انطلاقة اقتصادية في الأنبار بعد سنوات من التهميش

الرمادي تشهد نهضة اقتصادية بعد سنوات من التهميش (أ.ف.ب)
الرمادي تشهد نهضة اقتصادية بعد سنوات من التهميش (أ.ف.ب)
TT

انطلاقة اقتصادية في الأنبار بعد سنوات من التهميش

الرمادي تشهد نهضة اقتصادية بعد سنوات من التهميش (أ.ف.ب)
الرمادي تشهد نهضة اقتصادية بعد سنوات من التهميش (أ.ف.ب)

في محافظة الأنبار، غرب العراق، يمكن رؤية فندق فاخر قيد البناء على ضفاف الفرات ومجمعات تجارية ومطار ومشاريع عقارية متنوعة، في مشاريع تعكس انطلاقة اقتصادية خجولة بعد سنوات من التهميش، ويقف وراءها رئيس البرلمان المؤثر محمد الحلبوسي، بحسب ما كتبت وكالة الصحافة الفرنسية في تحقيق من هذه المحافظة ذات الغالبية السنية التي شكلت مسرحاً لمواجهات تركزت في مدينة الفلوجة ضد القوات الأميركية بعد غزوها العراق عام 2003.
عانت الأنبار دماراً كبيراً جراء هجمات تنظيم «القاعدة» وبعد ذلك سيطرة تنظيم «داعش» عليها. استعادتها القوات الحكومية العراقية في أواخر عام 2015 ولكن بثمن باهظ، جعل أغلب مدنها، وبينها الرمادي مركز المحافظة، في حالة دمار شبه كامل.
اليوم، تتطلع المدينة إلى جذب الاستثمارات، لا سيما عبر جهود يبذلها الحلبوسي البالغ من العمر 40 عاماً، الذي يسعى إلى تقديم نفسه كسياسي ديناميكي يترجم الوعود إلى أفعال، بهدف تعزيز قاعدته الشعبية، حسبما جاء في تحقيق الوكالة الفرنسية.
وتعد الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة يوم الأحد، العاشر من أكتوبر (تشرين الأول)، بالنسبة لهذا السياسي الصاعد، بمثابة استفتاء. ويمكن رؤية صور الحلبوسي وصور تحالفه «تقدم» منتشرة في مدينة الرمادي، طاغية على صور منافسيه من تحالف «عزم» الذي يضم عدداً كبيراً من السياسيين السنة الموجودين على الساحة منذ زمن.
ويغطي الأسفلت (الزفت) شوارع الرمادي التي تمتد على جانبيها أعمدة إنارة جديدة. وعلى ضفة من نهر الفرات، ينكب عمال على بناء فندق خمس نجوم، يتألف من 15 طابقاً تتوزع فيها 184 غرفة، وتصل كلفته إلى 60 مليون دولار. وتتولى بلدية المحافظة بالتنسيق مع القطاع الخاص تنفيذ المشروع الذي يفترض أن يستكمل ببلاط رخامي مستورد من إسبانيا ومرسى زوارق على النهر وأحواض سباحة.
ويشيد ماجد الغضبان، وهو المقاول الرئيسي الذي يتولى بناء الفندق، بالمسؤولين المحليين، لا سيما الحلبوسي الذي له «الفضل في إعمار المحافظة والاستقرار السياسي والأمني» فيها، كما يقول.
وفي بلد نهشت بناه التحتية سنوات من الحروب، ولا يزال القطاع العام فيها متهالكاً واقتصاده ضعيفاً رغم الثروة النفطية، تشكل مظاهر العمران في الرمادي نهضة صغيرة ذات رمزية كبرى، لا سيما بالنسبة للعراقيين السنة الذين يعتبرون أنفسهم مهمشين من سلطة مركزية يهيمن عليها الشيعة.
لكن بالنسبة للصحافي عامر الكبيسي، المقرب من تحالف «عزم»، المنافس الأكبر لتحالف الحلبوسي الذي يقوده السياسي خميس الخنجر، فإن مشاريع تحالف «تقدم» في المحافظة «مشروع شخصي» يعتمد على «الإبهار الصوري لمنجزات متوسطة كالتبليط ومداخل المدن»، وفق ما كتب في منشور على موقع «فيسبوك». واعتبر الكبيسي أن «تحالف عزم هو التحالف السني، وتحالف تقدم هو تحالف شخصي».
حتى الآن، لم تنتهِ الأعمال في المستشفى العام الرئيسي في المنطقة، رغم أنه يستقبل مرضى. وفتح مستشفى «الصفوة» الخاص أبوابه في أبريل (نيسان)، فيما بعض أقسامه «تستحدث للمرة الأولى في المحافظة»، وفق ما يقول مديرها والمستثمر الرئيسي فيها محمد مصلح حنوش.
ويشير حنوش، وهو طبيب أطفال أيضاً، إلى تحول المدينة إلى مركز جذب، قائلاً: «حتى أسعار الأراضي ارتفعت بنسبة الضعف تقريباً، (بعضها) أغلى من بغداد».
ويتحدث محافظ الأنبار علي الدليمي، المرشح للانتخابات مع تحالف «تقدم»، عن مشاريع أخرى قيد الإنجاز، بينها مطار دولي ومنطقة حرة لاستقبال البضائع من المنافذ الحدودية الثلاثة التي تربط الأنبار مع سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية.
وأصبح الحلبوسي نائباً في البرلمان بعد انتخابات عام 2014، ثم رئيس اللجنة المالية البرلمانية، وشغل لفترة محدودة منصب محافظ الأنبار. وأصبح بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة في 2018، أصغر شخص يتولى رئاسة البرلمان بدعم من الكتلة الموالية لإيران.
ويشرح المحلل السياسي والمصرفي حمزة حداد أن الحلبوسي «ارتقى إلى المناصب بسرعة»، و«أصبح بذلك بمواجهة الجيل القديم من السياسيين السنة، ووحدهم ضده».
وأشار تحقيق الوكالة الفرنسية إلى أن الحلبوسي يعمل أيضاً على توسيع علاقاته الإقليمية، فالتقى، الشهر الماضي، ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وقبلها بأيام جمعه لقاء في القاهرة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ورداً على سؤال حول إمكانية أن يتولى الحلبوسي رئاسة البرلمان لدورة ثانية، يقول حداد: «لم يفعل أحد ذلك من قبل، لكن إن كان هناك أحد قادر على فعل ذلك، فهو الحلبوسي».
من مكتبه، يعرض مدير بلدية الرمادي عمر مشعان دنبوس نماذج معمارية، بينها أبراج زجاجية براقة وموقف سيارات بطوابق عدة ومنحنيات هندسية حديثة، كما يكشف عن مجمع عقاري ستقوم بتنفيذه شركة إماراتية في المنطقة.
ويتطلب تنفيذ كل تلك المشاريع وقتاً. ويقول دنبوس: «نحتاج إلى أربع سنوات أخرى»، معرباً عن أمله في أن «يبقى الحلبوسي على رأس الهرم لإكمال ما بدأه مع فريقه».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).