«مسرّبة فيسبوك» تحذّر الكونغرس من مخاطر المنصة و«استغلالها للأطفال»

فرانسيس هاوغن «مسربة فيسبوك» خلال مثولها أمام الكونغرس أمس (إ.ب.أ)
فرانسيس هاوغن «مسربة فيسبوك» خلال مثولها أمام الكونغرس أمس (إ.ب.أ)
TT

«مسرّبة فيسبوك» تحذّر الكونغرس من مخاطر المنصة و«استغلالها للأطفال»

فرانسيس هاوغن «مسربة فيسبوك» خلال مثولها أمام الكونغرس أمس (إ.ب.أ)
فرانسيس هاوغن «مسربة فيسبوك» خلال مثولها أمام الكونغرس أمس (إ.ب.أ)

بعد يوم من انتكاسة تقنية كلفّت «فيسبوك» مليارات الدولارات، مثلت «مسرّبة» الشركة فرانسيس هاوغن أمام الكونغرس لمساءلتها بشأن الوثائق الداخلية التي سربتها بعد استقالتها من الشركة.
توقيت هو الأسوأ للشركة ومؤسسها مارك زوكربرغ الذي خسر ما يقارب الـ6 مليارات دولار بعد العطل الذي استمر على مدى 7 ساعات تقريباً يوم الاثنين.
هاوغن التي جلست أمام أعضاء لجنة التجارة الفرعية في مجلس الشيوخ تحدثت إلى المشرعين عن خبايا الشركة التي عملت فيها منذ عام 2019 فأشارت إلى أن «فيسبوك» يضع أرباحه فوق المصلحة العامة، متحدثة عن الأضرار الجسيمة التي يسببها الموقع لمستخدميه ومستخدمي تطبيق «إنستغرام» الذي تملكه الشركة، خاصة فيما يتعلق بالمراهقات وتضليلهن. وأشارت إلى وجود نحو 600 ألف حساب لأطفال تحت السن القانونية على المنصة، محذرة من أن بعض هؤلاء المستخدمين يتعرضون للتنمر والترهيب.
ووجهت هاوغن انتقادات قاسية للشركة، مشيرة إلى أن «منتجاتها تؤذي الأولاد وتعمق الانقسامات وتضعف ديمقراطيتنا».
وحثت الموظفة السابقة الكونغرس على التصرف بحزم لمراقبة المنصة وفرض إصلاحات فورية عليها، مشيرة إلى أن مؤسس الشركة زوكربرغ يتحمل المسؤولية كاملة عن كل ما يجري في شركته.
وتحدثت هاوغن عن قرارها الاستقالة من الشركة لفضح ممارساتها فقالت: «أعتقد أن ما فعلته كان ضرورياً للمصلحة العامة، لكني أعلم أيضاً أن (فيسبوك) لديه موارد غير محدودة وقد يستعملها لتدميري».
وأضافت هاوغن في إفادتها: «لقد قمت بهذا لأني توصلت إلى الحقيقة المرعبة: لا أحد خارج (فيسبوك) يعلم ما يحدث داخل (فيسبوك)».
واتهمت موظفة «فيسبوك» السابقة المنصة بنشر معلومات مضللة تحرض على الكراهية وتعمق من الأزمات السياسية، مشيرة إلى أن آلاف الوثائق التي جمعتها تظهر أن الشركة تضلل الرأي العام والمشرعين عندما تؤكد أنها تتخذ خطوات لمحاربة الكراهية والعنف ونشر المعلومات المضللة، مشيرة إلى أن مصالحها المالية أهم من أي شيء آخر. وقالت: «قيادة (فيسبوك) لن تتخذ الخطوات الضرورية للتغيير لأنها وضعت الفوائد الضخمة التي تجنيها قبل الأشخاص».
وهاجم المشرعون بشراسة مؤسس الشركة مارك زوكربرغ فدعوه إلى المثول أمام الكونغرس في أسرع وقت ممكن، مشيرين إلى الأخطار الكبيرة التي يتعرض لها صغار العمر على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة منصة «إنستغرام» التابعة لـ«فيسبوك» التي تروج أخباراً كاذبة لاستدراج المراهقين، بحسب قولهم.
وفيما لا تعد إفادة المسربة الأولى من نوعها بمواجهة «فيسبوك»، التي تعرضت للكثير من الانتقادات في الماضي، فإن توقيتها هو الأسوأ بالنسبة للشركة التي تتعرض حالياً لضغوطات سياسية كبيرة بسبب تأثيرها السلبي على الأولاد والمراهقين. وهدد رئيس اللجنة الديمقراطي ريتشارد بلومنثال المنصة قائلاً: «تصرفات (فيسبوك) تجعل من الواضح أننا لا نستطيع الثقة بها لإصلاح نفسها. علينا أن ننظر في فرض إصلاحات قوية لحماية الأولاد ومساعدة الأهالي إضافة إلى إصلاحات أخرى».
وقد سلط العطل التقني الذي ضرب الشركة يوم الاثنين على ما وصفه المشرعون بـ«الإدمان» على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أدى إلى خسائر فادحة للشركة التي عانت من هبوط في أسهمها بنسبة 5.7 في المائة، وهو أسوأ أداء يومي لها منذ عام. كما قدرت شركة «نت بلوكس» التي تراقب الإنترنت أن تكون ساعات انقطاع الخدمة عن وسائل التواصل التابعة لـ«فيسبوك» قد كبدت الاقتصاد العالمي خسائر بـ160 مليون دولار في الساعة لترتفع إلى مليار دولار بعد نحو 7 ساعات من الانقطاع. وقد أدت الخسائر التي تكبدها زوكربرغ إلى خسارة الأخير لمرتبته الخامسة على لائحة الأغنياء في العالم ليحتل المرتبة السادسة فقط بعد أن قدرت ثروته جراء الخسارة بـ116.8 مليار دولار.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟