مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: بدون التدخل العسكري لأصبح الوضع في اليمن لا يطاق

اليونيسكو تدعو للمحافظة على التراث الثقافي «الفريد من نوعه» في اليمن

مسلح يمني مؤيد للحراك الجنوبي أمام دبابة استولوا عليها من إحدى وحدات الجيش في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)
مسلح يمني مؤيد للحراك الجنوبي أمام دبابة استولوا عليها من إحدى وحدات الجيش في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)
TT

مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: بدون التدخل العسكري لأصبح الوضع في اليمن لا يطاق

مسلح يمني مؤيد للحراك الجنوبي أمام دبابة استولوا عليها من إحدى وحدات الجيش في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)
مسلح يمني مؤيد للحراك الجنوبي أمام دبابة استولوا عليها من إحدى وحدات الجيش في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)

لم تتأخر فرنسا في إعلان تأييدها للعملية العسكرية الواسعة التي أطلقتها دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية من أجل دعم الشرعية ووقف الزحف الحوثي باتجاه مناطق الجنوب اليمنية. وشددت باريس، في أول رد فعل رسمي على التطورات في اليمن صدر عن وزارة الخارجية، على عاملين اثنين؛ الأول: أهمية إعادة الاستقرار إلى اليمن، والثاني: المحافظة على وحدته. كذلك، فإن الموقف الفرنسي الرسمي ينهض على اعتبار الرئيس عبد ربه منصور هادي ممثلا لـ«السلطات الشرعية» اليمنية، وبالتالي فإن العملية العسكرية جاءت «بناء على طلبه»، ما يعني أنها تلتحف بالشرعية اللازمة. ولذا، فإن باريس أعلنت «تضامنها» مع شركائها في المنطقة لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن.
يتميز موقف الحكومة الفرنسية بالثبات وبوضوح الرؤية؛ ففي لقاء خاص بـ«الشرق الأوسط»، أكدت مصادر فرنسية رسمية أن باريس «لم تغير أبدا موقفها»، واعتبرت دائما أن ما قام به الحوثيون من استيلاء على العاصمة صنعاء وعلى المؤسسات واحتجاز الرئيس هادي ورئيس الحكومة بحاح والوزراء وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح بمثابة «ضرب لاستقرار اليمن» و«تهديد لوحدته» و«قطع الطريق» على أي حل سياسي توافقي والتأسيس لحرب أهلية طويلة. وتؤكد باريس أنها دعمت، منذ البداية، المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية وجهود الأمم المتحدة ممثلة بالمبعوث الدولي جمال بنعمر، لكنها وجدت أن تمادي الحوثيين والمتحالفين معهم في الداخل وداعميهم في الخارج «أجهض أي إمكانية لحل سياسي»، وخصوصا أنهم «تجاوزوا كافة الخطوط الحمراء» من خلال محاولتهم الإجهاز على هادي عبر الضربات الجوية التي وجهت ضد قصره في عدن والزحف العسكري باتجاه مدينة الجنوب الكبرى والإطلالة على باب المندب.
بيد أن الموقف الفرنسي الداعم للعملية العسكرية يتخطى اليمن ليعبر للنظرة الفرنسية لكل منطقة الخليج، وخصوصا للعلاقة المتميزة التي تربط باريس والرياض. وقالت المصادر الفرنسية الرسمية لـ«الشرق الأوسط» إن المملكة العربية السعودية «حليف استراتيجي» لفرنسا، وإن فرنسا «جاهزة» لدراسة أي طلب للمساعدة يمكن أن تقدمه الرياض في الحملة العسكرية الدائرة ضد الحوثيين في اليمن. وأضافت هذه المصادر أن البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية «يمثل دعم باريس السياسي» للعملية العسكرية التي ترى أنها «أصبحت ضرورية ولا غنى عنها» من أجل المحافظة على «فرصة ما للعودة إلى طاولة الحوار وإعادة إنتاج شروط التوصل إلى حل سياسي» للأزمة. وكشفت هذه المصادر أن الخارجية الفرنسية أرسلت سفيرها إلى عدن أواسط الأسبوع الماضي للقاء الرئيس هادي في عدن وللتعبير عن دعم فرنسا له وتشجيعه على الاستمرار في المقاومة والتمسك بالشرعية وهو «الموقف الثابت» لفرنسا منذ اندلاع الأزمة.
إذا كانت باريس تعتبر أن العملية العسكرية ضد الحوثيين وشركائهم أضحت «ضرورية»، فإنها لا ترى أن الحل يمكن أن يكون عسكريا لأكثر من سبب، منها ما هو مرتبط بالطبيعة الجغرافية لليمن وبالتجارب التاريخية السابقة وبالحاجة للمحافظة على اليمن موحدا وجامعا لكافة مكوناته. ولذا، شددت المصادر الفرنسية في حديثها لـ«الشرق الأوسط» على الحاجة إلى أن تترك العملية العسكرية «الباب مفتوحا» أمام العودة إلى طاولة المفاوضات، وتوفير «الشروط» لمثل هذه العودة. ولدى سؤالها عن المقصود بذلك، أفادت هذه المصادر بأن المشكلة مع الحوثيين أنهم كانوا يعتقدون بقدرتهم على تحقيق كل مطالبهم عبر قوة السلاح. ولذا، فإن النتيجة الأولى للتدخل العسكري للتحالف الواسع الذي بنته السعودية هي «لإفهامهم أن السلاح لن يحقق مطالبهم» مهما كان الدعم الداخلي أو الخارجي الذي يحصلون عليه قويا، وبالتالي فإن الحل لن يأتي إلا عبر طاولة المفاوضات التي يتعين أن يجلس حولها كافة الفرقاء.
تعي باريس أن النزاع في اليمن خرج عن إطاره الداخلي وأضحى إقليميا، بل دوليا، مع التهديد الذي تشكله هيمنة الحوثيين على عدن والمناطق الجنوبية المطلة على باب المندب الذي هو المعبر إلى البحر الأحمر ومنه إلى قناة السويس. بموازاة ذلك، فإن العلاقة التي تربط الحوثيين بإيران والتي تمتلك فرنسا بشأنها «دلائل مادية استخبارية»، تجعل الممرين المائيين الاستراتيجيين في المنطقة (باب المندب ومضيق هرمز) تحت الهيمنة الإيرانية، وهي أوراق يمكن أن تستخدمها في أي نزاع ما يهدد التجارة العالمية وتزويد الأسواق بالنفط.
ترى باريس أن الهيمنة الكاملة للحوثيين، ومن ورائهم إيران، كانت ستدخل اليمن في حرب طويلة المدى «لأن الحوثيين لا يشكلون سوى 25 في المائة من السكان، وبالتالي ليست لديهم الإمكانيات البشرية والمادية والعسكرية للإمساك بالبلاد بصورة دائمة». لكن النتيجة المباشرة للهيمنة الحوثية الكاملة كانت «وأد» أي أمل في التوصل إلى حل سياسي؛ لأن الميليشيات الحوثية لم تكن لتقبل بالعودة إلى التفاوض بعد أن وضعت يدها على كافة مقدرات البلاد الإدارية والمادية والعسكرية. ولذا، فإن فرنسا «تتمنى» أن تكون العملية العسكرية تمهيدا للرجوع إلى طاولة المفاوضات، وألا تكون مقدمة لحرب طويلة تستنزف اليمن والمنطقة. وتختصر المصادر الفرنسية الوضع بجملة واحدة: «لو لم يحصل التدخل العسكري الذي تقوده السعودية لأصبح الأمر لا يطاق» في اليمن.
وفي سياق مواز، دعت المديرة العامة لليونيسكو كافة الأطراف للمحافظة على التراث الإنساني في اليمن. وجاء في بيان لإيرينا بوكوفا ما يلي: «أدعو سكان اليمن وبلدان المنطقة المنخرطة في العمليات العسكرية في اليمن إلى القيام بكل ما هو بمقدورهم من أجل حماية التراث الثقافي الذي لا يثمن» في هذا البلد، وتلافي استهداف هذه المواقع التي تشكل ثروة «فريدة من نوعها» من التراث الإنساني.\



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.