جيل ما بعد صدام يكسر العزلة

TT
20

جيل ما بعد صدام يكسر العزلة

دخل مواليد عام 2003. الذي فيه انتهت حقبة صدام حسين، الميدان السياسي العام باكتسابهم، هذا العام، حق التصويت لاختيار ممثليهم في مجلس النواب المقبل، لكن هذه الكتلة البشرية النشطة تثير الكثير من التكهنات بشأن مزاجها وتوجهاتها.
ومن المصادفات أن يقضي هذا الجيل عمره كله، حتى الآن، في ظل نظام سياسي غير مستقر رافقته أزمات أمنية واقتصادية متقلبة وعصيبة على مدار 18 عاماً.
ويتفق مراقبون وباحثون، على أن غالبية مواليد هذه الألفية انخرطوا بحماس كبير في الحراك الاحتجاجي عام 2019. في تعبير اجتماعي عن كسر العزلة التي كانت تعيشها الغالبية الصامتة. ومنذ صعود الاحتجاج إلى ذروته وحتى إجراء الانتخابات المبكرة، أمس الأحد، تبين أن هذا الجيل حوّل المنظومة السائدة إلى العزلة، بدلاً عنه.
وتدل المؤشرات العامة التي أظهرها هذا الجيل خلال السنوات الماضية، إلى أنه يميل كثيراً نحو شكل حياة مختلف تماماً لا يمكن للنظام القائم تلبيته، فيما يبدو أنها قطيعة تتعمق يوماً بعد آخر.
وفي العموم، أثرت موجات الهجرة، التي بدأت بين عامي 2004 و2005، خارج العراق، على صياغة المزاج العام لهذا الجيل، والتي شكلت في الغالب موقفاً من الشأن العام فيما يتعلق بالحياة المدنية، والتعليم الحديث، والحريات العامة، والعيش في مدن تتوفر فيها الخدمات الكافية، لكن ومع عودة غالبية العراقيين إلى البلاد مع تحسن الوضع الأمني بعد عام 2010. بدأت لحظة الصدام بين نظام ينخره الفساد وتسيطر عليه الميليشيات، وبين جيل بطموحات مختلفة.
وشهدت البلاد هجرة ثانية، وحركة نزوح نحو المدن الشمالية، عام 2014 مع اجتياح تنظيم «داعش» أراضي شاسعة شمال البلاد وغربها، لكن آثار هذا الاجتياح وحرب التحرير التي تلته، أوغلت كثيراً في عزلة هذا الجيل.
وبحسب إحصاءات غير رسمية، فإن عدد ضحايا أعمال العنف في العراق بين عامي 2003 و2016 بلغ نحو 650 ألف عراقي، فيما تصدّرت بغداد ونينوى والأنبار وديالى والبصرة، ثم كركوك وصلاح الدين والنجف وبابل، قائمة أكثر المدن نزفاً للأرواح.
ويتفاعل هذا الجيل مع الشأن العام بحساسية مفرطة، لكنه يتعاطى معه بشكل لم تشهده الأجيال السابقة، بينما يتملكون قدراً هائلاً من التحرر، ذلك أن غالبيتهم ليسوا عناصر مؤدلجة في المنظومة السياسية، وليسوا موظفين في القطاع العام.
ومن بين مجموعة أسباب موضوعية، بدا أن هذا الصدام شكل النواة الأولى لحراك أكتوبر (تشرين الأول) 2019 الاحتجاجي الذي أوصل البلاد، بحسب مسار الأحداث، إلى مخرج افتراضي من هذا الخناق الاجتماعي والسياسي، يتمثل الآن بالانتخابات التشريعية المبكرة.
وتزداد الفجوة بين النخبة السياسية والجيل الأخير، مع محاولات مجموعات مسلحة الضغط على الشباب لتجنيدهم في مشاريع حزبية، فضلاً عن حملات متواصلة من التخوين والتشهير ضد من يحاول النأي بنفسه عن عناوين سياسية وعقائدية.
وقبل الانتخابات المبكرة أظهر هذا الجيل ردود فعل غاضبة من المشاركة في التصويت، حتى وإن كانت هذه الجولة من نتائج حراك «تشرين». ومن خلال مواقف ناشطين شباب، وممثلي حركات طلابية وعمالية، تبين أن المزاج العام لا يزال مقتنعاً بأن الحراك الاحتجاجي هو الوحيد القادر على التغيير، وأن الانتخابات محاولة من النظام السياسي لاحتواء الأضرار وضمان البقاء.
واستمر هذا المزاج متحكماً في الأوساط الشبابية، حتى مع قرار بعض الحركات المنبثقة عن الاحتجاج المشاركة في الانتخابات، وبدا أن قناعة المقاطعة صامدة وراسخة في العقل الجمعي لهذا الجيل.
لكن الحراك الشبابي ذاته، ابتكر قبل أسابيع من الانتخابات المبكرة بديلاً للمقاطعة، بما بات يعرف بالتصويت العقابي، والذي يفترض معاقبة صقور العملية السياسية، ومن يتحمل مسؤولية الفساد بحسب نظرهم، بالتصويت لآخرين يزعمون أنهم «أهل للثقة»، كما قال ناشطون من مدن مختلفة في الوسط والجنوب.
وحتى ساعة كتابة هذا التقرير، فإن نسب المشاركة في الانتخابات مخيبة للآمال، رغم محاولات السلطات والأحزاب السياسية حث الجمهور على المشاركة، وقد يبدو هذا مؤشراً على اعتكاف جيل 2003 عن الحياة السياسية في البلاد، فيما يخشى من أن تستمر هذه العزلة إلى فورة احتجاج جديدة مستقبلاً.



منافسة محتدمة على مقعد نقيب الصحافيين في مصر

نقيب الصحافيين خالد البلشي في الوسط وبجواره منافسه في الانتخابات عبد المحسن سلامة وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم (النقابة)
نقيب الصحافيين خالد البلشي في الوسط وبجواره منافسه في الانتخابات عبد المحسن سلامة وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم (النقابة)
TT
20

منافسة محتدمة على مقعد نقيب الصحافيين في مصر

نقيب الصحافيين خالد البلشي في الوسط وبجواره منافسه في الانتخابات عبد المحسن سلامة وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم (النقابة)
نقيب الصحافيين خالد البلشي في الوسط وبجواره منافسه في الانتخابات عبد المحسن سلامة وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم (النقابة)

وسط وعود بتوسيع مظلة الخدمات الاجتماعية لأعضاء نقابة الصحافيين المصرية، وجولات انتخابية شملت صحفاً ومواقع عدة، تحتدم المنافسة على مقعد النقيب، في الانتخابات المقرر عقدها في 2 مايو (أيار) المقبل.

وتُجرى انتخابات «التجديد النصفي» كل عامين على مقعد النقيب ونصف مقاعد أعضاء المجلس المكون من 12 عضواً، مدة العضوية 4 سنوات. وكان من المقرر عقدها يوم 7 مارس (آذار) الماضي، لكنها تأجلت مرات عدة لعدم اكتمال النِّصاب القانوني الذي كان 50 في المائة زائد واحد، قبل أن يخفَّض مع التأجيل ليصبح 25 في المائة، من الأعضاء المشتغلين البالغ عددهم 10229 عضواً.

وبين 8 مرشحين على مقعد النقيب، تنحصر المنافسة الفعلية بين مرشحين بارزين، هما النقيب الحالي خالد البلشي، وهو صحافي يساري معارض يمثل «تيار الاستقلال» النقابي، وقد فاز بانتخابات شهدت منافسة محتدمة أيضاً عام 2023.

وفي المواجهة، يأتي الصحافي عبد المحسن سلامة، الذي ينتمي لمؤسسة «الأهرام» المملوكة للدولة، وهو عضو في «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» الذي يشكَّل بقرار من رئيس الجمهورية، وسبق أن شغل مقعد النقيب في الفترة ما بين 2017 و2019. بينما يتنافس 43 مرشحاً على 6 مقاعد في عضوية مجلس النقابة.

النقيب الحالي خالد البلشي يقدم أوراق ترشحه للانتخابات (النقابة)
النقيب الحالي خالد البلشي يقدم أوراق ترشحه للانتخابات (النقابة)

ويعتقد مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي أن «جوهر المنافسة في انتخابات نقابة الصحافيين متكرر، ويدور في إطار ثنائية كلاسيكية بين تيارين، الأول يرى أن الأساس هو تقديم خدمات لأعضاء النقابة اعتماداً على وجود علاقات جيدة مع الدولة، والثاني، وهو تيار أكثر استقلالية في العلاقة مع الدولة، يدافع عن دور النقابة، ويشتبك مع القضايا السياسية، وفي الوقت نفسه لا يعادي الدولة».

وقال الشوبكي لـ«الشرق الأوسط»: «إن المنافسة في انتخابات هذا العام محتدمة، لكنها تدور في نفس سياق الثنائية الكلاسيكية»، مرجعاً احتدام الصراع، هذه المرة، إلى أن «المرشحيْن الرئيسييْن على مقعد النقيب لديهما تجارب نقابية سابقة»، موضحاً أن «البلشي مرشح تيار الاستقلال قدَّم تجربة تحظى بتقدير أطراف بعيدة عن التيار، في حين يمتلك سلامة خبرات نقابية ومهنية كبيرة تجعله محل تقدير في الوسط». وتابع: «كل تيار قدَّم الطبعة المثلى فيه؛ ما يجعل المنافسة صعبة ومحتدمة».

وتبرز دائماً المنافسة في انتخابات نقابة الصحافيين المصرية بين تيارين، الأول هو «تيار الاستقلال»، الذي يمثل نوعاً ما الصحافة المستقلة أو تيار اليسار، والثاني هو تيار آخر يردد صحافيون أنه «محسوب على الدولة»، كون مرشحيه ينتمون إلى الصحف القومية، رغم أن الحكومة لم يسبق أن دعمت رسمياً أي مرشح.

بدوره، أرجع عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين محمود كامل، الذي لا ينافس في انتخابات هذا العام، احتدام المنافسة، هذه المرة، إلى «نجاح تجربة تيار الاستقلال على مدار العامين الماضيين في إدارة النقابة، وإقامة علاقات مع مؤسسات الدولة مبنية على الاحترام المتبادل».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المرشحيْن الرئيسييْن على مقعد النقيب لديهما تجارب نقابية قريبة، ومن هنا يمكن لأعضاء الجمعية العمومية اختيار التجربة التي يرونها أنجح من وجهة نظرهم».

الصحافي المخضرم عبد المحسن سلامة يقدم أوراق ترشحه للانتخابات (النقابة)
الصحافي المخضرم عبد المحسن سلامة يقدم أوراق ترشحه للانتخابات (النقابة)

وفي كل معركة انتخابية تبرز الخدمات الاجتماعية على السطح، لا سيما الحديث عن زيادة «بدل التدريب والتكنولوجيا»، وهو مبلغ شهري يتقاضاه الصحافيون النقابيون، بتمويل من الحكومة المصرية منذ عام 1975.

وبينما يرى سلامة، بحسب تصريحات سابقة، أن «زيادة البدل تعتمد على قوة النقيب ومكانته وليس توجهاته السياسية»، يرفض البلشي «ربط البدل بقوة النقيب»، مشيراً عبر صفحته على «فيسبوك»، إلى أن «النقابة قوية بقوة جمعيتها العمومية»، وإن أكد، في تصريحات صحافية أخيراً، أن «التفاوض جارٍ على نسبة الزيادة التي ستتراوح بين 25 و30 في المائة»، من قيمته التي تبلغ حالياً 3900 جنيه (الدولار بـ50.9 جنيه).

وإلى جانب الأحاديث عن زيادة البدل، تتضمن الوعود الانتخابية خدمات اجتماعية عدة، حيث عقد سلامة لقاءً مع وزير الإسكان المصري شريف الشربيني، تم خلاله «التوافق على تخصيص 1500 شقة بالمدن الجديدة و328 قطعة أرض سكنية للصحافيين»، وقبل ذلك، أعلن سلامة «تخصيص أراضٍ زراعية للصحافيين»، فيما سمي بـ«أرض الصحافيين الزراعية».

بينما أبرز البلشي جهوده في دعم الرعاية الصحية لأعضاء النقابة، والعائدات الاستثمارية المتوقعة لـ«مدينة الصحافيين»، وأعلن عن حصول النقابة على 750 وحدة سكنية لصالح أعضاء الجمعية العمومية.

ويؤكد الشوبكي أن الخدمات الاجتماعية التي تقدَّم للصحافيين كثيراً ما كانت عنصراً بارزاً في كل انتخابات، موضحاً أن «الزخم بشأنها، هذه المرة، ربما يرجع إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على الصحافيين؛ ما منح هذه الخدمات قدراً أكبر من الأهمية».

لكن كامل يرفض استخدام «البدل» وغيره من الخدمات كأداة للدعاية الانتخابية، موضحاً أن «الرهان على أن الدولة لا تقدم خدمات إلا للمرشح الذي تدعمه غير صحيح، بدليل ما حدث في الانتخابات السابقة، فالدولة تدرك قيمة النقابة، وتحترم خيارات جمعيتها العمومية، وتتعامل معها».

وفي ظل احتدام المنافسة لا يستطيع أحد التكهن بنتيجة الانتخابات، ومن سيحسم المعركة على مقعد النقيب، وسط جدل متواصل بشأن تردِّي الأوضاع الاقتصادية للصحف والصحافيين، ومطالبات بتوسيع هامش الحرية، وأزمات عدة تتعلق بالأجور والتعيينات أو بقيد صحافيي المواقع الإلكترونية في النقابة.