جوانو يروي بعضاً من خفايا بروتوكول «الإليزيه»

«ماذا أعددتم لفطور مستشارنا؟». كان هذا هو السؤال الذي طرحه مدير مكتب المستشار هلموت كول على دانييل جوانو، مدير البروتوكول في «الإليزيه» بمناسبة الإفطار الذي دعا إليه الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران ضيفه الألماني، في أول قمة فرنسية - ألمانية جرت في ربيع 1993. كان ميتران قد اختار بلدة «بون» في مقاطعة «كوت دور» مكاناً للقاء. وبما أن الفرنسيين يفطرون على قطعة «كرواسون» مع كوب قهوة، وهو ما لا يناسب شهية هلموت كول. لهذا اضطر جوانو إلى دخول أول مخبز يراه في طريقه لكي يشتري قطعة من فطيرة التفاح الفرنسية الشهيرة لتضاف إلى فطور الضيف الألماني. لكن مدير مكتب كول تدخل قائلاً: «قطعة واحدة؟ هات الفطيرة كلها».
كان اختيار تلك البلدة الواقعة إلى الشرق من العاصمة محرجاً لرئيس البروتوكول لافتقادها إلى فنادق لائقة. وكان رئيس البلدية قد قرر استضافة ميتران بينما تم حجز أفضل غرفة في فندق «لو سيب» للمستشار كول ومثلها لإدوار بالادور رئيس وزراء فرنسا، يومذاك. لكن كابينة الاستحمام في غرفة كول كانت ضيقة لا تستوعب جسده الضخم. وكان على مدير البروتوكول أن يأتي بعمال، على وجه السرعة، لكي يقوموا بتوسيع بوابة «الدوش».
هذه المواقف، وغيرها كثير، وردت في مذكرات دانييل جوانو التي تصدر، هذا الأسبوع، عن منشورات «بلون» في باريس. ويروي جوانو، الذي كان دبلوماسياً وسفيراً لبلده لدى لبنان، حادثة وقعت عند استقبال فرنسا لأحد عشر زعيماً، في صيف 1994، للاحتفال بالذكرى الخمسين لإنزال الحلفاء على شواطئ النورماندي الفرنسية في الحرب العالمية الثانية. وكان بين الحضور ملكة بريطانيا والرئيس الأميركي بيل كلينتون. كان المنهاج مرسوماً بالدقيقة والثانية. لولا أن ميتران تأخر نصف ساعة في مغادرة «الإليزيه» للتوجه إلى مطار «فيلا كوبليه»، وأخذ الطائرة إلى النومارندي. وهذا معناه أنه سيتأخر عن استقبال ضيوفه هناك، لا سيما أن كلينتون كان قد وصل قبل مضيفه الفرنسي. وطبعاً ليس من اللائق أن يقف الرئيس الأميركي مستقبلاً ميتران عند هبوطه من الطائرة. ولإنقاذ الموقف، اضطر مدير البروتوكول إلى اقتياد كلينتون إلى خيمة جانبية وإلهائه بالحديث لحين وصول طائرة الرئيس.
الحرج الثاني الذي ترتب على تأخير ميتران هو أن الوقت المخصص للغداء بات أقصر مما هو مقرر له. والفعاليات المبرمجة بعد الغداء لا تحتمل التغيير. وكان الحل هو اختصار خمس دقائق من وقت كؤوس المقبلات وإلغاء أطباق الجبنة التي يتناولها الفرنسيون، عادة، بعد الوجبات، والانتقال من الحلوى إلى القهوة مباشرة. لكن مدير البروتوكول تلقى بعد المناسبة رسالة من السكرتير الخاص لإليزابيث الثانية، جاء فيها أن الملكة استنكرت غياب الجبنة عن مأدبة جرت في النورماندي، المنطقة الشهيرة بأبقارها ومنتجات ألبانها.
بعد عودة الضيوف إلى باريس، دعي كلينتون لتمديد إقامته الفرنسية. وكان يخرج كل صباح لممارسة رياضة الجري في حدائق «تويلري» مع كل ما يسببه ذلك من «وجع دماغ» لمدير البروتوكول ولأفراد الأمن السري الفرنسي الذين كانوا يضطرون للهرولة معه وهم يرتدون البدلات وأربطة العنق ويحتذون أحذية جلدية أنيقة.
ولدى عشاء في «الإليزيه» بدعوة من ميتران، انتشر أفراد الحماية الذين جاءوا مع الرئيس الأميركي في كل حجرات القصر، بل أراد بعضهم النزول إلى المطبخ لتذوق الطعام. وبعد العشاء، أعرب كلينتون عن رغبته في زيارة متحف «اللوفر» مع زوجته هيلاري، وقرر ميتران مرافقتهم في الزيارة التي بدأت بعد انتصاف الليل بقليل. وكان على رجال الأمن تأمين المكان مسبقاً. ولما طلب كلينتون مشاهدة آثار الملك الفرنسي فيليب أوغست، اعترض أفراد الحماية الأميركيون لأنهم لم يجدوا الوقت لتأمين القاعة. لكن ميتران لم يلتفت لهم ومضى مع ضيفيه في اتجاهها.
في أواخر سنوات ميتران واشتداد المرض الخبيث عليه، كان تحديد رحلاته الخارجية يتم بحسب قرارات طبيبه الخاص. وحدث أن لبى في تلك الفترة دعوة من ملك السويد وزوجته لافتتاح معرض فني يقام للمقتنيات الفرنسية في استوكهولم. وبعد المناسبة، أصيب الرئيس الفرنسي بالإعياء ودخل غرفته ليستريح. لكنه كان مضطراً لحضور دعوة العشاء المقررة في المساء نفسه، وطلب من مدير البروتوكول تقديم الموعد لنصف ساعة لكي يأخذ الطائرة عائداً إلى باريس. وفي العشاء، تصادف وجود نساء سويديات حسناوات حول المائدة، فنسي الرئيس الفرنسي تعبه ونسي موعد الطائرة وبقي مستيقظاً في رحلة العودة يلقي على مرافقيه درساً في تاريخ السويد والكونت برنادوت.
عمل جوانو، أيضاً، لفترة مع جاك شيراك. ويروي أنه رافق الرئيس الفرنسي في رحلة رسمية إلى طوكيو. ولما جاءت لحظة تبادل الهدايا التذكارية قدم رئيس الوزراء الياباني مجموعة من صور أبطال رياضة «السومو» إلى ضيفه، نظراً لأن شيراك كان من أشد هواة اللعبة.