شعراء وفنانون يكرمون محمد العلي رائد الحداثة الشعرية في السعودية

احتفالية تمتد لـ4 أيام وتجمع بين الشعر والمسرح والسينما

ملصق الاحتفالية بالشاعر محمد العلي
ملصق الاحتفالية بالشاعر محمد العلي
TT

شعراء وفنانون يكرمون محمد العلي رائد الحداثة الشعرية في السعودية

ملصق الاحتفالية بالشاعر محمد العلي
ملصق الاحتفالية بالشاعر محمد العلي

على مدى أربعة أيام، يحتشد في الدمام على ضفاف الخليج جمهرة من الشعراء والفنانين والأدباء، لتكريم رائد الحداثة الشعرية في السعودية الشاعر محمد العلي، في أمسيات يختلط فيها الشعر بالموسيقى والفن التشكيلي والفن السينمائي.
ويمثل الشاعر محمد العلي رمزا للحداثة الشعرية في بلاده، وعلى الرغم من انفتاحه على كل التجارب الشعرية واحتضانه لها فإنه كان ميالا إلى التجربة الشعرية الحديثة التي شقت طريقها ببطء في المشهد الأدبي السعودي. وقد ولد محمد العلي في قرية العمران بالأحساء في عام 1932، وقد بدأ حياته العلمية والأدبية في النجف بالعراق حيث درس فيها علوم القرآن وتعلم في المعاهد الدينية، وأسهم في تأسيس العديد من الجماعات والرابطات الأدبية في بغداد والنجف، قبل أن يقترن بتجربة الأدب الحديث في العراق، فقد عاصر تجربة بدر شاكر السياب في العراق، وحفظ عن ظهر قلب ديوانه «شناشيل بنت الشلبي».
وتقديرا لمشروعه الأدبي طيلة حياته التي امتدت بين الشعر والفكر والصحافة، ينظم بيت الشعر بجمعية الثقافة والفنون في الدمام مهرجان بيت الشعر الأول، والذي أطلق عليه «دورة محمد العلي»، بمشاركة نخبة من الشعراء السعوديين والخليجيين والعرب. كما تتضمن الاحتفالية معرضا تشكيليا ومسرحيا، بالإضافة إلى أمسية عروض أفلام سعودية. وقد حرصت الجمعية عند تدشين بيت الشعر الشهر الماضي «على تقديم فعاليات نوعية يتلاقى فيها الشعر مع بقية الفنون في بيت واحد، ويأتي ذلك لإيمانها بضرورة تقديم الفنون متجاورة في طليعة الفعل الثقافي، ولتعزيز حضورها في مشهدية بصرية تليق بالتجارب الثقافية الشعرية، وللخروج بفعاليات ثقافية تتجاور الآداب فيها مع مختلف الفنون السمعية والبصرية».
يستمر المهرجان أربعة أيام، ويتضمن أمسيات شعرية وعرض أربعة أفلام سعودية مميزة شاركت في مهرجان أفلام السعودية. ويشارك في المهرجان من خلال ثلاث أمسيات شعرية كل من: قاسم حداد من البحرين، زاهر الغافري من سلطنة عمان، ومن السعودية حمد الفقيه وإبراهيم الحسين وعبد الله الناصر ومحمد الحرز وصالح زمانان وغسان الخنيزي، وميسون صقر من الإمارات، وشوفي لعنيزي من تونس، وعصام خليل من مصر، وفيديل سبيتي من لبنان، وهاني نديم من سوريا، ومحمد النبهان من الكويت.
وتخلل حفل الافتتاح تكريم الشاعر محمد العلي وإطلاق ديوانه الشعري بعنوان «لا أحد في البيت»، الذي جمعه الشاعر أحمد العلي، وكتاب شهادات عن محمد العلي بعنوان «تلك الزرقة التي علمتنا الأناشيد»، قدمها أصدقاء وأدباء ممن عاصروا وتأثروا بتجربة الشاعر.
ويتضمن المهرجان عرضا لمسرحية «بارانويا» من إخراج ياسر الحسن، وتمثيل محمود الشرقاوي، وتأليف عباس الحايك.. ومسرحية «نوستالجيا» من إخراج سلطان الغامدي، وتأليف صالح زمانان، وتمثيل إبراهيم الحساوي.
أما المعرض التشكيلي المشارك في احتفالية دورة محمد العلي (شكل) فيشارك فيه نخبة من أبرز فناني المنطقة الشرقية، وهم: عبد الله الشيخ، وعبد الرحمن السليمان، وكمال المعلم، وعلي الصفار، وعبد العظيم شيلي، ومنير الحجي، وعبد الله المرزوق، وميرزا الصالح، وزمان جاسم، وعبد المجيد الجاروف، وحميدة السنان، وغادة الحسن، وقصي العوامي وبدرية الناصر.. ويستمر عشرة أيام.
ويحتفي المعرض التشكيلي بيوم الشعر، ليحول لغة الكلام إلى لغة بصرية ذات جمال أخاذ، وليوطد الشعر والتشكيل على جميع الأصعدة والمستويات الجمالية.
وتضمن حفل الافتتاح تكريما للشاعر محمد العلي، وتقديم فيلم تسجيلي عن حياته وذكرياته، وأبرز محطات تجربته الشعرية، كما قرأ الشعراء محمد الماجد، محمد الدميني، جاسم عساكر، محمد الحرز، زكي الصدير، أحمد الملا، أحمد القطان، محمد خضر، مجموعة من قصائد الشاعر محمد العلي.
وتتضمن الاحتفالية عرض الفيلم الروائي «حورية وعين» للمخرجة شهد أمين، والفيلم الروائي «سكراب» للمخرج بدر الحمود، والفيلم الروائي «فيما بين» للمخرج محمد السلمان، والفيلم الوثائقي «ضائعون» للمخرج محمد الفرج.
يذكر أن شعار مهرجان بيت الشعر صممه المصمم اللبناني المعروف كميل حوا، وقدمه في قالب إيحائي يعتمد على تشكيل كلمة شعر في قالب حداثي أقرب ما يكون لروح المهرجان.
برنامج اليوم الأحد يتضمن أمسية للشاعر البحريني قاسم حداد، يشارك فيها إلى جانبه الشاعر زاهر الغافري من سلطنة عمان، والشاعران السعوديان غسان الخنيزي وإبراهيم الحسين.
كما يوقع الشاعر قاسم حداد كتابيه «أيها الفحم»، و«سماء عليلة»، والشاعر إبراهيم الحسين كتابه «فم يتشرد»، والشاعر غسان الخنيزي «اختبار الحاسة أو مجمل السرد».
أمسية يوم غد الاثنين تتضمن عرض مسرحية «نوستالجيا»، كما تتضمن أمسية شعرية يشارك فيها الشعراء ميسون صقر من الإمارات، وشوقي العنيزي من تونس، وعبد الله الناصر من السعودية، وعصام خليل من مصر.
كما يوقع مجموعة من الشعراء أعمالهم، ومنهم عبد الله السفر «يرمي قبعته على العالم»، وحسين آل دهيم «أوبة الهرطيق»، ورقية الفريد «عدم أو كخلود الماء».
وفي أمسية يوم الثلاثاء المقبل، يتم عرض مسرحية «بارانويا»، تليها الأمسية الشعرية للشعراء محمد الحرز، صالح زمانان من السعودية، وفيديل سبيتي من لبنان، وهاني نديم من سوريا، ومحمد النبهان من الكويت.
ويوقع الشاعر محمد النبهان كتابيه «حكاية الرجل العجوز» و«امرأة من أقصى المدينة»، والشاعر محمد الحرز «أحمل مسدسي»، و«قصيدة مضيئة»، وعبد الله المحسن «يترجل عن ظهره»، ويوقع الشاعر أحمد الملا كتابه «علامة فارقة».



ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.