لبنان يغرق في العتمة... ومساع لإعادة الكهرباء جزئياً مطلع الأسبوع

المبنى الرئيسي لمؤسسة كهرباء لبنان (رويترز)
المبنى الرئيسي لمؤسسة كهرباء لبنان (رويترز)
TT

لبنان يغرق في العتمة... ومساع لإعادة الكهرباء جزئياً مطلع الأسبوع

المبنى الرئيسي لمؤسسة كهرباء لبنان (رويترز)
المبنى الرئيسي لمؤسسة كهرباء لبنان (رويترز)

استنفرت السلطات اللبنانية لإعادة تأمين التيار الكهربائي جزئياً إلى مختلف المناطق اللبنانية، بعد دخول البلاد في ظلام تام إثر خروج أكبر محطتين لإنتاج الكهرباء من الخدمة، وسط انتقادات سياسية للوعود التي قدمها «حزب الله» لتوفير الطاقة.
ودخلت البلاد أمس في ظلام تام بعد خروج أكبر محطتي كهرباء من الخدمة، وهما معمل الزهراني ومعمل دير عمار، بسبب نقص الوقود. وسُجل انفصال شبكة الكهرباء بشكل كامل ودخل لبنان في العتمة، بعد توقف معملي الزهراني ودير عمار نتيجة نفاد المازوت وتدني إنتاج الطاقة إلى ما دون الـ200 ميغاواط، علماً بأن أقل من 200 ميغاواط لا تكفي لربط الشبكة الكهربائية ببعضها وبالتالي هناك خطر الدخول في الانقطاع العام الشامل.
وتوقفت شبكة كهرباء لبنان تماماً عن العمل عند ظهر أمس، ونقلت «رويترز» عن مصدر قوله إنه «من المستبعد أن تعمل حتى نهار الاثنين القادم أو لأيام عدة». وقال إن شركة كهرباء لبنان تحاول أن تستعين بمخزون الجيش من زيت الوقود لتشغيل إحدى المحطتين بشكل مؤقت لكن ذلك لن يحدث قريباً.
وأكدت مؤسسة «كهرباء لبنان» في بيان صحافي توقف المحطتين عن العمل «ما انعكس مباشرة على ثبات واستقرار الشبكة وأدى إلى هبوطها بشكل كامل دون إمكانية إعادة بنائها مجدداً في الوقت الراهن في ظل هذه الظروف التشغيلية الصعبة والقدرة المتدنية من جهة واستمرار وجود محطات تحويل رئيسية خارجة عن سيطرة المؤسسة من جهة أخرى».
وناشدت المؤسسة جميع الجهات المعنية بحساسية الوضع ودقته، «ولا سيما لجهة ضرورة الموافقة على تحويل فائض العملة الوطنية المتراكم في حساباتها جراء عمليات جباية فواتير الاشتراكات بالتغذية في التيار، إلى عملة صعبة وفق سعر الصرف الرسمي، في محاولة منها لتغطية جزء من حاجاتها من المحروقات، لزوم إنتاج الطاقة». وحذرت من أنه «إذا استمرت الأمور على حالها، فهناك مخاطر عالية من الوصول إلى الانقطاع العام والشامل على جميع الأراضي اللبنانية».
ودفع انقطاع الكهرباء نحو حراك سياسي عاجل، إذ تحدثت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية عن «اتصالات جرت لتأمين إعادة التيار الكهربائي جزئياً إلى مختلف المناطق اللبنانية، عبر تزويد محطات الإنتاج بالفيول من الاحتياط المتوافر للضرورات القصوى»، مشيرة إلى أن «التيار الكهربائي سيعود تدريجياً خلال الساعات المُقبلة».
ويعتمد معظم اللبنانيين على مولدات الكهرباء الخاصة التي تعمل بالديزل رغم نقص المعروض. ونتجت أزمة الوقود عن انهيار مالي يعصف بالاقتصاد اللبناني منذ 2019.
وتسعى شركة الكهرباء إلى إيجاد حلول جزئية، وقالت إنه «من المرتقب أن تصل شحنة مادة الفيول أويل (Grade A)، والتي من المتوقع أن تفرغ حمولتها في كل من خزانات مصبات الزوق والجية مطلع الأسبوع المقبل، بعد أن تقوم وزارة الطاقة والمياه - المديرية العامة للنفط، بالتأكد من مطابقة مواصفاتها فور ورود نتائج تحاليل عيناتها ليتم استهلاكها بعد تفريغ كامل حمولتها في كل من معملي الزوق والجية الحراريين، لمحاولة رفع القدرة الإنتاجية لنحو 500 ميغاواط، ريثما ترد الشحنة الثالثة من اتفاق التبادل العراقي، والمحملة بمادة الغاز أويل والمرتقب وصولها في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكي تتمكن المؤسسة عندئذ من تثبيت الشبكة الكهربائية قدر استطاعتها».
ويرتبط لبنان باتفاقية مع العراق تقضي بتزويد بغداد للبنان بمليون طن من النفط الخام، تجري مبادلتها مع وقود يصلح لتشغيل محطات الكهرباء الحرارية في البلاد. ويتم ذلك على دفعات. وتحدثت معلومات عن أن باخرة محملة بالوقود بموجب الاتفاق مع العراق، ستصل إلى ‎لبنان أواخر الشهر الحالي محملة بـ36 ألف طن لتزويد معملي الزهراني ودير عمار بالوقود. وقالت «كهرباء لبنان» إنها تتواصل مع منشآت النفط في طرابلس والزهراني، لمعرفة إمكان شراء جزء من كميات الغاز أويل المحدودة إذا ما توافرت لديها، وذلك لكي يصار إلى إعادة تشغيل معملي الزهراني ودير عمار لأيام محدودة فقط، لرفع القدرة الإنتاجية مؤقتاً إلى حدود 500 ميغاواط، وبالتالي تثبيت الشبكة الكهربائية، ريثما يتم الانتهاء من تفريغ حمولة شحنة مادة الفيول أويل (Grade A) مطلع الأسبوع المقبل، على أن يصار إلى سداد ثمن تلك الكميات بموجب قرض الـ100 مليون دولار بين الحكومة ومصرف لبنان، والذي تبلغت المؤسسة من جانب مصرف لبنان صباح الجمعة موافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان عليه».
وأثار انقطاع الكهرباء استنكاراً سياسياً. وقال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع: «من أولى نتائج وصول الفيول الإيراني إلى لبنان وفك الحصار الأميركي عنه، توقف كل معامل الكهرباء عن الإنتاج لعدم وجود الفيول». وختم ساخراً: «إنه فعلاً لوعد صادق».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.