رحيل أول رئيس لإيران بعد «ثورة 1979»

بني صدر كان مقرباً من الخميني قبل تنحيته وفراره إلى منفاه الفرنسي

أبو الحسن بني صدر (إ.ب.أ)
أبو الحسن بني صدر (إ.ب.أ)
TT

رحيل أول رئيس لإيران بعد «ثورة 1979»

أبو الحسن بني صدر (إ.ب.أ)
أبو الحسن بني صدر (إ.ب.أ)

توفي، أمس، أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية في إيران بعد انتصار «ثورة الخميني»، عن عمر يناهز 88 عاماً في فرنسا، حيث أقام منذ عقود في أعقاب تنحيته. ولقيت وفاة الرئيس، الذي بقي في منصبه أقل من عام ونصف عام، وكان سابقاً مقرباً من آية الله الخميني، ردود فعل متفاوتة في طهران. ففي حين أوردت وسائل الإعلام الرسمية النبأ، وجهت وسائل محافظة انتقادات للرئيس الراحل الذي اتهمته بالعمل «ضد مصلحة الجمهورية الإسلامية».
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» أن بني صدر «توفي في مستشفى بيتيه - سالبتريير» في باريس بعد معاناة طويلة مع المرض. وأكدت عائلته من فرنسا وفاته في بيان وجهته إلى «شعب إيران الشريف وكل المناضلين من أجل الاستقلال والحرية». انتخب بني صدر الذي كان يعد ضمن الحلقة القريبة من الخميني، رئيساً للجمهورية في يناير (كانون الثاني) 1980؛ العام الذي تلا انتصار الثورة على نظام الشاه. لكن تمت تنحيته بعد نحو 17 شهراً فقط، ففر إلى فرنسا حيث عاش حتى وفاته.
وكان بني صدر الذي وفرت له حماية أمنية فرنسية، يخضع لعلاج دوري في أحد مستشفيات فرساي قرب باريس منذ مايو (أيار) 1984، بعدما أقام في مدينتي أوفير - سور - واز وكاشان القريبتين من العاصمة الفرنسية. ولد في 22 مارس (آذار) 1933 قرب همدان بغرب إيران، في عائلة تضم عدداً من رجال الدين بينهم والده. وبدأ نشاطه السياسي وهو لم يزل في سن السابعة عشرة، من خلال «الجبهة الوطنية» بزعامة رئيس الوزراء الراحل محمد مصدق، الذي ناضل لاستقلال إيران وتأميم صناعة النفط.
بعد دراسات في علوم الدين والاقتصاد والاجتماع، اندرج بني صدر الذي عرف بتدينه الليبرالي وملابسه الغربية الطابع، ضمن المعارضين لحكم الشاه، وانتقل إلى باريس في عام 1963 بعدما أصبح من المطلوبين للأجهزة الأمنية التابعة للشاه محمد رضا بهلوي.
في العاصمة الفرنسية، أصبح في عام 1970 من مؤسسي اتحاد معارض للنظام القائم حينها في إيران، ومؤيداً لآية الله الخميني الذي كان مقيماً في العراق قبل انتقاله إلى فرنسا في أكتوبر (تشرين الأول) 1978، ووصفه بأنه كان بمثابة «أب عزيز» له. وكان بني صدر من الشخصيات التي رافقت الخميني في رحلة العودة من باريس إلى طهران في الأول من فبراير (شباط) 1979، قبيل إسقاط حكم الشاه.
شغل مناصب عدة في الجمهورية الوليدة، إذ عين بداية وزيراً للاقتصاد وبعدها وزيراً للخارجية، قبل أن يتم انتخابه كأول رئيس لها في 26 يناير 1980 بغالبية كبيرة. وفي السابع من فبراير من العام ذاته، عينه الخميني رئيساً لمجلس الثورة. واجه بني صدر تحديات كبيرة منذ بداية مهامه، من أزمة اقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز الرهائن، وصولاً إلى الحرب العراقية - الإيرانية التي اندلعت في عام توليه الحكم، والأوضاع الاقتصادية للبلاد.
إلا أنه كان على خلاف في وجهات النظر مع العديد من رجال الدين المؤثرين المنتمين إلى «خط الخميني» وحزب «جمهوري إسلامي»، وتمت تنحيته في مجلس الشورى في 21 يونيو (حزيران) 1981 لـ«عدم الأهلية السياسية». ورأى أحمد زيد آبادي، الصحافي المقرب من الإصلاحيين، عبر مواقع التواصل، أن «بني صدر اعتقد أنه الشخصية الأكثر إدراكاً وحنكةً في لعبة النفوذ في إيران خلال تلك الحقبة، لكن الأحداث أظهرت أن تلك الافتراضات كانت بعيدة عن الحقيقة».
من جهتها، عكست وسائل إعلام محسوبة على المحافظين، انتقادات لاذعة. وكتبت وكالة «فارس» أنه «خلال الأعوام الأربعين الماضية، كان بني صدر ناشطاً ضد الأمة الإيرانية».
ورأت صحيفة «جوان» أن «الرئيس الإيراني الأول الذي فر من البلاد بعد تنحيته من القيادة العامة للقوات المسلحة والرئاسة (...) تعاون مع المعارضين في فرنسا ضد الشعب الإيراني خلال الأعوام الأخيرة».
اختار بني صدر بعد التنحي، المنفى، وغادر إيران متخفياً في طائرة عسكرية تم تحويل مسارها من قبل أحد مناصريه. وبعيد وصوله إلى فرنسا، منح اللجوء السياسي بناء لطلبه. اتخذ في فرنسا مسار المعارضة السياسية للحكم في إيران، وأسس في أغسطس (آب) 1980 «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» بالتعاون مع معارض آخر رافقه في رحلة المنفى هو مسعود رجوي، زعيم منظمة «مجاهدي خلق» التي تصنفها طهران «إرهابية».
لكن بني صدر أنهى ارتباطه بالمجلس ورجوي في أبريل (نيسان) 1984، واعتبر الموقع الإلكتروني للسلطة القضائية الإيرانية «ميزان أونلاين»، أنه خلال أعوام المنفى «وفي ظل أجهزة الاستخبارات الفرنسية والغربية، لم يوفر بني صدر مناسبة لضرب الشعب والنظام (السياسي) في إيران».



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.