة الحسكة.
بدا على ملامح وجهها الحزن والأسى عندما تذكرت بيتها وأدوات مطبخها قبل النزوح، وما آلت إليه الأوضاع، لتحول زاوية من فصل دراسي تسكنه وعائلتها إلى مطبخ يفي بالغرض نوعاً ما. أما القسم الثاني، فخصصته للنوم، وقسم ثالث للجلوس. مسحت دموعها التي سالت على خديها قبل كلامها، لتقول: «مضى عامان ونحن هنا بهذا المكان. وبسبب ضيق الحال وقلة المساعدات، بحثت عن عمل لأنني كنت خياطة في رأس العين، واتفقت مع شريكتي على شراء ماكينة، وتقاسم حصتها بالتساوي».
ونظراً لتقاعس المنظمات الإنسانية عن تلبية حاجات النازحين، وتدني الأوضاع المعيشية بمراكز الإيواء ومخيمات النزوح، اضطرت ترفة إلى العمل، كما المئات من النساء اللواتي يعملن وحيدات في مهن مختلفة، ويواجهن تحديات كبيرة في إعالة أسرهن. وتضيف بنبرة لا تخلص من حزن ممزوج بتحد: «نعم، أجبرتني الظروف على العمل، لكنني اكتشفت طاقتي ومدى تحمل مسؤولياتي، واليوم عملي يغطي معظم احتياجات أسرتي».
أما صفية الصالح، وهي سيدة في بداية عقدها الثالث، فلم تستسلم لظروف الحرب والنزوح، والعيش على المعونات والمساعدات المقدمة من منظمات محلية أو دولية، حيث تأخذ عائلتها كبقية النازحين سلة غذائية واحدة شهرياً بالكاد تكفيها من الجوع، ما دفعها إلى السعي لزيادة دخلها، وحولت خيمتها إلى متجر صغير تبيع فيه السكاكر والمواد الغذائية وألعاب الأطفال، إلى جانب العطور والحناء المحلية والمشروبات الغازية.
وبعد فرارها من مسقط رأسها بلدة العشارة في ريف دير الزور الشرقي منتصف 2017، تحت وابل القذائف والصواريخ جراء المعارك المحتدمة بين أطراف عدة، وصلت إلى مخيم العريشة الواقع جنوب محافظة الحسكة، لتعيش فيه منذ 3 سنوات. وتصف صفية حالتها بعد تأسيس عمل داخل هذا المخيم: «حالتي النفسية تغيرت عندما تحسن وضعنا المعيشي، وبالتالي شخصيتي صارت أقوى، صرت أشتري أنواعاً أكثر من الخضراوات، كالبطاطا والبندورة، ولم يعد يقتصر غذائنا على سلة الإعانة».
لقد باتت تطبخ أصنافاً جديدة في كل وجبة طعام، وهذا بحد ذاته غير حياتها وأسرتها للأفضل، وقد ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهها وهي تضيف: «صرنا نشتري اللحم والفاكهة بشكل متكرر، ولا نحرم من شيء، والحمد لله». وبسبب ضيق الحال، وعدم توفر رأس المال، تعتمد على تأمين بضاعة متجرها بالاستدانة من تجار الجملة الذين يترددون على سوق المخيم، وإيفائهم ثمنها بعد المبيع، وتابعت: «أحياناً، أعطي عائلات بالدين، وهذا يجبرني على طلب شراء البضاعة بالاستدانة، والتجار لا يقصرون بحسب الحاجة، لأنني كنت مثل هؤلاء، وأتمنى شراء ولو حبة بطاطا أو بندورة».
وكشف تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بداية شهر يوليو (تموز) الماضي، أن نحو 90 في المائة من العائلات السورية تتبع استراتيجيات وأساليب تأقلم «سلبية» للبقاء على قيد الحياة. وأوضح البرنامج أن العائلات التي أجبرتها ظروف الحرب على اللجوء أو النزوح يلجأون لتقليل كمية الطعام الذي يتناولونه، بالإضافة إلى شراء مواد قليلة مما يحتاجون إليه، لافتاً إلى اتباع السوريين أسلوب «الاستدانة» أو الاقتراض لشراء حاجاتهم الأساسية.
وبدورها، علقت نورا خليل، المديرة التنفيذية لـمنظمة «شمس للتدريب والتثقيف»، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، على نجاح تجارب ترفة وصفية، ومن خلال ورشات التدريب المهني التي تجريها المنظمة المدنية داخل مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، قائلة إن كثيراً من النساء تعلمنّ عدداً من المهن للاعتماد على أنفسهن، وتحمل المسؤولية المادية لعائلاتهن في ظل الظروف الاقتصادية السيئة. وأضافت: «اليوم، نرى ترفة وصفية، وكثيرات مثلهما يفتخرن بعملهن، بعد التغلب على الفقر وظروف النزوح، والنهوض من قاع العوز». وأشارت إلى أن هذه التجارب تلعب دور القيادات، لتشق طريقها في العمل، وتحقيق نوع من الرضا والنجاح في إعالة أسرها، ولا تنتظر مشاهدة علامات سوء التغذية لدى أطفالها.
ووفقاً لمفوضية شؤون اللاجئين، يصيب انعدام الأمن الغذائي نحو 79 إلى 85 في المائة من إجمالي اللاجئين والنازحين، مما يبرز مدى ارتفاع تعرض الأسر التي تعولها النساء للخطر. ولفتت نورا خليل إلى أن نسبة قليلة من تلك النساء تحظى بإيجاد فرص التدريب والعمل المناسبة، لتمكين تلك النساء بإدارة ناجحة، واختتمت حديثها بالقول: «تلعب الدورات دوراً كبيراً فعالاً في تغيير حياة بعض النساء، فهي بالمرتبة الأولى تعطيها القدرة على صنع التغيير، والعمل على إعالة أنفسهن وأسرهن، وتحمل مشقة الحياة».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).