آلاف المتظاهرين في تونس دعماً لـ«الإجراءات الاستثنائية»

اعتقال برلماني وإعلامي بعد برنامج تلفزيوني تضمن انتقادات للرئيس

تظاهرة حاشدة في العاصمة التونسية دعماً للرئيس سعيّد أمس (أ.ب)
تظاهرة حاشدة في العاصمة التونسية دعماً للرئيس سعيّد أمس (أ.ب)
TT

آلاف المتظاهرين في تونس دعماً لـ«الإجراءات الاستثنائية»

تظاهرة حاشدة في العاصمة التونسية دعماً للرئيس سعيّد أمس (أ.ب)
تظاهرة حاشدة في العاصمة التونسية دعماً للرئيس سعيّد أمس (أ.ب)

تظاهر الآلاف، أمس، في تونس وفي عدد من المحافظات، دعماً للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد منذ أكثر من شهرين بتجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتعزيز صلاحياته الدستورية، مطالبين «بوضع حد نهائي للمنظومة الفاشلة» و«حلّ البرلمان».
ووسط تعزيزات أمنية مكثفة، تجمع أكثر من ثلاثة آلاف متظاهر في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، هاتفين: «الشعب يريد حلّ البرلمان» و«كلّنا قيس سعيّد... كلنا تونس»، و«قرارات 25 جويلية» يوليو (تموز)، «ثورة داخل الثورة»، و«إلى الأمام قيس سعيّد»، و«دستور غير ديمقراطي».
كما نُظّمت نظاهرات مساندة لسعيّد في محافظات صفاقس (وسط شرق) وسوسة (وسط شرق) وتطاوين (جنوب) وقابس (جنوب) والكاف (غرب).
وفي العاصمة تونس، قالت الأربعينية نورة بن فضل: «جئتُ من أجل دعم تغيير الوضع الحالي المتردي»، مضيفة: «عانينا الأمرين منذ عشر سنوات، ويكفي من ذلك». وتابعت: «اليوم يجب أن نضع حداً ونجد حلولاً للتشغيل والتنمية ونريد دعم مَن يُصلِح وضع البلاد»، مؤكدة: «وجدنا في سعيّد شخصا يريد الإصلاح».
وانتشرت قوات الأمن بأعداد كبيرة في كامل شارع الحبيب بورقيبة وطوقت المتظاهرين الذين تمركزوا أمام مبنى «المسرح البلدي» رافعين علم تونس. ورفعت صوراً للرئيس ولافتات كُتِب عليها «الشعب يريد تنقيح الدستور» و«سعيّد الناطق الرسمي باسم الشعب»، و«معك إلى النهاية».
وأعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية المنتمية في معظمها إلى التيار اليساري والتيار القومي عن مساندتها للتوجه الرئاسي، ودعت أنصارها إلى المشاركة في المسيرات والوقفات بمختلف الولايات (المحافظات) لدعم التوجه الإصلاحي الذي انطلق فيه قيس سعيّد. وتقود حركة الشعب (قومي) جبهة سياسية داعمة لرئيس الدولة مكونة من حزب التحالف من أجل تونس (وسطي)، وحزب التيار الشعبي (قومي) وحركة البعث (قومي) والحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي (يسار) وحركة تونس إلى الأمام (يسار).
وبشأن مظاهرة أمس، زهير المغزاوي رئيس «حركة الشعب»، في تصريح إعلامي: «نحن اليوم ماضون نحو تونس حرة ودولة ديمقراطية واجتماعية»، معتبراً أن الإجراءات الاستثنائية جاءت استجابة لمطالب الشعب التونسي، على حد تعبيره. وأضاف قائلاً: «الشعب خرج كذلك في مسيرات لحث الرئيس التونسي على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية».
وكان سعيّد أعلن في خطوة مفاجئة في 25 يوليو تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد، مستنداً في ذلك إلى الفصل 80 من الدستور الذي يتيح اتخاذ مثل هذه القرارات أمام وجود «خطر داهم».
وفي 22 سبتمبر (أيلول)، أصدر سعيّد أمراً رئاسياً يتضمن تدابير استثنائية أخرى تعزز صلاحياته على حساب الحكومة، وكذلك البرلمان الذي يحل محله عبر «إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم»، الأمر الذي اعتبره خبراء تمهيداً لتغيير النظام السياسي في البلاد بدلاً من البرلماني الذي نص عليه دستور 2014. والأربعاء الماضي، كلّف سعيّد امرأة غير معروفة في المشهد السياسي هي نجلاء بودن (63 عاماً)، بتشكيل حكومة جديدة تعمل على مكافحة الفساد ومعالجة الأولويات الاقتصادية والاجتماعية. وهذه أول مرة في تاريخ البلد، يتم تعيين امرأة على رأس السلطة التنفيذية للقيام بإصلاحات أهمها مقاومة الفساد.
وتوجه انتقادات لسعيّد بسبب قراراته ويعتبر «حزب النهضة» ذو المرجعية الإسلامية، وأكبر الكتل البرلمانية (53 من أصل 217 نائباً) أن ما قام به الرئيس «انقلاب على الدستور وعلى الثورة»، بينما حذرت منظمات حقوقية تونسية ودولية من «نزعة سلطوية»، بعد أن عزّز سعيّد صلاحياته على حساب البرلمان والحكومة.
وأمس، تم توقيف النائب البرلماني عن حزب «ائتلاف الكرامة» عبد اللطيف العلوي، ومقدم البرامج التلفزيونية عامر عياد، إثر بث برنامج حواري على قناة «الزيتونة» المقربة من «النهضة»، وجهت خلاله انتقادات شديدة لسعيّد ووُصفت قراراته «بالانقلاب».
وتظاهر بضعة آلاف التونسيين الأحد الماضي احتجاجاً على قرارات الرئيس، رافعين شعار «الشرعية الانتخابية» ومنددين بـ«احتكار السلطات بيد رجل واحد» و«بالانقلاب على الشرعية».
من جهة أخرى، وبخصوص القرار الفرنسي الأخير بتخفيض نسبة تاشيرات دخول مواطني تونس والجزائر والمغرب إلى فرنسا، عبّر الرئيس سعيّد في مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن أسفه للقرار. من جانبه، قال ماكرون إن هذا الإجراء قابل للمراجعة، وفق ما أوردته رئاسة الجمهورية التونسية. وأشار سعيّد إلى عدم إمكانية معالجة مسألة الهجرة غير النظامية، إلا بناء على تصوّر جديد، مؤكّداً أنه سيتم بحث حل لهذه الظاهرة بعد تشكيل الحكومة التونسية الجديدة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.