«الترويكا» الغربية تدعم حكومة حمدوك لحل أزمة شرق السودان

إغلاق الطرق والميناء يهدد بخنق اقتصاد البلاد... واتهامات للمكوّن العسكري بالتمهيد لانقلاب أبيض

سائقو شاحنات قرب بورتسودان بعد إغلاق الطرق المؤدية للميناء مما سبب أزمات في السلع الأساسية (أ.ف.ب)
سائقو شاحنات قرب بورتسودان بعد إغلاق الطرق المؤدية للميناء مما سبب أزمات في السلع الأساسية (أ.ف.ب)
TT

«الترويكا» الغربية تدعم حكومة حمدوك لحل أزمة شرق السودان

سائقو شاحنات قرب بورتسودان بعد إغلاق الطرق المؤدية للميناء مما سبب أزمات في السلع الأساسية (أ.ف.ب)
سائقو شاحنات قرب بورتسودان بعد إغلاق الطرق المؤدية للميناء مما سبب أزمات في السلع الأساسية (أ.ف.ب)

أعلنت دول الترويكا الغربية (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، النرويج) دعمها الكامل للحكومة المدنية في السودان، لوضع حد لإغلاق الطرق والموانئ في شرق البلاد، ونوهت لخطورة إغلاق الميناء وخنق اقتصاد البلاد ومواطنيها، في آخر تطورات مشهد الأزمة الشاملة التي تجتاح الإقليم منذ نحو شهر. وفي هذا الإطار نقلت تقارير صحافية أن وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، تقوم بزيارة لمدينة بورتسودان للالتقاء بالمجموعة المحتجة لإيجاد حل لمطالب الإقليم.
ومنذ الجمعة 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، نفذ أنصار الزعيم الأهلي محمد محمد الأمين ترك، الذي يعمل تحت مسمى «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة»، عملية إغلاق كاملة لشرق السودان، شملت الطريق البرية الرابطة بين موانئ البلاد على البحر الأحمر وبقية أنحاء القطر، فضلاً عن إغلاق الموانئ، وإغلاق مطار بورتسودان، ووقف صادر نفط دولة جنوب السودان، الذي أعيد فتح الأنبوب الناقل إثر وساطة حكومية.
وظل شرق البلاد وموانيه مغلقة طوال هذه الفترة، ما تسبب في أزمةٍ وشحٍ في السلع الرئيسية مثل الدواء والخبز، وبدأت تطل من جديد صفوف (طوابير) المواطنين أمام المخابز، وعادت أسعار السلع للارتفاع بشكل مضطرد، بعد استقرار نسبي شهدته خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو ما قالت عنه الحكومة المدنية في بيان: «استمرار عملية إغلاق الميناء والطريق القومية، سيؤدي لانعدام تام للسلع، والتأثير الكبير على توليد وإمداد الكهرباء بالبلاد، وكل ذلك يرقى لأن يكون جريمة في حق ملايين المواطنين، ويزيد من معاناة شعبنا».
وقالت مجموعة «الترويكا» الغربية التي ترعى عملية السلام في السودان، في بيان نشرته السفارة الأميركية في الخرطوم على صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، أمس، إن المجموعة انضمت للحكومة الانتقالية - التي يقودها المدنيون - في الدعوة إلى إنهاء الحصار المستمر للموانئ والبنية التحتية للنقل في شرق السودان، ودعت القادة السياسيين في شرق السودان لقبول العرض الحكومي لمعالجة مظالمهم عبر حوار سياسي، عوضاً عن الاستمرار في عمل لا يؤدي إلا للإضرار بالاقتصاد الوطني.
وتعهدت دول «الترويكا» بالشراكة مع الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية، بمواصلة العمل لمواجهة تحديات التنمية التي تواجه سكان شرق السودان، ومع اعترف المجموعة بأن القضية داخلية، لكنها حثت المجتمع الدولي على تقديم الدعم الكامل لجهود الحكومة السودانية لحل المشكلة، وإنهاء الحصار المستمر.
ونقلت تقارير صحافية أن وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، التي تزور الشرق حالياً، لأداء واجب عزاء في أحد رموز التصوف في السودان، ينتظر أن تلتقي الزعيم القبلي محمد محمد أحمد الأمين ترك، وأن تبحث معه فك المتاريس عن الطرقات والميناء، فيما نقلت تقارير صحافية، أمس، تطوراً جديداً لمطالب الشرق، تمثلت في اشتراط الناظر ترك لفتح الميناء والطرقات إلغاء الجمارك كلياً عن السلع الواردة.
وبدأت مطالب المجموعة القبلية التي يقودها ناظر قبيلة «الهدندوة» محمد محمد أحمد الأمين ترك، بإلغاء ما عرف في اتفاقية سلام جوبا بـ«مسار شرق السودان»، قبل أن تطورها إلى المطالبة بحل الحكومة المدنية وتكوين حكومة كفاءات مستقلة، وحل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989، ورفضت التعامل مع المدنيين، واشترطت أن يكون تعاملها مع «المكون العسكري» في الشراكة الانتقالية وحده، بل وأعلن مشاركون في الأحداث حظر مسؤولين ووزراء، على رأسهم وزير وزارة مجلس الوزراء من زيارة شرق السودان، وفي آخر تطوراتها أن شرق السودان ربما يعلن من طرف واحد «دولته المستقلة».
وتتجه الاتهامات للمكون العسكري في الحكومة الانتقالية، على وجه التحديد لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، بدعم المجموعة القبلية، ويقول نشطاء وسياسيون إن الإغلاق يتسق مع سياسات يتبعها الرجل لتوفير أجواء تسهل عملية «انقلاب أبيض» على الحكومة المدنية.
وقال عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، في تصريحات صحافية أعقبت الأزمة التي تلت المحاولة الانقلابية الفاشلة، إن وزارة الداخلية طلبت الإذن لاتخاذ إجراءات استباقية للحيلولة دون إغلاق شرق البلاد، لكن المقترح لقي رفضاً قاطعاً من البرهان، الذي طلب الانتظار لحين بدء المجموعة إغلاق الطرق.
ويتهم مواطنون ونشطاء سياسيون، المكون العسكري، الذي تخضع له أجهزة الضبط واحتكار العنف من شرطة وأمن وجيش، بالتواطؤ مع المجموعة القبلية وأنصار نظام الإسلاميين، لخلق حالة من الفوضى تمكنهم من تمرير مخططهم باستبدال حاضنة جديدة تتبع لهم بالمرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، ويعتبرون قطع الطرق الرئيسية وإغلاق الموانئ والمطارات بمثابة جريمة ضد الدولة، تأخرت - أو تواطأت - السلطات الأمنية في وقفها.
وشرق السودان من أكثر المناطق التي ظلت طوال تاريخ البلاد تعاني التهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وشهدت نتيجة لذلك العديد من الأنشطة التي تطالب بحقوق المواطنين، بما في ذلك حمل السلاح وشن الحرب على حكومة نظام الرئيس المعزول عمر البشير، التي وقعت اتفاقية مع مقاتلي شرق البلاد في العاصمة الإرتيرية أسمرا عام 2006.
وقضت اتفاقية شرق السودان بتخصيص ما أطلق عليه «صندوق تنمية شرق السودان»، الذي دعمته الصناديق العربية بأكثر من ملياري دولار، لكنها ذهبت لشبكات الفساد ولم يستفد الإقليم منها شيئاً، وفي اتفاقية جوبا لسلام السودان الموقعة في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أفرد لشرق السودان وضع خاص عرف بـ«مسار شرق السودان»، يقوده مشاركون في تحالف «الجبهة الثورية» التي وقعت الاتفاقية مع حكومة السودان، وهو ما ترفضه مجموعة ترك.
وأدت «الصراعات القبلية» في الإقليم لإقالة والي (حاكم) كسلا التابعة للشرق، الذي يتكون من ثلاث ولايات (البحر الأحمر، كسلا، القضارف)، حيث رفضته مجموعة «ترك»، وكادت تحدث اشتباكات عرقية بين المجموعة التي يقودها والمجموعة الأخرى التي يتحدر منها الوالي والمجموعات الحليفة، ما اضطر رئيس الوزراء لإقالة الوالي قبل تسلمه مهام منصبه، وهو السيناريو ذاته الذي ترفض به المجموعة ذاتها «مسار شرق السودان».
ويتساكن في شرق البلاد عدد من المجموعات السكانية والثقافية المعروفة بـ«بجا»، من بينهم «هدندوة، بشاريين، بني عامر، أمرار، حباب»، وغيرهم من مجموعات سكان الإقليم الأصلية بجانب أعداد كبيرة من المهاجرين للإقليم من أنحاء البلاد المختلفة، ويقود الناظر ترك القسم الأكبر من قبيلة «هدندوة»، بينما يقود ناظر آخر الجزء المتبقي من القبيلة، وهم الذين يقودون عملية الإغلاق الذي ترفضه المجموعات الأخرى، أو تسكت عليه.
وفشلت الجهود الحكومية والمدنية لتلافي الأزمة، بينما ظلت تتزايد وترتفع مطالب مجموعة «ترك» باضطراد، لكن لجنة حكومية بقيادة عضو مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي، أفلحت في إقناعه بإعادة فتح أنابيب البترول، التي كان يخشى أن يؤدي استمرار إغلاقها لتدمير بنية نقل النفط عبر الأنابيب كاملة.
ويقود رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، جهوداً حثيثة للوصول لحل سياسي عبر الحوار لـ«معضلة الإغلاق»، لكن جهوده لا تزال تصطدم بممانعة المكون العسكري في مجلس السيادة، الذي دأب على القول إن حق التظاهر ووضع المتاريس منهج استنه ثوار ديسمبر (كانون الأول)، وأن القوات الأمنية لن تواجه من يقومون بتتريس الطرقات بالقوة، خشية تحميلهم المسؤولية القانونية عما يمكن أن ينتج عن ذلك، بل وبعض التلميحات تشير إلى أقوال ساخرة تصدر عن بعضهم من قبيل «هذه هي المدنية التي تريدون».
وفي آخر تطورات المشهد، اجتمعت لجنة وزارية مكونة من رئيس الوزراء وعدد من وزرائه برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، لوضع حل للمعضلة، وذكر تعميم صحافي صدر من مجلس الوزراء الخميس، إنها هدفت للوصول لاتفاق بين مكونات الحكومة الانتقالية على كيفية مواجهة أزمة شرق البلاد، في وقت تتواصل فيه حالة التوتر بين المدنيين والعسكريين في الشراكة الحاكمة للفترة الانتقالية، التي أعقب الملاسنات والاتهامات التي أدت لقطع التواصل بين الطرفين، ما جعل من الوصول لحلول عاجلة للقضايا الخلافية يزداد صعوبة بمضي الوقت، فإلى جانب إغلاق الشرق، فإن الحكومة في الخرطوم نفسها مغلقة، وهو ما أشار إليه عضو مجلس سيادة بأن «مشكلة الشرق تقبع هنا في القصر الرئاسي بالخرطوم».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.