كيف نقلل مخاطر «المواد الكيميائية الأبدية» على الصحة؟

«دقائق البلاستيك» تتسرب إلى الإنسان والبيئة

كيف نقلل مخاطر «المواد الكيميائية الأبدية» على الصحة؟
TT

كيف نقلل مخاطر «المواد الكيميائية الأبدية» على الصحة؟

كيف نقلل مخاطر «المواد الكيميائية الأبدية» على الصحة؟

تحمل المركبات الكيميائية الموجودة في كل شيء... من القدور والمقالي ذات السطح غير اللاصق، إلى منتجات الرذاذ الحامي للقماش، نوعاً من الضرر لصحتكم، ولكن بعض التغييرات البسيطة في أسلوب حياتكم قد تساعد في حمايتكم، وفقا لتقرير من جامعة هارفارد الأميركية نشرته كيلي بيلودو في دورية «مراقبة صحة النساء» لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
كيميائيات أبدية
تُعرف المنتجات المسماة الفاعلات بالسطح الفلوري
Per - and polyfluoroalkyl substances (PFAS) على أنها مجموعة من آلاف المواد الكيميائية التي صنعها الإنسان وتُستخدم على نطاقٍ واسع لصد المياه والشحم والزيت، فضلاً عن أنها مقاومة للحرارة، ما يجعلها ممتازة للاستخدام في مجموعة متنوعة من المنتجات أبرزها مقالي الطهي غير اللاصقة ومغلفات المواد الغذائية ومعدات التخييم ومستحضرات التجميل ومواد إزالة البقع عن السجاد والقماش. وهي مركبات كيميائية فلورية عضوية فيها ذرات فلور متعددة. استخدمت هذه المركبات للمرة الأولى في المنتجات الصناعية والاستهلاكية في الخمسينات ولم يتوسع استخدامها إلا في السنوات القليلة الماضية حتى أصبحت منتشرة وموجودة في كل شيء من مستحضرات ظلال العينين إلى الطلاء المعدني.
ولكن العلماء الذين يدرسون الصحة البشرية يرون في «الفاعلات بالسطح الفلوري» جانبا مظلماً. وتقول إلسي ساندرلاند، أستاذة العلوم البيئية والهندسة في جامعة هارفارد إنها «لا تستطيع قول أي شيء إيجابي عنها من المنظور الصحي. إذ تمثل هذه المركبات كابوساً حقيقياً لأنها مرتبطة بعددٍ كبير من التأثيرات الصحية المخيفة». ولكن المشكلة الأبرز في هذه الفاعلات هي أن مصدر ضررها هو نفسه مصدر فاعليتها العالية، أي عدم قابليتها للتفكك، ولهذا السبب يُشار إليها غالباً على أنها «البلاستيك الأبدي». وتقول ساندرلاند إن «هذه الصلابة تبدو رائعة حتى تدخل هذه المادة الكيميائية إلى الجسم البشري أو تستقر في البيئة».
تأثيرات صحية
صحيحٌ أن المواد الكيميائية التي تسبب المشاكل الصحية كثيرة، ولكن يبدو أن الفاعلات بالسطح الفلوري خطيرة بدرجة غير مألوفة نظراً لثقل تأثيرها على الجسم البشري. فقد كشفت ساندرلاند أن خبراء الصحة لاحظوا تأثيرات مرتبطة بهذه الفاعلات على جميع الأعضاء الأساسية في الجسم.
تؤدي الفاعلات بالسطح الفلوري مثلاً إلى اضطراب عملية التمثيل الغذائي وتسبب مشاكل صحية أخرى كالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة، وقد تقف عائقاً أمام خسارة الوزن والرضاعة الطبيعية. كما رُبط التعرض للفاعلات بالسطح الفلوري بمرض الغدة الدرقية وتضرر الكبد والكلى وبعض السرطانات. وتنبه ساندرلاند إلى أن هذه المركبات الكيميائية يمكن أن تؤذي الجهاز المناعي وقد تكون عنصراً مساهماً في تزايد أمراض المناعة الذاتية، بالإضافة إلى الربو واضطرابات الحساسية.
تزداد جدية هذه السمية المناعية لدى الأطفال أكثر من البالغين لأن الجهاز المناعي يشهد برمجة مهمة خلال الطفولة خصوصا أن كبت الجهاز المناعي يمكن أن يثبط استجابة الأطفال للقاحات الروتينية أو يزيد هشاشتهم أمام الفيروسات.
مياه ملوثة
ترى ساندرلاند أن الشركات تستمر في استخدام الفاعلات بالسطح الفلوري لأنها فعالة ومربحة رغم أن العديد من الدعاوى القضائية قدمت أدلة تثبت أن هذه الشركات اكتشفت المضار الصحية لهذه المركبات منذ عقود، وحتى قبل أن يبدأ الباحثون الأكاديميون بدراستها.
وتقول الباحثة من جامعة هارفارد إن المياه الملوثة بالفاعلات بالسطح الفلوري هي المصدر الرئيسي لتسربها إلى أجسام الناس الذين يعيشون في مناطق غنية بمصادر هذه المركبات. تتعدد المصادر الكبيرة لهذه الفاعلات وأبرزها المطارات والقواعد العسكرية ومواقع الصناعات الكيميائية والمصانع التي تستخدمها في عملياتها الإنتاجية.
وتلفت ساندرلاند إلى أن «الفاعلات بالسطح الفلوري قد تتسرب إلى البيئة المحيطة كالمياه أو التربة ويمكن أن تتطاير وتنبعث من المداخن إلى الجو وتتخزن في مياه الأمطار لتعود وتنتشر على نطاقٍ واسع في المناطق المحيطة».
في ورقة بحثية نُشرت عام 2020 كشفت مجموعة «إنفايرونمنتل ووركينغ غروب» (مجموعة العمل البيئي) غير الربحية أن ما بين 18 و80 مليون شخص معرضون لشرب مياه ملوثة بنسبة عالية من الفاعلات بالسطح الفلوري تزيد على 10 أجزاء في التريليون، وهي الحد الأقصى للملوثات الذي تعاني منه ولايات أميركية كثيرة. وفي دراسة أخرى، وجد باحثون من المجموعة نفسها أن الفاعلات بالسطح الفلوري رُصدت في 43 من أصل 44 عينة مأخوذة من 31 ولاية بالإضافة إلى العاصمة واشنطن، ووجدوا أن مستويات الفاعلات تتراوح بين جزء واحد و186 جزءا بالتريليون في مناطق مدنية عدة منها ميامي وفيلادلفيا ونيو أورلينز وبوسطن وإحدى ضواحي نيويورك. وكشفت ساندرلاند أن باحثي هارفارد اقترحوا اعتماد الجزء الواحد بالتريليون كحد الأقصى للفاعلات لأنه المستوى الذي قد يسبب السمية المناعية لدى الأطفال.
عندما تدخل هذه المركبات إلى النظام المائي، تجد طريقها إلى المحيط وتلوث الحياة البحرية وما يعيش فيها من أسماك.
تسرب نحو الغذاء
كشفت الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية أن الوكالات التنظيمية الأوروبية رصدت تلوثاً بالفاعلات بالسطح الفلوري في أنواع غذاء عدة أبرزها السمك والفواكه والبيض. ولكن هل يواجه الغذاء في الولايات المتحدة الخطر نفسه؟
تقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية إن خطر هذا التلوث منخفض حسب نتائج الاختبارات التي أجريت حتى اليوم. وكانت الإدارة قد رصدت أثراً للفاعلات في عينات سمكية مختلفة كالقد والبلطي، ولكنها جزمت أنه لا يوجد دليل علمي يدعم إصدار توصية للمستهلكين بتجنب تناول أنواع محددة من الأطعمة.
في المقابل، تعتبر ساندرلاند أن وسائل الفحص المعتمدة حالياً قد تكون قاصرة وأن عدد المنتجات التي فحصتها الإدارة قليل، فضلاً عن عدم وضوح آليات اختيار هذه المواد ومصدرها. وتأمل الباحثة وخبراء آخرون أن يُصار إلى توسيع الاختبارات وإجراء تقييمات منهجية لتحديد نسبة تعرض الناس في الولايات المتحدة لهذه المركبات لتكوين صورة أوضح للخطر العام.
التغيير ضروري
لا تُعنى الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة اليوم بتنظيم مستويات الفاعلات بالسطح الفلوري في مياه الشرب. وفي ظل غياب القوانين الفيدرالية المرتبطة بهذه الفاعلات، سعت بعض الولايات على المستوى الفردي إلى فرض قوانينها الخاصة للسيطرة على هذه المركبات. ففي يوليو (تموز) 2021 عمدت ولاية مَيْن إلى تبني إجراء طوارئ يحظر استخدام الفاعلات بالسطح الفلوري في جميع المنتجات المبيعة فيها بحلول 2030 مع استثناءات قليلة. وتبنت ولايات أخرى أيضاً ضوابط محدودة، كماساتشوستس مثلاً التي وضعت في أكتوبر 2020 سقفاً للكمية المستخدمة من ستة أنواعٍ مختلفة من الفاعلات التي رُصدت في مياه الشرب. يتلخص الوضع حالياً فيما يلي: عندما تعمد إحدى الولايات إلى مراقبة مادة كيميائية مريبة، تتحايل الشركات وتستخدم مادة أخرى من نفس النوع قد تؤدي إلى المخاطر الصحية نفسها ولكن دون أن نعلم. وتنبه ساندرلاند إلى أن الاعتماد على مركبات جديدة يصعب عمل العلماء في رصدها في المنتجات لأنهم ببساطة لا يعلمون عن ماذا يبحثون.
خطوات تقليل المخاطر
بانتظار عثور الجهات التنظيمية على الحلول الفعالة لهذه المشكلة، توجد بعض التغييرات التي يمكن للأفراد إدخالها على أسلوب حياتهم لحماية أنفسهم. وتقول ساندرلاند: «أحاولُ أن أقلل تعرضي لهذه المركبات من خلال تغييرات طفيفة قد تكون فعالة».
إليكم فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنكم تطبيقها:
- تصفية مياه الشرب: قد لا يستطيع الجميع تحمل تكلفة شراء مرشحٍ للمياه، ولكن أبسط هذه الأدوات وأقلها تكلفة يعطي نتائج مذهلة في تنظيف مياه الشرب من الفاعلات بالسطح الفلوري. لذا لا تترددوا في تصفية مياهكم إذا استطعتم.
- تقبل القليل من الفوضى: تُستخدم هذه المركبات بكثرة في منتجات حماية السجاد والأثاث، لذا من الأفضل تفاديها. حاولوا قدر الإمكان إبعاد أثاثكم وسجادكم عن هذه المواد ولو اضطررتم إلى تقبل وجود بعض البقع لأن صحتكم أهم على المدى البعيد.
- تنظيف الغبار وشفطه بانتظام: إذا كنتم تملكون منتجات كأثاث وأقمشة أو سجاد تحتوي على الفاعلات بالسطح الفلوري في المنزل، فيمكن للغبار الذي يتطاير منها أن يعرضكم لاستنشاق هذه المركبات. لهذا السبب يجب أن تواظبوا على تنظيف وشفط الغبار لأنه يساعدكم في تقليص هذه الملوثات.
- البحث عن منتجات أكثر أماناً: يعمد الكثير من الصناعيين اليوم إلى الترويج لمنتجات خالية من هذه المركبات في إعلاناتهم نزولاً عند رغبة المستهلكين. عند تبضع منتجات تحتوي غالباً على الفاعلات بالسطح الفوري كمعدات التخييم ومواد التنظيف ومنتجات العناية الشخصية، ابحثوا عن تلك الخالية من هذه المركبات الخطرة منها. تقدم مجموعة «إنفايرونمنتل ووركينغ غروب» أدوات على موقعها الإلكتروني لمساعدة المستهلكين على الاطلاع على المواد الكيميائية المستخدمة في الكثير من منتجات العناية الشخصية واختيار المناسب والصحي منها.
- تخفيف الاستهلاك: يساهم تقليل عدد المنتجات التي تستخدمونها، ولا سيما مستحضرات التجميل، في تخفيف تعرضكم لهذه المركبات. حددوا المنتجات الأكثر أهمية وتوقفوا عن استخدام الأخرى الثانوية.
- اختيار الأطعمة الطبيعية القليلة التغليف: تحتوي أجسام الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة من الأطعمة الصناعية والمأكولات السريعة على نسبٍ مرتفعة من الفاعلات بالسطح الفوري، بحسب ساندرلاند. تحتوي الأغلفة والعلب غالباً على هذه المركبات، لذا فإن اختيار سلعٍ غير معلبة وطبيعية غير صناعية يمكن أن يساعد. على سبيل المثال، يمكنكم استبدال أكياس الفشار الورقية المخصصة للميكروويف بواسطة حبوب الذرة الكاملة وطهيها في مقلاة.


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»