سنوات السينما

بدرو ألمودوفار
بدرو ألمودوفار
TT

سنوات السينما

بدرو ألمودوفار
بدرو ألمودوفار

- بدرو ألمودوفار (72 سنة)
- ينهل من ماضيه وذكرياته
منذ نحو 20 سنة والمخرج الإسباني المولود في مقاطعة لا مانشا الإسبانية (حيث وُلد دون كيشوت ودارت أحداث حياته المتخيّلة) يصنع أفلاماً حزينة يستعيد فيها حكايات لها صلات وثيقة بما تكوّن في باله من ذكريات صباه وحكايات البلدات التي عاش فيها.
في حين أن التوجه جديد على أكثر من منحى، إلا أن ألمودوفار كثيراً ما استعار من ماضيه وماضي أسرته وذكرياته القصص المختلفة التي رواها منذ أن انتقل من تحقيق أفلام قصيرة (آخرها «سالومي» سنة 1978) إلى تحقيق الأفلام الروائية الطويلة بدءاً بفيلم Folleme Tim‪!‬ في العام ذاته).‬‬
أمّه فرنشيسكا كاباليرو، كانت حاضرة منذ تلك السنوات الأولى كممثلة في أفلامه قبل وفاتها سنة 1999. كانت حاضرة أيضاً كاستلهام. في العديد من أفلامه الأولى نجد أبطاله يؤثرون العودة إلى قراهم ليكونوا بجانب أمهاتهم. كان ترك البلدة التي وُلد فيها وقصد مدريد سنة 1968 حيث وجد وظيفه في شركة هواتف وخلال فترة عمله هناك، التي امتدت لعشر سنوات، كان يستنسخ الفرص لتحقيق أفلامه القصيرة.
أفلامه الأولى، وحتى الآن، تعشق التفاصيل الصوتية والبصرية. تعني كذلك بالألوان. عموماً هي إما فاقعة وإما داكنة. بالأحرى، كانت فاقعة في الثمانينات والتسعينات أكثر مما أصبحت عليه في العقدين الأخيرين بعدما سادت أفلامه تلك الرنّة الداكنة والتعبير الحزين عن حالات أبطاله من رجال ونساء يبحثن في تواريخهم وأنفسهم حتى حين يتطلّعون إلى تغيير ما (كما الحال في فيلمه الجديد «أمهات موازيات» Parallel Mothers).
تختلف أفلامه في الثمانينات عن تلك اللاحقة في أنها كانت خفيفة المنوال ليس لأن بعضها كان كوميدي الأحداث على نحو خالص فقط، بل لأن ما ورد فيها كان - غالباً - روح مخرج متفائل ولاه ومشدود إلى الموضوع ألعابث والمثير سياسياً وعاطفياً. لم تهتم بقضايا اجتماعية عامة أو سياسية ولم تشبه لم تكن تشبه ما وفرته أفلام فرناندو أرابال أو أليخاندرو أمينابار أو كارلوس ساورا أو المخرج الرائع والمجهول بيري بورتابيللا من تنويع فني وذهني ما ألّب عليه نقاداً كثيرين.
هو أيضاً مخرج مثلي التوجه. شخصياته الرجالية قلقة. تبحث عن مصير جديد بعد تجارب عاطفية (مع الجنسين أو مع أحدهما) تركته في فراغ من الحياة (كحال فيلمه ما قبل الأخير «ألم ومجد» (2019) أو فيلمه الأسبق «البشرة التي أعيش فيها» (The Skin I Live In) سنة 2011.
بذلك، فإن هوية أبطاله تتبدّى ليس عبر الفكر أو الاهتمام الوجداني أو عبر الثقافة المنتمية إلى المجتمع المحيط، بل عبر أحوالهم الشخصية. يجسّدون تلك الهويات بمنأى عن أي تفاعل اجتماعي آخر. هناك أمثلة متعددة على ذلك لأن أكثرها نموذجاً هي شخصية المهاجر في فيلم «كعوب عالية» (High Heels) سنة 1991 عندما لا يجد مهاجر إلى إسبانيا ما ينشده من الحياة إلا عندما يرتدي ملابس وماكياج امرأة ويبدأ الغناء في الكباريهات.
لا يجب أن يطغى هذا التحبيذ الشخصي للمخرج حين الحكم على أفلامه إيجاباً أو سلباً. أعماله ترتفع وتتحدر حسب قوّة ما لديه من موضوع. أصاب ألمودوفار أهدافاً فنية عالية في «فولفر» (2006) و«احتضان مكسور» (2009) لكن «جولييتا» (2016) و«ألم ومجد» (2019) لم يتحوّلا إلى إنجاز يتجاوز سابقيهما. كذلك الحال مع فيلمه الأخير «أمهات موازيات».


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.