رفعت الأسد نافس شقيقه على {القصر} وهرم في المنفى... و{سامحه الرئيس}

عبد الحليم خدام: قواته حاصرت دمشق ليقول إنه قادم للحكم... فاتخذنا إجراءات كي لا تنفجر سوريا

الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت في يناير 1984 (أ.ف.ب)
الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت في يناير 1984 (أ.ف.ب)
TT

رفعت الأسد نافس شقيقه على {القصر} وهرم في المنفى... و{سامحه الرئيس}

الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت في يناير 1984 (أ.ف.ب)
الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت في يناير 1984 (أ.ف.ب)

سوريا التي غادرها رفعت الأسد عندما كان نائباً للرئيس حافظ الأسد قبل عقود ليست ذاتها التي وجدها عندما سمح له ابن شقيقه، الرئيس بشار الأسد، بالعودة إليها «مواطناً»؛ هي بلاد تغيرت بتحالفاتها الخارجية ودورها في الإقليم، واختلفت بتركيبتها و«إقامة» خمسة جيوش فيها.
قد تكون مشاهداته الأولى مع زوجاته وأبنائه وأحفاده في اليومين الماضيين لدمشق، في شوارعها وحواجزها وبيوتها ومسؤوليها ومكان إقامته القديم - الجديد في حي المزة، أيقظت ذاكرته وذاكرة مريديه عندما كان في قوته، ولوح من إحدى تلالها بـ«انقلاب» على شقيقه، وحاصر بوابتها، في منتصف الثمانينات.
دمشق التي أصدرت قبل 21 سنة إلى النقاط الحدودية تعميماً باعتقاله، في حال عاد من المنفى، «ترفعت» واستقبلته الآن كي يتفادى تنفيذ حكم محكمة فرنسية بالسجن 5 سنوات. والأيام وحدها ستفك «شفرة» العبارة التي سطرتها صحيفة «الوطن» أول من أمس، من أن رفعت عاد «دون أي دور سياسي واجتماعي»، ومدى «صرامة» هذا «التعميم» في الشوارع بين دمشق واللاذقية.

حافظ الأسد وشقيقه رفعت وعائلتهما

- «الشقيقان»... و«الأخوان»
رفعت (84 سنة) كان منذ صغره تحت تأثير شقيقه الأكبر الأقوى الذي يكبره بسبع سنوات. وفي 1952، وبعد 5 سنوات، سار على آيديولوجية شقيقه، وانضم إلى حزب «البعث». وأيضاً سار على دربه بالانضمام إلى الخدمة الإلزامية، ثم إلى وزارة الداخلية بعد الانفصال عن مصر عام 1961.
وفي مارس (آذار) 1963، سيطرت اللجنة العسكرية لـ«البعث» الذي كان شقيقه عضواً فيه على الحكم، فالتحق رفعت بالكلية العسكرية في حمص، وخدم بعد تخرجه إلى جانب شقيقه الذي كان آنذاك قائداً لسلاح الجو.
أولى «جولاته» العسكرية كانت مع سليم حاطوم في اقتحام مقر الرئيس أمين الحافظ في فبراير (شباط) 1966 لإسقاط أول حكومة «بعثية». وفي ظل الرئيس نور الدين الأتاسي الذي خلفه لثلاث سنوات، كُلف رفعت بقيادة وحدة خاصة أنشأتها اللجنة العسكرية لـ«الدفاع عن النظام»، بإمرة وزير الدفاع محمد عمران.
يقول مؤرخون إنه في نهاية الستينات، كان هناك مستويان للصراع: بين حافظ ورفعت من جهة، وبين صلاح جديد ومدير مخابراته عبد الكريم الجندي من جهة ثانية. وبين 25 و28 فبراير (شباط) 1969، نفذ «الأخوان الأسد» حركة عسكرية في دمشق، وتوغلت الدبابات في المدينة ضد أنصار الجندي وجديد. وشكل انتحار الأول في 2 مارس (آذار) 1969 لتجنب الاعتقال انتصاراً لرفعت. وفي 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، قام الأسد بـ«حركة شاملة»، واعتقل الرئيس الأتاسي وصلاح جديد، وكُلف رفعت الأسد بمسؤولية تأمين دمشق.
أصبح رفعت قائداً لـ«سرايا الدفاع»، وهي قوة نخبوية من 40 ألف جندي، كانت بمثابة «جيش مستقل» لا يرتبط بأي شكل بالجيش. وترقى رفعت إلى قيادة الحزب، ووسع نشاطاته بين الطلاب والشباب والفتيات والإعلام، كما أسس «الرابطة العليا للخريجين» لتوحيد حملة الشهادات الجامعية، لتصبح ذراعاً طلابية موازية تابعة له.
وفي عام 1979، اندلع صراع بين النظام و«الإخوان المسلمين». وفي ديسمبر (كانون الأول) 1979، قال رفعت في مؤتمر «البعث» إن الوقت قد حان لـ«الرد بقوة»، ودعا الجميع إلى تقديم الولاء المطلق. ونُقل عنه قوله: «ضحّى ستالين بعشرة ملايين شخص للحفاظ على الثورة البلشفية، وعلى سوريا أن تفعل الشيء نفسه أيضاً للحفاظ على الثورة البعثية». وهدد رفعت بـ«خوض مائة حرب، وهدم مليون حصن، والتضحية بمليون قتيل» للحفاظ على النظام - الدولة، وأُطلق العنان في قمع الانتفاضة بين 1979 و1982 التي بلغت ذروتها في قصف حماة في فبراير (شباط) 1982. وفي عام 1983، أرسل «مظلياته» إلى دمشق بأوامر لنزع الحجاب عن النساء في الشوارع؛ الأمر الذي قوبل بانتقادات حادة دفعت شقيقه إلى إدانة ذلك علناً.
\
رفعت الأسد يتحدث الى أنصاره (الشرق الأوسط)

- حافة الخطر
وعندما مرض حافظ الأسد، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983، بدا الأمر كأن لحظة رفعت المنتظرة قد حانت، وبدأ في العمل بصفته «وريثاً شرعياً»، فرأى أنه الخليفة الوحيد، وبدأ في حشد تأييد جنرالاته، ما أثار استياءً شديداً لدى الرئيس.
وحسب أوراق نائب الرئيس عبد الحليم خدام، التي اطلعت عليها {الشرق الأوسط}, في مارس (آذار) عام 1978، فإنه اجتمع بالأسد، وسط حملة شديدة على رفعت بين أوساط السوريين، وخلال «حديثنا عن الوضع، قلت له: الحملة كبيرة على رفعت، وهذه الحملة تضعف النظام، لذلك لا بد من معالجة وضع رفعت، فأجابني: رفعت مخرز في عيون الرجعية، فأجبته: سنرى في المستقبل سيكون مخرزاً في قلب من».
وبالفعل، كان رفعت يتدخل بشؤون الدولة، ويعطي توجيهات لرئيس الوزراء محمد علي حلبي الذي لم يكن يتجرأ على ردعه. ويضيف: «كان توجه الرئيس إلى توريث شقيقه، غير أن رفعت ارتكب خطيئة كبيرة عندما حاول الانقلاب على شقيقه خلال مرضه في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983».
وخلال لقاء خدام بالأسد في منزله لمناقشة المشاركة في مؤتمر القمة في عمان نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 1980، قال الأسد: «أفكر في تعيين نائب للرئيس من أجل الاستمرارية، إذ إنه لا يعرف الإنسان متى يأتي الأجل».
وقدّر خدام (أبو جمال)، الذي كان وزيراً للخارجية وقتذاك، أنه يقصد رفعت بـ«الاستمرارية». غير أن محاولة رفعت الاستيلاء على السلطة خلال مرض أخيه «أسقطته من القائمة»، حيث يروي خدام أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1983، مرض الرئيس، و«جاءني مساء ذلك اليوم قائد الحرس الجمهوري عدنان مخلوف، وأبلغني أن الرئيس يريدني وهو في المستشفى. اعتقدت أنه تعرض لمحاولة اغتيال، فسألته: هل أصيب بالرصاص أو بقنبلة، فأجابني: أصابته أزمة قلبية، فذهبت فوراً إلى المستشفى، ودخلت غرفة الإنعاش، وكانت زوجته حاضرة. وسألته عن أزمته القلبية، فأجابني: تعبنا يا أبا جمال».
وفي اليوم التالي، كان من المفروض أن يزور سوريا الرئيس اللبناني أمين الجميل، فـطلب الأسد من خدام تأجيل الزيارة لـ«انشغاله في أمور داخلية». وعندما خرج من غرفة العناية المشددة، اتصل خدام برئيس الأركان في الجيش العماد حكمت الشهابي، وطلب منه المجيء إلى المستشفى، و«اتفقنا على اتخاذ إجراءات بمنع أي محاولة لتفجير الوضع في سوريا لأني كنت أخشى من رفعت».
يقول خدام: «في هذه الأثناء، دخل علينا رفعت، وكنت أتحدث بالهاتف مع سفيرنا في لندن الذي طلبت منه إرسال طبيب قلب فوراً، على أن يكون من أكفأ الأطباء، كما اتصلت بسفيرنا في واشنطن، وطلبت منه الطلب نفسه. وبعدما أنهيت كلامي، قال رفعت: «لماذا إحضار الأطباء من الخارج، هناك أطباء في سوريا؟ هل من الضرورة كلما مرض أي شخص أن نأتي بأطباء من الخارج؟، فأجبته: أخوك اسمه حافظ الأسد، وليس حافظ خدام، ومسؤوليتي أن أوفر كل الظروف لشفائه، لأني أعرف الفوضى التي ستنشأ (في حال غيابه)».
ويضيف أنه وقتذاك «جاءني السفير الأميركي، وأبلغني أن مبعوثاً أميركياً قادم إلى دمشق للاجتماع برفعت الأسد، فأجبته: لن نسمح له بالمجيء؛ في سوريا دولة، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تتصل، يتم الاتصال مع الدولة التي أمثلها أنا بصفتي وزيراً للخارجية».
وبالفعل، في اليوم التالي، قامت كتائب من «سرايا الدفاع» بجولة في شوارع دمشق، كأن رفعت أراد أن يقول للناس: «أنا قادم»؛ يضيف خدام: «اجتمعنا في الأركان، أنا والعماد حكمت الشهابي و(وزير الدفاع) العماد مصطفى طلاس، واتفقنا على استدعاء فرقتين من خارج دمشق طوقتا دمشق، وتوترت الأجواء، لكن عندما عرف رفعت بالإجراءات، كما عرف بعض الضباط الكبار الذين بايعوا رفعت أن الرئيس حافظ تجاوز الخطر، تخلوا عنه، وأصبح معزولاً».

حافظ الأسد ووزير الدفاع مصطفى طلاس ورفعت الأسد (الشرق الأوسط)

- دبابة على الكتف
في تلك المرحلة، عقدت القيادة القطرية اجتماعاً، وفوجئ الجميع بأعداد كبيرة من «سرايا الدفاع» في الساحة الداخلية للقيادة، ثم جاء رفعت وطلب الحديث، فأعطاه الأمين القطري المساعد محمد زهير مشارقة الدور، فقال: «على القيادة الآن أن تطرد من الحزب كلاً من علي دوبا (مدير المخابرات العسكرية) وإبراهيم صافي (قائد القوات السورية في لبنان) وعلي حيدر (قائد الوحدات الخاصة) ومحمد خولي (مدير المخابرات الجوية) لأنهم يشتمونني؛ أنا شقيق الرئيس، ويجب أن أعامل كالرئيس. وإذا لم تتخذوا القرار، فإن قواتي ستنزل فوراً لتحتل دمشق».
تردد بعض أعضاء القيادة، وأخذ العماد مصطفى يخاطب رفعت ويقول له: «هؤلاء إخوانك، والمشكلة لها حل؛ تجتمعوا معاً». وهنا تدخل خدام، وخاطب رفعت: «تريد أن تعمل انقلاباً؟ تفضل. إذا كان كل ضابط لديه دبابات وعسكر يريد أن يركب على أكتافنا، فهذا الأمر خطير، والدبابات الموجودة عندك وتهدد بها ليست ملكاً لأبيك، تفضل تحرك». فازداد وجه رفعت غضباً، وقال: «أنا لم أقل هذا الكلام»، فأجبته: «الحديث مسجل».
وبعد الاجتماع، اتصل خدام هاتفياً بالرئيس، وأبلغه بما جرى، فقال: «سأدقق مع زهير مشارقة» الذي كان أميناً قطرياً مساعداً للحزب، وأضاف: «بعد دقائق، اتصل بي، وقال: زهير أعطاني صورة أخرى، وإن رفعت لم يتحدث بشيء يسيء أو يهدد»، فقلت له: «اسأل وزير الدفاع ورئيس الأركان؛ زهير من موالي رفعت. وبالفعل، بعد نحو ربع ساعة، اتصل بي، وقال لي: كلامك كله صحيح، وزهير إنسان لا يفهم وجبان وقد كذب علي».

الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت في يناير 1984 (أ.ف.ب)

- «أنا النظام»
وفي فبراير (شباط) 1984، بدأ حافظ الأسد بالرد، فأمر بالقبض على أحد أتباع رفعت، وهو مساعده الأمني العقيد سليم بركات، وبعث برسالة إلى رفعت عبر أخيه الآخر جميل، يقول فيها: «أنا أخوك الأكبر الذي عليك حق طاعته، ولا تنسَ أنني أنا الذي صنعتك».
وفي مارس (آذار) 1984، عين حافظ الأسد رفعت نائباً لرئيس الجمهورية، من دون أي مهام رسمية. وفي واقع الأمر، لم تكن هذه ترقية، وإنما كان يهدف إلى كبح صلاحيات رفعت عبر منصب سياسي بحت، حتى يكون تحت عين الرئيس طوال الوقت. وقد أُحيلت مهامه الأمنية، بصفته قائداً لـ«سرايا الدفاع»، إلى العقيد محمد غانم.
ويروي خدام أن الأسد «دعا القيادة القطرية إلى اجتماع في مطلع مارس (آذار) 1984، وأبلغ القيادة بأنه قرر تعيين 3 نواب للرئيس، وسيصدر القرار لأنه من صلاحياته، وليس من صلاحيات القيادة القطرية، وأعلن أسماء الذين سيعينهم نواباً له على النحو التالي: رفعت الأسد، وزهير مشارقة، وعبد الحليم خدام. فقلت له فوراً: لا أريد أن أكون نائباً للرئيس، ولا في أي موقع حكومي أو حزبي».
ويضيف: «أنهى الاجتماع، ودعاني إلى مكتبه، وسألني: لماذا اعترضت؟ فأجبته: كيف تضع رفعت وزهير أمامي؟ رفعت كان يجب أن يكون في السجن، وليس نائباً أولاً للرئيس، وزهير عندما كنت قيادياً في حزب البعث كان في الصف الخامس الابتدائي؛ لقد عملت كل جهدي لخدمة بلادي، ولن أمارس أي عمل في الدولة أو في الحزب، فأجاب: تعالَ وتولى منصب الأمين القطري، وهو الأمين القطري المساعد، فأجبته: لم يعد في ذهني أي عمل، وودعته وذهبت إلى المنزل».
ويستطرد: «وبعد نحو ساعة، تحدث معي، وطلب مني أن أعود، فعدت إليه، حيث استقبلني ضاحكاً بعبارة: أنت عنيد، وأبلغني أنه أصدر مرسوماً بوضعي أولاً، ورفعت ثانياً، وزهير ثالثاً. فسألته: ماذا سيعمل نائب الرئيس؟، فأجابني: ستكون مسؤولاً عن السياسة الخارجية، وبالفعل أصدر المرسوم، وقبلت».
وفي 30 مارس (آذار) 1984، رد رفعت على هذه الخطوة، وأمر جنوده بالدخول إلى دمشق، مع أوامر واضحة بالاستيلاء على السلطة، وقد تمركزوا في نقاط استراتيجية في جميع أنحاء دمشق ومحيطها، وهي نقاط يسهل منها قصف المدينة. وقد واجهت قوات رفعت الأنصار الموالين للرئيس، وهم رجال مثل علي حيدر من القوات الخاصة، وعدنان مخلوف من الحرس الجمهوري.
وكتب باتريك سيل، مؤلف سيرة الأسد، بعنوان: «الأسد: النضال من أجل الشرق الأوسط»: «لو أن الجانبين وجها ضربات في العاصمة، لكان الدمار عظيماً جداً، ولشوهت صورة النظام على نحو لا يمكن إصلاحه، هذا إذا نجت دمشق على الإطلاق». وأضاف: «لقد ترك (حافظ) الحبل لرفعت بما يكفي لشنق نفسه».
كان حافظ يرتدي البزة العسكرية الكاملة، يرافقه نجله الأكبر باسل الذي سيصبح اليد اليمنى لوالده إلى حين وفاته بحادث سيارة بداية 1994. وقد قاد سيارته من دون حراس في العاصمة لمواجهة رفعت في مقر قيادته العسكرية. ويروى وزير الدفاع مصطفى طلاس، في منشور «ثلاثة أشهر هزت سوريا»: «اتصل العميد عدنان مخلوف قائد الحرس الجمهوري، وقال إن السيد الرئيس قد توجه بمفرده إلى مقر شقيقه رفعت الأسد (في ضواحي المزة)، وأعطاه (أي عدنان مخلوف) التوجيه التالي: إذا لم أعد بعد ساعة من الآن، قل للعماد طلاس أن ينفذ الخطة (بمواجهة قوات رفعت)».
«هل تريد إسقاط النظام؟» سأله حافظ، واستطرد: «ها أنا ذا؛ أنا النظام!». تجادلا، ثم عرض الرئيس على شقيقه مخرجاً، متعهداً باحترام كرامته ودعم مصالحه، والخروج الآمن إلى منفى يختاره، ولن يُقبض عليه.
وفي أواخر أبريل (نيسان) من عام 1984 «بدأ العميد رفعت يشعر بأن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه الرئيس لدرجة لم تعد تسمح له بالحركة إطلاقاً، فاتصل بشقيقه جميل الأسد، ليمهد له المصالحة مع أخيه، وأنه جاهز لأي عمل يرتئيه. وكان الرئيس الأسد ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت ورضوخه للسلطة، وقد نجح في لعبة عض الأصابع. ومن هذا المنطلق، أعلم شقيقه جميل بالموافقة على طلب قائد سرايا الدفاع... وبدأت المفاوضات الصعبة».
وتم الاتفاق على أن تعود «سرايا الدفاع» لتوضع بتصرف هيئة العمليات في القوات المسلحة، وأن يبقى العميد رفعت نائباً لرئيس الجمهورية مسؤولاً (نظرياً) عن شؤون الأمن. كما تم الاتفاق على أن يسافر معه إلى موسكو ضباط كبار.
وفي 28 مايو (أيار) 1984، توجهت طائرة إلى موسكو مليئة بأكبر ضباطه (بمن فيهم رفعت) لفترة تهدئة، ثم تم استدعاؤهم واحداً تلو الآخر إلى سوريا، وترك رفعت وحيداً في المنفى.


رفعت الأسد في اجتماع حزبي في دمشق (الشرق الأوسط)

- «أخي لا يحبني»
وقبل مغادرته سوريا، نظم رفعت مأدبة كبيرة لأصدقائه، وقال: «يبدو أن أخي لم يعد يحبني؛ عندما يراني يعبس، لكني لست عميلاً أميركياً، ولم أتآمر ضد بلدي... لو كنت أحمق، لدمرت المدينة بأكملها، لكني أحب هذا المكان. رجالي هنا منذ ثمانية عشر عاماً، والناس معتادون علينا؛ إنهم يحبوننا، والآن يريد هؤلاء المغاوير طردنا».

حافظ الأسد ونجله باسل وشقيقه رفعت (الشرق الأوسط)

وقد عاد رفعت إلى سوريا عام 1992، بناء على رغبة والدته التي توفيت في ذلك العام. وفي عام 1994، عزى شقيقه حافظ عندما توفي نجله باسل، لكنه سُرح في وقت لاحق من العام نفسه من منصبه في الجيش، واستمر في شغل منصب نائب الرئيس، قبل أن يعفى لاحقاً.
وفي عام 1999، شارك أنصاره في معركة بالأسلحة النارية ضد القوات الحكومية في اللاذقية. وقد أنشأ محطة فضائية في لندن، في سبتمبر (أيلول) 1997، كما أسس حزبه الخاص في أوروبا، برئاسة نجله سومر الأسد، داعياً إلى التغيير السياسي، الأمر الذي قوبل بنقد من معارضين وموالين.
وعندما توفي الرئيس حافظ، في 10 يونيو (حزيران) 2000، أصدر بياناً حداداً عليه، وادعى أنه الوريث للرئاسة، غير أن نداءاته لم تلقَ آذاناً صاغية، وأمر نائب الرئيس خدام باعتقال رفعت، إذا حاول حضور جنازة الرئيس في 13 يونيو (حزيران).

رفعت الأسد ونجله دريد في دمشق بعد عودته إليها يوم الخميس (فيسبوك)

وبعد اندلاع الاحتجاجات في ربيع 2011، اتخذ رفعت موقفاً ضد النظام، وتولى ابنه رئبال نشاطات سياسية علنية، لكن حضوره تراجع، إلى أن ظهر رفعت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في القنصلية في باريس لانتخاب الرئيس، ثم بعث برقية تهنئة للأسد بـ«إعادة انتخابكم»... إلى أن عاد يوم الخميس.



تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.


هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
TT

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)

لجأ عناصر وقادة حوثيون إلى ممارسة الابتزاز، والمساومة للحصول على شهادات الماجستير، والدكتوراه، في ظل تنافس أجنحة الجماعة على المناصب، والموارد، بينما يغرق التعليم الأكاديمي بالتمييز، والتطييف، واستغلال مؤسساته، وموارده لتقوية شبكات الولاء، والسيطرة على المجتمع.

ويساوم الحوثيون الملتحقون ببرامج الماجستير والدكتوراه طلاباً حاليين، وسابقين، لمساعدتهم في إعداد رسائلهم، من خلال إجراء البحوث، والدراسات، ويساهم القادة المعينون في مواقع قيادية في تلك الجامعات في عمليات الابتزاز من خلال اختيار الطلاب المتفوقين، والتنسيق بينهم، والقادة الساعين للحصول على المساعدة.

وكشف أحد الطلاب الملتحقين بدراسة برنامج للماجستير في كلية الآداب في جامعة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن منعه من دخول الحرم الجامعي بعد رفضه الاستجابة لضغوط شديدة، وإغراءات للقبول بمساعدة اثنين من القادة الحوثيين في إعداد الدراسات والأبحاث الخاصة بهما، وتضمنت الإغراءات إعفاءه من بعض الرسوم المطلوبة، ووعود بتوظيفه عند الانتهاء من الدراسة.

وأضاف الطالب الذي طلب التحفظ على هويته، حفاظاً على سلامته، أن عدداً من زملائه وافقوا على إعداد رسائل الماجستير لقادة وعناصر حوثيين مقابل حصولهم على بعض الامتيازات، والمكافآت المالية، في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها السكان في مناطق سيطرة الجماعة.

طالبات في جامعة صنعاء خلال حفل تخرج (غيتي)

وأكّد أن إقبال عناصر الجماعة على الالتحاق بالجامعات للحصول على مختلف الشهادات الجامعية أصبح ظاهرة ملحوظة في جامعة صنعاء، واصفاً ذلك بالتهافت، والذي يرى أنه يأتي في سياق التنافس على المناصب في المؤسسات العمومية التي تسيطر عليها الجماعة.

اختراق المجتمع

تسعى الجماعة الحوثية، وفقاً لمصادر أكاديمية، إلى نفي تهمة العبث بالتعليم الأكاديمي، بإلزام عناصرها وقياداتها الملتحقين بالدراسة في مختلف الجامعات بالحصول على شهادات أكاديمية من خلال إعداد دراسات وأبحاث حقيقية وفقاً للمعايير العلمية، بعد أن تعرضت، خلال الفترة الماضية، للتهكم، بسبب حصول عدد من قادتها على شهادات عليا بسبب نفوذهم، وتحت عناوين تفتقر لتلك المعايير.

وأعلنت الجماعة الحوثية، في فبراير (شباط) الماضي، حصول مهدي المشاط، رئيس مجلس الحكم الحوثي الانقلابي، على درجة الماجستير، في واقعة أثارت استنكاراً واسعاً، وكثفت من الاتهامات لها بالعبث بالتعليم العالي، والإساءة للجامعات اليمنية.

الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

وتتنافس تيارات وأجنحة داخل الجماعة الحوثية للسيطرة على القطاعات الإيرادية بمختلف الوسائل، ويسعى قادة تلك الأجنحة إلى بسط نفوذهم من خلال تعيين الموالين لهم في مختلف إداراتها.

وتقول المصادر الأكاديمية لـ«الشرق الأوسط» إنه بسبب هذا التنافس بين هذه الأجنحة لجأ عدد من القادة الحوثيين إلى إطلاق معايير مختلفة للتعيينات، ولم يعد الولاء لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي حكراً على أحد داخلها، وتراجع معيار تقديم التضحيات من خلال القتال في الجبهات، أو إرسال الأبناء والأقارب إليها، بعد توقف المواجهات العسكرية مع الحكومة الشرعية.

ولجأ قادة الجماعة إلى المزايدة على بعضهم بالشهادات الجامعية التي حصلوا عليها، وتبرير استحقاقهم للمناصب بما يملكون من مؤهلات علمية، خصوصاً أن غالبيتهم لم يتلقوا تعليماً بسبب انتمائهم للجماعة، وانشغالهم بالقتال في صفوفها، إلى جانب أن العديد من العناصر التحقوا بها للحصول على النفوذ، وتعويض حرمانهم من التعليم.

وتطلب الجماعة من عناصرها الالتحاق بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية المستحدثة، للحصول على شهادة البكالوريوس تحت مبررات مختلفة، منها تعزيز «الهوية الإيمانية» لهم، وتأهيلهم في مواجهة «الغزو الفكري».

احتفالية حوثية في جامعة صنعاء في الذكرى السنوية لقتلاها (إعلام حوثي)

ويرى أكاديميون يمنيون أن الغرض من إنشاء هذه الجامعة وإلحاق آلاف العناصر الحوثية بها هو تطييف التعليم، واستغلال مخرجاته في تمكين الجماعة من إغراق المؤسسات العامة بعناصر موالية لها لإدارة شؤون المجتمع بالمنهج الطائفي، وتبرير منحهم المناصب القيادية العليا في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها.

تمييز وفساد

يتلقى الطلاب في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية التابعة للجماعة الحوثية، بحسب مصادر مطلعة، تلقيناً حول إدارة المجتمع بمنهجية مستمدة مما يعرف بـ«ملازم حسين الحوثي»، وهي مجموعة من الخطب والمحاضرات التي ألقاها مؤسس الجماعة، وتعدّ مرجعاً لتوجيه الأتباع، وغرس أفكارها في المجتمع.

في غضون ذلك، أبدى عدد من طلاب جامعة صنعاء استياءهم من الفساد التعليمي، والتمييز الذي تمارسه الجماعة، بمنح المنتمين إليها درجات عالية في مختلف المواد والمقررات الدراسية رغم عدم حضورهم، أو تلقي الدروس، والاكتفاء بحضور الامتحانات.

أساتذة في جامعة صنعاء انتفضوا سابقاً ضد الممارسات الحوثية وتعرضوا للإقصاء (إعلام محلي)

وبَيَّن عدد من الطلاب لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة خصصت 10 درجات في كل مادة لكل طالب يشارك في فعالياتها التعبوية، وكلفت بعض الموالين لها من زملائهم بإعداد كشوفات لتسجيل حضور ومشاركة الطلاب في تلك الفعاليات.

وطبقاً لهؤلاء الطلاب، فإن المكلفين بمراقبة الحضور والمشاركة في الفعاليات لا يحضرون إلى قاعات الدراسة، ولا يشاركون في الدروس العملية، ولا يمكن مشاهدتهم إلا خلال فعاليات التعبئة.

وبسبب هذا التمييز والفساد يضطر عدد من الطلاب إلى الانضمام للجماعة للحصول على تلك الامتيازات، وضمان النجاح دون مجهود دراسي، والحصول مستقبلاً على وظيفة دون عناء.