إقصاء «النهضة» من الحوار السياسي التونسي المرتقب

سعيّد: أطراف لم يعد لها مكان بعد أن رفضها الشعب

جانب من المظاهرات المؤيدة لقرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (د.ب.أ)
جانب من المظاهرات المؤيدة لقرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (د.ب.أ)
TT

إقصاء «النهضة» من الحوار السياسي التونسي المرتقب

جانب من المظاهرات المؤيدة لقرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (د.ب.أ)
جانب من المظاهرات المؤيدة لقرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (د.ب.أ)

قلص الرئيس التونسي قيس سعيد، من آمال أطراف سياسية، شاركت في منظومة الحكم السابقة، في العودة إلى المشهد السياسي، بعد تأكيده خلال استقباله نجلاء بودن، رئيسة الحكومة المكلفة، ليلة أول من أمس، أن بعض الأطراف «لم يعد لها مكان في تونس بعد أن رفضهم الشعب»، مشدداً على أنه لن يتراجع عن تصوراته، ولن يتعامل «مع مّن جوّع الشعب، ونكّل به»، على حد قوله. في إشارة واضحة إلى الائتلاف الحاكم الذي تزعمته حركة «النهضة»، برئاسة راشد الغنوشي.
وأضاف سعيد موجهاً كلامه إلى خصومه السياسيين: «من يريد التنكيل بالشعب أقول له إنه سيواجَه بصرامة، وسيدفع الثمن باهظاً». مشدداً على أنه سيتم تركيز الحكومة بعيداً عن الانتهازيين وأطماعهم، وهو ما خلّف جدلاً سياسياً حاداً بين الأحزاب، التي كانت تنتظر انفراجة سياسية ودعوتها للمشاركة في السلطة، وعدم عدّها في خانة أعداء التدابير الرئاسية الاستثنائية.
وكشف زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب المؤدية للتدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الدولة، عن إقصاء حركة «النهضة» من الحوار السياسي قائلاً: «لن تكون طرفاً في الحوار الذي يعتزم قيس سعيد إطلاقه بعد تشكيل الحكومة الجديدة».
وأكد المغزاوي الذي التقى الرئيس التونسي في عدة مناسبات أنه أعلمه بقرب الدعوة لحوار سياسي «بمجرد الانتهاء من تركيبة الحكومة الجديدة». مشيراً إلى أن «مخاوف التونسيين من الاستفراد بالسلطة تبقى مشروعة»، وأكد في هذا السياق وجود ضمانات تتعلق أساساً بخروج الرئيس سعيد خلال أيام للإعلان عن موعد انتهاء الفترة الانتقالية، وتبديد مخاوف الطبقة السياسية قبل مخاوف التونسيين أنفسهم.
يُذكر أن عملية الاصطفاف مع التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس، أو التعبير عن معارضتها والدعوات للعودة إلى المسار الديمقراطي، أسفرت عن ظهور عدة جبهات سياسية جديدة، قد تُحدث حسب عدد من المراقبين، تغييرات داخل المشهد السياسي، لكنّ هذه الجبهات عرفت غياب حركة «النهضة»، على الرغم من دعواتها المتكررة للوقوف أمام احتكار السلطة.
في سياق متصل، استقبل الرئيس سعيد أول من أمس، يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ووجّه حديثه لقضاة تونس، الذين قسمهم إلى شرفاء وآخرين يعملون لصالح أطراف أخرى: «هناك أطراف أجرمت في حق الدولة، وتسللت إلى قصور العدالة في كل أنحاء تونس، حيث يتم الحكم على الفقير خلال يومين، فيما يبقى المتآمرون على الدولة بلا محاكمة، ودون أن تتحرك النيابة العامة في حقهم». مؤكدا أن هناك «خونة يريدون بالبلاد شراً، لكن النيابة العامة لا تتحرك إلا عند اعتقال شخص فقير سرق خضراوات، فيما يبقى من نهب المليارات بلا محاكمة»، على حد قوله.
من جهة أخرى قال جمال مسلم، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن «محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، ومنع التجمعات والتضييق على حرية التنقل، تنبئ بتراجع السلطة القائمة عن تطميناتها بمواصلة احترام الحريات والحقوق». ولاحظ مسلم وجود إخلالات من رئيس الدولة بخصوص بعض التطمينات التي صرح بها، ومنها محاكمة نواب من البرلمان المجمد، واعتقال نائب برلماني ومنشط تلفزي أمام القضاء العسكري. وطالب وزارتي الداخلية والدفاع باحترام التجمعات، بوصفها حقاً مكفولاً في الدستور. معتبراً أن منعهم يعد ضرباً لحرية التجمع، وهو ما يقلق الرابطة التي تدعو الرئيس لاحترام وعوده.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».