جفاف احتياطي الدولار يخفت وهج حكومة ميقاتي

سعر الليرة اللبنانية يعود للانخفاض والصرف يمسّ التوظيفات الإلزامية

TT

جفاف احتياطي الدولار يخفت وهج حكومة ميقاتي

يستعيد الدولار الأميركي سطوته على أسواق النقد والاستهلاك في لبنان، بعد شبه نفاد جرعة الدعم النفسي التي تلقاها سعر صرف الليرة فور تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، ليتحول الاهتمام إلى تتبع آليات إعادة التواصل مع الأسواق المالية الدولية، عبر فتح خطوط المفاوضات مع حاملي السندات الدولية، وموعد استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وما يمكن أن تؤول إليه من تدفقات نقدية.
ومع انحدار سعر الليرة مجدداً إلى عتبة 18 ألف ليرة حالياً، نزولاً من مستويات كادت تلامس 13 ألف ليرة لكل دولار، في رد فعل تلقائي للمبادلات النقدية في الأيام الأولى التي تلت صدور مرسوم التأليف، عقب نحو 13 شهراً من الفراغ، بدت الترقبات النقدية أكثر ترجيحاً لتجدد هبوط سعر العملة الوطنية، مزخمة بنضوب شبه تام للمخزون الحر من العملات الصعبة لدى البنك المركزي.
ويؤكد مسؤولون مصرفيون لـ«الشرق الأوسط» أنه ما من أحد يعلم على وجه الدقة، سوى قلة يتقدمهم الحاكم رياض سلامة ومن يعاونه في إدارة الحسابات، تركيبة الاحتياطات بالعملات الصعبة المتبقية بحوزة مصرف لبنان، ولا كيفية توزع مبالغها النقدية لدى البنوك المراسلة، إنما يدرك الجميع ملامستها الفعلية للتوظيفات الإلزامية للمصارف التي يمكن تصنيفها بصفتها حقوقاً حصرية للمودعين في الجهاز المصرفي.
لكن عدم الإلمام بخفايا التفاصيل، بحسب المسؤولين والخبراء، لا يحجب حقيقة نضوب الاحتياطات الحرة التي تمكن البنك المركزي من لعب الدور المرجعي في سوق القطع، وبالتالي الحد من سيطرة الأسواق الموازية التي يركن إليها المتعاملون في إجراء المبادلات النقدية اليومية وفق هوامش سعرية يتم تداولها عبر التطبيقات على الهواتف الذكية. وهذه المعادلات الواقعية تشي باستمرار التأثير القوي على أسعار الصرف للعوامل السياسية الداخلية، وقياس مدى التقدم المحقق المتوقع في معالجة القضايا الحيوية توطئة لانسياب الدعم المالي عبر برنامج تعقده الحكومة مع صندوق النقد، ثم من خلال وعود الدول والمؤسسات المانحة.
وبالتوازي، يشير المسؤولون إلى حقيقة وضع الدولة وسلطاتها كافة بمواجهة استعصاء مالي سبق ولادة الحكومة الحالية، وأفقدها فترة السماح وهامش المناورة معاً. فلم يتوفر لصالح وزارة المال المعنية بالإنفاق سوى التحويل الوارد حديثاً بقيمة 1.14 مليار دولار، كحقوق سحب خاصة من ضمن الحصص الخاصة بالدول الأعضاء التي وزعها صندوق النقد، بينما يستمر تفاقم المشكلات التي تحتاج التمويل العاجل، وفي مقدمها تأمين الفيول لصالح مؤسسة الكهرباء الذي اضطرت الحكومة إلى تخصيصه سريعاً بمبلغ 100 مليون دولار.
ويشكل جفاف السيولة بالعملات عقبة كأداء تجابه مهمة الحكومة الجديدة، بمعزل عن توجهاتها لتسريع إعداد خطة التعافي، وتقديمها كورقة عمل إلى المفاوضات التي تطمح لاستئنافها بنهاية الشهر الحالي مع إدارة صندوق النقد، علماً بأن أقصى الآمال المعقودة على تقدم هذه المفاوضات تقف عند حدود إمكانية تدفق نحو ملياري دولار قبل نهاية العام الحالي، من ضمن برنامج متكامل يمتد لعدة سنوات.
ويرى مسؤول مالي كبير تحدثت إليه «الشرق الأوسط» أن بدء مهمة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان التي تم تجديد عقدها القانوني من قبل وزارة المال مع شركة «الفاريز آند مارسال» منتصف الشهر الماضي، ينبغي أن يتطرق إلى معضلة نضوب الاحتياطات الحرة، لا سيما من باب إلزام البنك المركزي بإنفاق نحو 7 مليارات دولار بسعر 1515 ليرة لكل دولار خلال فترة «الفراغ» الحكومي على تمويل دعم مستوردات استراتيجية، من محروقات ودواء وطحين، ومجموعة سلع أساسية وغذائية، قبل اضطراره إلى إعلان نفاد المبالغ القابلة للاستخدام والصرف.
ويلفت إلى أن هذه الوقائع تكشف حقيقة بدء المس بالتوظيفات الإلزامية العائدة للبنوك التي تمثل نسبة 14 في المائة من الودائع «الدولارية» لزبائنها، إذ تظهر أحدث البيانات المالية لميزانية البنك المركزي هبوط قيود احتياط العملات الصعبة إلى نحو 12.66 مليار دولار إذا ما تم عزل التحويل الوارد من الصندوق بمبلغ 1.14 مليار دولار، ومبلغ قيمة دفترية لمحفظة سندات دين دولية بحوزة البنك المركزي، بقيمة 5.03 مليار دولار.
وفي المقابل، تبيّن البيانات المصرفية أن إجمالي التوظيفات الإلزامية يصل إلى نحو 14 مليار دولار، وفقاً لأحدث الإحصاءات المجمعة، كما هي بنهاية الشهر السابع من العام الحالي، إذ يبلغ إجمالي حسابات الودائع المحررة بالدولار لدى المصارف نحو 107 مليارات دولار، تمثل «نظرياً» نحو 80.5 في المائة من إجمالي الودائع البالغة نحو 138 مليار دولار، بينما تمثل كتلة الودائع المحررة بالليرة نحو 31 مليار دولار، وفق السعر الرسمي البالغ نحو 1515 ليرة. وهذا ما يعني عملياً أنها تقل عن ملياري دولار، وفق الأسعار السائدة في السوق الموازية. والاحتساب عينه ينطبق على حساب ودائع القطاع العام البالغة نظرياً نحو 5.3 مليار دولار؛ أي نحو 8 آلاف مليار ليرة تساوي سوقياً نحو 446 مليون دولار.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.