سياسيون يكشفون أسباب التوتر الحاد بين الجزائر وفرنسا

صحف محلية قالت إن الأزمة بين البلدين قد تطول نظراً لـ«طبيعتها غير المسبوقة»

تصريحات الرئيس الفرنسي أثارت غضب السلطات والشارع في الجزائر (أ.ب)
تصريحات الرئيس الفرنسي أثارت غضب السلطات والشارع في الجزائر (أ.ب)
TT

سياسيون يكشفون أسباب التوتر الحاد بين الجزائر وفرنسا

تصريحات الرئيس الفرنسي أثارت غضب السلطات والشارع في الجزائر (أ.ب)
تصريحات الرئيس الفرنسي أثارت غضب السلطات والشارع في الجزائر (أ.ب)

أفادت مصادر سياسية في الجزائر بأن رفض تسلم السلطات بعض رعاياها الذين صدرت بحقهم قرارات الترحيل بفرنسا لا يفسر وحده فترة التوتر الحاد التي تمر بها العلاقات بين البلدين، بل هناك قضية جوهرية أخرى تسببت في إثارة غضب الجزائريين، تتعلق بنشطاء تنظيمين مصنفين «إرهابيين» يعيشون في فرنسا.
وأكدت المصادر نفسها التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، بخصوص تداعيات التصريحات المثيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تاريخ الجزائر ورئيسها ونظامها السياسي، أن باريس «تلكأت» في الرد على طلب الجزائر تسليمها أعضاء في التنظيم الانفصالي «حركة استقلال القبائل»، المعروف اختصارا بـ«ماك»، و«حركة رشاد» الإسلامية، ما تسبب في استياء بالغ لدى الجزائريين الذين قرروا من جانبهم رفض التعامل بصفة إيجابية مع طلب تقدمت به فرنسا، يتعلق بإصدار تصاريح قنصلية بالممثليات الدبلوماسية الجزائرية في فرنسا، تخص ترحيل عشرات الجزائريين من المهاجرين غير النظاميين، وآخرين متهمين بالتطرف الديني، من بينهم أئمة بالمساجد صدرت ضدهم قرارات بالطرد من التراب الفرنسي.
وكان وزير الداخلية الفرنسي، جيرارد دارمانان، قد صرح، الأسبوع الماضي، بأن بلاده قررت تقليص منح التأشيرات للجزائريين بنسبة 50 في المائة، بحجة أن الجزائر رفضت تسلم مهاجرين جزائريين غير نظاميين، وآخرين محل شبهة إرهاب. وأكد الرئيس ماكرون بعدها أن الإجراء موجه ضد مسؤولين حكوميين، وليس عموم الجزائريين، على سبيل معاقبتهم. وكان هذا القرار أول فصل من التوتر بين العاصمتين.
ومن أشهر المطلوبين من طرف الجزائر فرحات مهني، رئيس «ماك»، الذي يحمل صفة لاجئ سياسي بفرنسا منذ سنين طويلة، والذي تتهمه بـ«الاستعانة بقوى أجنبية للضغط عليها، وحملها على التنازل عن موقفها من بعض القضايا الدولية والإقليمية، وأهمها القضية الفلسطينية ونزاع الصحراء»، بحسب تصريحات مسؤولين جزائريين.
وتأوي باريس أيضاً، حسب الجزائر، عشرات الناشطين بالتنظيم الانفصالي، منهم أبناء مهاجرين ولدوا بفرنسا، الذين يشاركون في مظاهرات بباريس تنظم ضد الحكومة الجزائرية، ويحملون عادة العلم الانفصالي. وتثير مشاهد هذه المظاهرات حساسية السلطات الجزائرية التي ترى أن فرنسا «تبدي ليونة» تجاه دعاة الانفصال.
ويوجد كذلك أنصار إسلاميون من «رشاد» فوق التراب الفرنسي، وهم أيضاً مصدر إزعاج للجزائر، لكن ليس بحجم «خطورة» مناضلي «ماك». ويقود التنظيم الإسلامي محمد العربي زيتوت، وهو دبلوماسي سابق لاجئ في بريطانيا. ومن أبرز وجوهه أيضاً مراد دهينة، اللاجئ بسويسرا الذي تم توقيفه بفرنسا قبل سنوات على أثر مذكرة اعتقال صادرة عن القضاء الجزائري، غير أن محكمة فرنسية نقضت قراراً إدارياً بتسليمه، وهو ما أغضب الجزائريين كثيراً يومها.
وفي فرنسا، يقيم وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب الذي أدانه القضاء العام الماضي بالسجن 20 سنة، بتهم فساد ذات صلة بسوء التسيير والاختلاسات في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. ويقع بوشوارب تحت طائلة مذكرة اعتقال دولية، غير أن فرنسا لم تسلمه، كونه يحمل جنسيتها، ويعيش على أرضها منذ ما قبل أن يصبح وزيراً، وهو ما أثار غضب وتذمر الجزائر.
وكان ماكرون قد هاجم «النظام السياسي العسكري» بالجزائر خلال لقاء مع 17 شاباً فرنسياً ينحدرون من أصول جزائرية الخميس الماضي، وأنكر في تصريحات له أن تكون الجزائر أمة قبل أن تحتلها فرنسا عام 1830، كما قال إن الرئيس عبد المجيد تبون «محتجز داخل نظام متحجر جداً»، وخاض في موضوع التأشيرات. وعلى الأثر، سحبت الجزائر سفيرها لدى فرنسا، وأغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية الفرنسية التي تقوم بمهام تنسيق مع قوة «برخان» العسكرية بمالي، حيث تجري مطاردة عناصر الجماعات الإرهابية منذ عام 2013.
وفي سياق ذلك، قدرت الصحافة الجزائرية، أمس، أن الأزمة بين الجزائر وفرنسا «من المحتمل أن تطول»، مؤكدة على الطبيعة «غير المسبوقة» لهذا الخلاف. وجاء في صحيفة «لوسوار دالجيري»، الصادرة بالفرنسية: «يبدو أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية دخلت مرحلة حرجة، بعد 24 ساعة من نشر التصريحات الخطيرة التي أدلى بها إيمانويل ماكرون الخميس في الإليزيه، حيث تم اتخاذ إجراءات، ويمكن أن تتخذ أخرى قريباً جداً، بين الجزائر وباريس الآن أزمة غير مسبوقة».
ومن جهتها، قدرت صحيفة «ليبرتيه»، الناطقة بالفرنسية، أن تصريحات ماكرون «لا تزال تثير الغضب والسخط في الجزائر. وتصريحاته (...) أدخلت البلدين في مرحلة توتر من المحتمل أن تطول»، في حين عنونت صحيفة «الوطن»، الصادرة بالفرنسية، أن «الأزمة ترسخت»، وقدرت أن حال العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا «يمكن أن تصبح أكثر تعقيداً في الأيام المقبلة، بالنظر إلى أن التصريحات (ماكرون) تستمر في إثارة ردود فعل».
كذلك أدانت الطبقة السياسية الجزائرية بالإجماع انتقادات ماكرون للسلطات الجزائرية. وعد رئيس حركة مجتمع السلم (حمس)، عبد الرزاق مقري، التصريحات «بمثابة إعلان حرب على الجزائر، دولةً وشعباً»، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم يدعو إلى طرد السفير الفرنسي لدى الجزائر، وقد صار من أكثر الوسوم انتشاراً بين مستخدمي الإنترنت الجزائريين على «تويتر» منذ أول من أمس.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.