البرج الأول لمركز التجارة العالمي في نيويورك.. رمز يحمل عبرة

الأكثر ارتفاعًا بتحصينات غير مسبوقة وتكاليف فلكية.. في موقع شديد الصعوبة

مركز التجارة العالمي الأول في نيويورك (شاترستوك)
مركز التجارة العالمي الأول في نيويورك (شاترستوك)
TT

البرج الأول لمركز التجارة العالمي في نيويورك.. رمز يحمل عبرة

مركز التجارة العالمي الأول في نيويورك (شاترستوك)
مركز التجارة العالمي الأول في نيويورك (شاترستوك)

انتهى المصممون العاملون على مركز التجارة الأول في نيويورك من المرصد الذي يمكن من خلاله مشاهدة المناظر من ارتفاعات شاهقة ومن جميع الجهات، ولكن تم افتتاح البرج الأول لمركز التجاري العالمي ودخل طور التشغيل بعد مرور 13 عاما على وقوع أحداث 11 سبتمبر (أيلول). «إنه ليس بهذا السوء»، هكذا قال عنه مهندس معماري تطل إحدى شرفات شقته على هذا البرج.
ولكنه للأسف، بهذا السوء.
ينطق البرج الأول لمركز التجارة العالمي، مثل الميدان والنصب المجاور، بالكثير عن الانتهازية السياسية والتفكير البالي والأولويات العمرانية المرتبكة. هذا هو ما يحدث عندما يتم تسليم مفاتيح القلعة إلى شركة تنمية عقارية تجارية. سيأتي السياح بعد وقت وجيز للصعود إلى قمة البرج، وسيعج بالمستأجرين. ولكن، أي ناطحة سحاب لا تشغل فقط قطعة الأرض التي شيدت عليها، فحتى البرج الذي يحتل مكانة كبيرة في قلوب المدنيين يحتاج إلى أكثر من أن يكون شاهقا ومتلألئا.
عندما أرى المبنى لا يسعني سوى تصور الجنرال ماك آرثر وهو يرتدي عوينات الطيارين الشمسية، فواجهة المبنى الزجاجية ذات السطح العاكس غير شفافة ومطلية بدهان الخشب وورائها عقلية ضيقة الأفق. ويرتفع البرج الذي يشبه المسلة المجتزأة، ليبلغ 104 طوابق، وتم تشييده فوق كتلة خرسانية مربعة يبلغ ارتفاعها 20 طابقا، تغطيها بشكل جزئي ألواح زجاجية تشبه الفراشات تتخللها فتحات تهوية صغيرة. نتج عن زوايا البرج السميكة والمشطوفة طوابق مثمنة وواجهة ذات مثلثات متشابكة وشديدة الانحدار. يظهر البرج بالشكل نفسه من الشمال والجنوب والشرق والغرب.
توقف تشييد البرج فجأة عند ارتفاع 1368 قدما، وهو ارتفاع البرجين السابقين، ووصل إلى الرقم الرمزي المستهدف - 1776 قدما – عن طريق تركيب هوائي رفيع. ويمكن تشبيه احتساب الهوائي باحتساب كمية الصوص الحار في مسابقة لالتهام النقانق. مع ذلك ،كان ذلك كافيا للحصول على تصديق المجلس العالمي للمباني الشاهقة والمساكن الحضرية. لذا، فإن البرج يعتبر أطول مبنى في النصف الغربي من الكرة الأرضية، إذا كان هذا يعني شيئا.
كان من المفترض أن يظهر إقامة مبنى إداري عملاق محل البرجين روح نيويورك التي لا تقهر، تلك المدينة المتحدية التي تبعث مجددا من الرماد، ولكن صار الأمر على عكس المبتغى، فالبرج الأول لمركز التجارة العالمية يوحي بأنها مدينة محرومة من الأفكار الجديدة وهو أمر غير صحيح. وبدا كأنه يصلح ليكون في أي مكان آخر غير مدينة نيويورك.
قام ديفيد تشايلدز، مصمم المبنى الذي يحظى بشهرة واسعة ويعمل لدى الشركة العملاقة «سكيدمور أوينغز آند ميريل»، كذلك بتصميم البرج رقم 7 من مركز التجارة العالمي، الذي يقع على الجهة الأخرى من الشارع على شكل مبنى شبه منحرف أنيق من الزجاج ذي حواف رقيقة وشفافة وهيئة تتحرك حين تتحرك حوله. إنه ناطحة سحاب رائعة للغاية تنتبه لكل ما يحدث على أرض الواقع، حيث ينفتح شارع غرينويتش على الباب الأمامي، مما أعاد لوار مانهاتن إلى الحياة مرة أخرى.
كان الأهالي المقيمون في الحي يتنزهون بعربات الأطفال من حين لآخر قبل انهيار برجي مركز التجارة العالمي، ولكن تحوله التدريجي من منطقة للأعمال إلى مكان سكن وعمل حدث بعد هجمات 11 سبتمبر، على الرغم من بناء مركز التجارة العالمي. وظهرت منطقة باتري بارك سيتي، التي تقع على الجانب الآخر من موقع مركز التجارة العالمي، خلال ثمانينات القرن الماضي، ولكنها لم تقدم الكثير ولا الخلفية الموائمة للبرجين العملاقين، لتعود بالمنطقة إلى مستوى الشارع والجزء المائي، دون ارتباط بباقي لوار مانهاتن. كان هناك حديث بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر أن تطوير مركز التجارة العالمي سيشمل مساكن ومراكز ثقافية ومحلات للبيع بالتجزئة، للاستفادة من التوجهات الحضرية والرغبة المتزايدة في الحصول على صورة حقيقية لحي على مستوى إنساني، في الساحة الخالية التي كان يقع فيها برجا مركز التجارة العالمي.
لكن تم تجاهل هذه الفكرة بسبب الطموحات السياسية لمحافظ نيويورك السابق الجمهوري جورج باتاكي والمصالح التجارية الخاصة بلاري سيلفرشتين، مسؤول التنمية العقارية الذي يمتلك حصة حاكمة من الموقع، فضلا عن قوى أخرى كانت تضغط من أجل إنشاء مجمع من الأبراج الزجاجية المحيطة بساحة على طراز منتصف القرن العشرين. وبعد إقصاء منظور المؤسسات الثقافية وحياة الشارع وشكل المساكن عن التصميم، سرعان ما تحول إلى شيء أقرب ما يكون إلى حديقة لمكتب بمدرسة قديمة، يجتاحها السكون الرهيب في الليل، وهو آخر شيء يرغب فيه الشباب من سكان مدينة نيويورك. إذا ألقينا الآن نظرة على ما حدث سنجد أنه لو تم تأجيل تشييد البرج الأول لمركز التجارة العالمي حتى نهاية المطاف بعد الانتهاء من إعادة الموقع للحياة مرة أخرى، وهذا ما حدث بالفعل، لبات للمشروع شكل مختلف للغاية.
وبدلا من ذلك، احتاج البرج، الذي تم تشييده كما لو كان الهدف منه هو أن يكون الأكثر ارتفاعا، إلى تحصينات غير مسبوقة بتكاليف فلكية، في موقع شديد الصعوبة. وواجه السيد تشايلدز مهمة شبه مستحيلة وهي تصميم برج يكون معتما وشاهقا ومفتوحا وحصينا ووقورا، ولكن ليس كئيبا في آن واحد. وقد وضع تصورا لهوائي متطور وقاعدة مدببة. وتم الاعتراض على الفكرتين، من بين أفكار كثيرة أخرى. لم يكن الشكل النهائي للمبنى كما تصوره المهندس المعماري تماما، وإن كانت بعض المباني كذلك. ولست على يقين من أن الاختلافات هي التي رجحت كفة الميزان.
ولكن، من الإيجابيات التطور الذي يعبر عنه المكان، حيث يحتوي على مصاعد أسرع من الصوت، ويسمح بدخول أشعة الشمس، ومدخله ذو جدران بيضاء ومقوس على خلفية من الجدران المضادة للانفجار مزينة بأشكال من الفن التجريدي المبهج. وتسمح نوافذ عمودية رقيقة بدخول الضوء الطبيعي من خلال فتحات فعالة في قاعدة من الخرسانة التي يوجد بها فتحات تهوية. وتسمح ألواح زجاج منشورية، تكسوها ألوان الباستيل، بالتخفيف من حدة شكل المداخل المضغوطة شديدة الارتفاع في شارعي فيسي وفولتون. يكره كثير من سكان نيويورك البرجين، ولكن أركانهما المنحوتة تعكس أشعة الشمس عند الفجر والغسق، محدثة أشعة غير ملموسة برتقالية وفضية تطفو نحو الأثير. ويتغير مظهر البرجين بحسب المكان والتوقيت الذي تقف فيه، كما تغيرت المسافة التي تفصل بينهما، فهي تفتح أو تغلق بينما تتجول في جميع أنحاء المدينة.
يمكن اعتباره البرج الأول لمركز التجارة العالمية خطأ، فهو يبدو وكأنه توقف فجأة عند قمته، وأركانه الثقيلة تعد أبعد ما يكون عن الروح المعنوية. ولا يوجد غموض، ولا يوجد تفكك للضوء، ولا يوجد ما يشي بحدوث تغير مع مرور الوقت، لا يوجد شيء يبهرك. على سبيل المقارنة، فإن أطول برج في بريطانيا، برج شارد الذي يبلغ ارتفاعه 95 طابقا في لندن، الذي صممته ورشة «رينزو بيانو»، ينساب ويومض مع تقدم ساعات النهار وانسدال أستار الليل. وتتجمع الحواجز أعلاه لتكوين نقطة مستدقة مكملة بذلك القمة الجليدية المستدقة. وتمنح ألواح الزجاج الضخمة والمتداخلة شديدة البياض المبنى شفافية مضيئة ومنشورية.
كذلك يعتبر البرج بفندقه، ومكاتبه ومطاعمه وشققه والمرصد الموجود أعلاه، مشروعا تطويريا متعدد الاستخدامات في مكان واحد، تم تشييده في مركز التقاء مزدحم. المراد قوله هو أنه كان بالإمكان القيام بشيء أفضل في لوار مانهاتن.
ومع هذا، قد يأتي اليوم الذي تختفي فيه البوابات الجنوبية التي تعترض شارعي فيسي وفولتون، وقد تنتقل المحلات التجارية إلى أبراج المكاتب الموجودة في جميع أنحاء النصب التذكاري، وقد تتحول الساحة إلى ما يشبه الحديقة، فللحياة أسلوبها في تغيير حتى أكثر الأماكن غير الواعدة في نيويورك.
حتى ذلك الحين، سيظل البرج الأول لمركز التجارة العالمي قصة مليئة بالعبر، للجمهور النصيب الأوفر في جعلها عظيمة. وهذا النصيب لم ينقص، فهناك مشروعات عملاقة أخرى مثل «هدسون ياردز» ومحطة بنسلفانيا وجزيرة روزفلت التي من شأنها أن تعيد تشكيل شوارع المدينة وأفقها، كما أن الجميع يهتم بتصميماتها.
فعندما نقول إنه لا بأس بالشيء، لا يعني ذلك أنه جيد بالقدر الكافي.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»