المصرفي اللبناني سمير عساف إلى تحدي استثمارات التكنولوجيات

المصرفي سمير عساف   (الشرق الأوسط)
المصرفي سمير عساف (الشرق الأوسط)
TT

المصرفي اللبناني سمير عساف إلى تحدي استثمارات التكنولوجيات

المصرفي سمير عساف   (الشرق الأوسط)
المصرفي سمير عساف (الشرق الأوسط)

في الأشهر الأخيرة، وبدءاً من صيف العام الماضي تحديداً، تم التداول مراراً وتكراراً في لبنان باسم المصرفي اللبناني سمير عساف، المقيم في لندن، ودارت التكهنات حول المنصب الذي سيُسند إليه في حكومة إنقاذ كان يجري العمل على استيلادها. وكان اسمه يُطرح وزيراً للمالية حيناً وحاكماً لمصرف لبنان المركزي أحياناً، بالإضافة إلى مراكز استشارية مختلفة.
السبب في ذلك أن سمير عساف في الوقت الحاضر هو أحد أبرز العاملين في القطاع المصرفي والأسواق المالية على المستوى العالمي نظراً للمسؤوليات التي اضطلع بها والمواقع القيادية التي تسلمها والخبرات التي راكمها والشبكة الواسعة التي نسجها في العالم أجمع منذ انضمامه إلى مصرف «إتش إس بي سي» (HSBC) العالمي قبل 27 عاماً.
ولم يكن عزوف سمير عساف عن المناصب المعروضة عليه في لبنان، على أهميتها، زهداً بها أو رفضاً لمساعدة لبنان واللبنانيين في الخروج من إحدى أسوأ الأزمات التي شهدها البلد على الإطلاق، إلا أن السبب الحقيقي هو أنه رأى أن في وسعه خدمة لبنان ومواطنيه على نحو أفضل من الخارج.
لكن الجديد الذي خرج إلى العلن في اليومين الماضيين في لندن ونيويورك كان خبر انضمام سمير عساف إلى شركة الاستثمارات الخاصة الأميركية «جنرال أتلانتيك» المتخصصة بالتكنولوجيات بصفته مستشاراً أول لها وعضواً في المجلس الاستشاري لمشروعها الخاص بالمناخ المسمى BeyondNetZero.
بيد أن التحاق سمير عساف بـ«جنرال أتلانتيك» لا يعني قطْع علاقاته مع HSBC وهو المصرف الأكبر على الصعيد الأوروبي. فهو سيمضي، وفق بيان صادر عن المصرف المذكور، في علاقته به كمستشار أول لرئيسه مارك تاكر، ولمديره التنفيذي نويل كوين. وسيظل بالتوازي رئيساً لمجلس إدارة شعبة الشرق الأوسط في المصرف التي تشكل مصدراً مهماً لإيراداته.
وعدّ غابرييل كايّو، أحد رئيسَي «جنرال أتلانتيك» ومديرها العام والمسؤول عن أعمالها في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا أن «خبرة عساف الهائلة التي كسبها من ترؤّسه شركات عالمية وشبكة علاقاته الواسعة ستشكلان قيمة مضافة لفريقنا، لا سيما من حيث ترسيخ أركان شبكة (جنرال أتلانتيك) وتعميق خبرتنا في أوروبا والشرق الأوسط وغيرهما». ومن جهته، أعرب عساف عن حماسته للانضمام إلى «جنرال أتلانتيك» معتبراً ذلك «مرحلة جديدة مشوقة».
ويطول السرد للإحاطة بسيرة سمير عساف المهنية، ففي باريس التي وصل إليها طالباً، بدأ حياته المهنية في مصرف لبناني لينتقل بعدها إلى العمل في القسم المالي لشركة «توتال» النفطية، حيث بعد أن تسلق المناصب والمراتب فيها انتقل إلى بنك «سي سي إف» الفرنسي كأحد مديريه. وعندما اشترى مصرف HSBC البنك المذكور، كان سمير عساف من أبرز المتحمسين لعملية الدمج وانتقل لاحقاً من باريس إلى لندن للاضطلاع بمهماته الجديدة مرتقياً سلم المسؤوليات بسرعة قياسية.
وطيلة السنوات الـ27 التي خدم فيها المصرف بكل أمانة، كان عساف عضواً بارزاً في فريقه التنفيذي حيث تولى إدارة قسم الاستثمارات التابع له لمدة عشر سنوات، فأشرف على القسم المذكور خلال الأزمنة المضطربة التي أعقبت أزمة عام 2008 المالية وشهدت تغييرات عديدة على مستوى الرؤساء التنفيذيين وتحولات جذرية في القطاع.
وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019 استقال من منصب رئيس الخدمات المصرفية والأسواق العالمية بعد أن تقلّد زمامه عشرة أعوام ليصبح رئيساً للخدمات المصرفية للشركات والمؤسسات -وهذا دور كان يعني التخلي عن مسؤوليات الإدارة للتركيز على أكبر عملائها، إضافةً إلى بقائه رئيساً لشعبة الشرق الأوسط.
ومع انتقاله الجزئي إلى «جنرال أتلانتيك»، سيواصل عساف دعم المصرف وأعماله من خلال دوره كمستشار لرئيس المجموعة ولمديرها التنفيذي وعبر منصبه كرئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي لمجالس إدارة HSBC الشرق الأوسط المحدودة، وشركة HSBC الشرق الأوسط القابضة.
وقد أصبح سمير عساف، في الـ61 من العمر، أحد أشهر مصرفيي الاستثمار في أوروبا وآسيا لفترة غير معتادة الطول دامت عشر سنوات أدار خلالها القسم الأكثر حساسية في المصرف خلال السنوات المضطربة التي أعقبت الأزمة المالية. ولذا، كان الأكثر أهلية لتبوّؤ أعلى المناصب، وعملياً لخلافة الرئيس التنفيذي السابق للبنك ستيوارت غاليفر عام 2018، بيد أنه كان لمجلس الإدارة رأي مختلف إذ اختار بدلاً منه جون فلينت الذي لم يبق في منصبه سوى 18 شهراً فعُزل وحل مكانه نويل كوين، أحد مديرون المصرف الذي ما زال يشغل هذا المنصب حتى اليوم. وفضّل سمير عساف، في العام التالي «2019»، التخلي عن منصبه رئيساً للخدمات المصرفية والأسواق العالمية حتى يكرس وقته لخدمات الشركات والمؤسسات.



الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
TT

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

أشار صناع السياسة في «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الثلاثاء، إلى أن أسعار الفائدة بمنطقة اليورو ستستمر في الانخفاض، مع القضاء على التضخم إلى حد كبير، في حين أن النمو الاقتصادي الضعيف، الذي قد يتفاقم بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، قد يصبح القضية الكبيرة التالية التي تواجه المنطقة.

وخفض «المركزي الأوروبي» أسعار الفائدة 3 مرات هذا العام، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى في كل اجتماع لـ«لجنة السياسة» حتى يونيو (حزيران) المقبل على الأقل، مع تجنب المنطقة ركوداً آخر، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، قال رئيس «البنك المركزي»، البرتغالي ماريو سينتينو، إن الاقتصاد يواجه ركوداً، محذراً بأن «المخاطر تتراكم نحو الهبوط»، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية التي هدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرضها تشكل تهديداً إضافياً.

وحذر سينتينو أيضاً بأن تأخر «البنك المركزي الأوروبي» في خفض أسعار الفائدة قد يزيد من خطر انخفاض التضخم إلى ما دون المستوى المستهدف.

من جانبه، أوضح نائب رئيس «البنك المركزي الأوروبي»، لويس دي غيندوس، أن النمو أصبح الشغل الشاغل للبنك، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ظهور دورة مدمرة من الحروب التجارية.

وقال دي غيندوس لصحيفة «هلسنغن سانومات» الفنلندية: «القلق بشأن التضخم المرتفع تحول الآن إلى القلق بشأن النمو الاقتصادي».

وأضاف: «عندما نفرض الرسوم الجمركية، فيجب أن نكون مستعدين لرد فعل من الطرف الآخر، وهو ما قد يؤدي إلى بداية حلقة مفرغة».

وأكد دي غيندوس أن «هذا الأمر قد يتحول في نهاية المطاف إلى حرب تجارية، وهو ما سيكون ضاراً للغاية بالاقتصاد العالمي».

وتابع: «هذا سيؤدي إلى ضعف النمو، وارتفاع التضخم، وتأثير على الاستقرار المالي، في وضع يعدّ خسارة لجميع الأطراف».

وكان ترمب قد أعلن هذا الأسبوع أنه سيفرض رسوماً جمركية كبيرة على أكبر 3 شركاء تجاريين للولايات المتحدة: كندا والمكسيك والصين، فور توليه منصب الرئاسة.

وبشأن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على النمو في أوروبا، فقد قال رئيس «البنك المركزي الفرنسي»، خلال مؤتمر للمستثمرين الأفراد في باريس، إن تأثير التضخم في أوروبا قد لا يكون كبيراً.

وقال فرنسوا فيليروي دي غالهاو: «قد يكون تأثير التضخم محدوداً نسبياً في أوروبا، ولكن أسعار الفائدة طويلة الأجل التي تحددها السوق لديها ميل معين لعبور المحيط الأطلسي».

وأضاف: «لا أعتقد أن هذا سيغير كثيراً بالنسبة إلى أسعار الفائدة قصيرة الأجل في أوروبا، ولكن أسعار الفائدة طويلة الأجل قد تشهد تأثيراً انتقالياً».

من جهته، أضاف محافظ «البنك المركزي الفنلندي»، أولي رين، تحذيراً بخصوص النمو، متوقعاً أن يظل النشاط الاقتصادي ضعيفاً مع انتعاش بطيء، وهو ما قد يدفع «البنك المركزي الأوروبي» إلى خفض سعر الفائدة إلى المعدل المحايد الذي لا يعوق النمو الاقتصادي، بحلول أوائل الربيع المقبل.

وعلى الرغم من أن المعدل المحايد ليس رقماً ثابتاً، فإن معظم خبراء الاقتصاد يرون أنه في نطاق بين اثنين و2.5 في المائة، وهو أقل كثيراً من المستوى الحالي لـ«البنك المركزي الأوروبي» البالغ 3.25 في المائة.

ولا يُتوقع أن تتوقف أسعار الفائدة عند المعدل المحايد؛ إذ تتوقع سوق المال أن يهبط سعر الفائدة على الودائع إلى 1.75 في المائة العام المقبل، وهو مستوى من شأنه تحفيز النمو.

وقال رين: «إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على منتجات دول أخرى، سواء أكانت بنسبة 10 أم 20 في المائة، وردّ الجميع، فإن جميع الأطراف ستخسر».

وأضاف أنه «في هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة ستخسر أكثر؛ لأن الدول الأخرى قد توجه صادراتها إلى أسواق أخرى، في حين ستواجه الشركات الأميركية الرسوم الجمركية نفسها في كل مكان».

في المقابل، انخفض، يوم الثلاثاء، مؤشر رئيسي لتوقعات التضخم بمنطقة اليورو على المدى البعيد في السوق إلى أقل من اثنين في المائة لأول مرة منذ يوليو (تموز) 2022، في دلالة على اعتقاد المستثمرين أن النمو المتعثر قد يؤدي إلى تضخم أقل من الهدف المحدد من قبل «البنك المركزي الأوروبي». وأظهرت بيانات «بورصة لندن» أن مبادلة التضخم الآجلة لمدة 5 سنوات تراجعت إلى 1.9994 في المائة، وهو انخفاض حاد نسبياً مقارنة بأكثر من 2.2 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتعكس هذه المبادلة توقعات المستثمرين بشأن التضخم خلال فترة الـ5 سنوات التي تبدأ بعد 5 سنوات من الآن.

لماذا يعدّ ذلك مهماً؟

يعدّ «البنك المركزي الأوروبي» محافظاً على تناغم دقيق مع توقعات التضخم لدى المستثمرين والأسر والشركات. ويعتقد كثير من خبراء الاقتصاد أن هذه التوقعات يمكن أن تتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها، حيث يزيد المستهلكون من إنفاقهم الآن لتجنب ارتفاع الأسعار في المستقبل أو العكس. في عام 2014، أشار رئيس «البنك المركزي الأوروبي» السابق، ماريو دراغي، إلى مبادلة التضخم لمدة 5 سنوات، التي كانت آنذاك أقل قليلاً من اثنين في المائة، بوصف الأمر مقلقاً لـ«البنك المركزي». ومنذ عام 2022، كان «المركزي الأوروبي» يواجه خطر الانكماش بوصفه مصدر قلق رئيسياً.

ومن المرجح أن يعزز هذا الانخفاض الأخير من التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة من قبل «المركزي الأوروبي».

وانخفض التضخم في منطقة اليورو من أعلى مستوى قياسي بلغ 10.6 في المائة خلال أكتوبر 2022، إلى 1.7 في المائة خلال سبتمبر من هذا العام، قبل أن يرتفع مجدداً إلى اثنين في المائة خلال أكتوبر الماضي. ومن المتوقع إصدار بيانات نوفمبر (تشرين الثاني) يوم الجمعة المقبل. ووفقاً للمحللين، فقد ساهمت عوامل عدة في تهدئة نمو الأسعار، مثل تطبيع سلاسل التوريد التي تأثرت بجائحة «كوفيد19»، وانخفاض أسعار الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى رفع أسعار الفائدة من قبل «البنك المركزي».

كما أظهرت بيانات مسح يوم الجمعة أن نشاط الأعمال في منطقة اليورو تراجع بشكل حاد في نوفمبر الحالي أكثر مما كان متوقعاً، مما زاد من المخاوف بشأن ضعف النمو بالمنطقة.

في هذا السياق، قال كبير خبراء الاقتصاد في «البنك المركزي الأوروبي»، فيليب لين، يوم الاثنين، إن التضخم قد ينخفض إلى ما دون الهدف في حال استمر النمو الضعيف. وأشار لين، في تصريحات نقلتها صحيفة «ليزيكو» الفرنسية، إلى أنه «ينبغي ألا تظل السياسة النقدية مقيدة لفترة طويلة، وإلا فإن الاقتصاد لن ينمو بالقدر الكافي، وأعتقد أن التضخم سيهبط إلى ما دون الهدف».