الموسيقار الفرنسي زيكيني لـ«الشرق الأوسط»: أعشق الموسيقى والفن السعودي

عازف بيانو عالمي يعبر بمستمعيه في الرياض موسيقياً من زمن موتسارت

عازف البيانو الفرنسي العالمي ماكسيم زيكيني (الشرق الأوسط)
عازف البيانو الفرنسي العالمي ماكسيم زيكيني (الشرق الأوسط)
TT
20

الموسيقار الفرنسي زيكيني لـ«الشرق الأوسط»: أعشق الموسيقى والفن السعودي

عازف البيانو الفرنسي العالمي ماكسيم زيكيني (الشرق الأوسط)
عازف البيانو الفرنسي العالمي ماكسيم زيكيني (الشرق الأوسط)

لم يستطع عازف البيانو الفرنسي العالمي ماكسيم زيكيني أن يخفي حبه للموسيقى والفن السعوديين، فبينما كان يتفنن في العزف بيده اليسرى فقط على آلة البيانو، استطاع أن يشنف آذان مستمعيه خلال حفل في مقر إقامة السفير الفرنسي في الرياض لودفيك بوي، بمقطوعات موسيقية متنوعة عدة من روائع فنان العرب محمد عبده ومقطوعة من أغنية «يا طيب القلب» للفنان عبد المجيد عبد الله.
قال زيكيني لـ«الشرق الأوسط»: «استمعت كثيراً للموسيقى العربية حتى نما عشقها في وجداني، وعندما حاولت أن أؤدي بعضاً منها بين أسرتي، تملكتهم الدهشة، خصوصاً أنهم يكتشفون موسيقى راقية جداً وتحمل كثيراً من معاني الرومانسية وتعبر عن مزاجية فنية عالية المستوى»، مضيفاً: «من وقتها وأنا أعشق أن أؤدي بعض المقطوعات الموسيقية لبعض مشاهير الفنانين العرب»، بجانب ما قدمه من مشروعه الذي جاء بعنوان: «رحلة موسيقية من زمن موتسارت إلى اليوم».
قاد زكيني جمهوره من مستمعيه في الرياض لرحلة اكتشاف أو إعادة اكتشاف لبعض أعظم الروائع الموسيقية لعصور مختلفة عدة، عبر فيها بمقطوعات تؤرخ لبعض موسيقى منتصف القرن الثامن عشر والقرن الحادي والعشرين، بجانب بعض المقطوعات الكلاسيكيّة التي ستتداخل مع أعمال أشهر المسرحيّات الموسيقية العالميّة، إلى جانب العديد من أعمال الموسيقيين الفرنسيين؛ منهم ميشال ليجراند وتشارلز أزنافور وكلود ديبوسي.
زكيني في رحلته للرياض اكتشف الكثير المثير من الإبداع الفني والموسيقي السعودي، حيث زار مواقع عدة زادته إيماناً بعبقرية الفن والموسيقى، مبيناً أنه نهل شيئاً من بعضها وأنه سيقوم بتأدية بعض المقطوعات الموسيقية السعودية في مشاريعه الفنية المقبلة، مؤكداً أنه عشق موسيقى البيانو عشقاً كبيراً إلى حد سيطرت فيه على حواسه؛ فأدرك أن ذلك هو طريقه لحياته التي اختارها ونافذته للعالمية.
منذ الخامسة اكتشف عازف البيانو العالمي زيكيني ولهه وعشقه بهذا النوع من الموسيقى، وهو يشاهد بنهم ومتابعة لصيقة برنامجاً تلفزيونياً يشده للمتابعة والاستمتاع بهذا النوع من الموسيقى «موسيقى البيانو»، حيث تأخذه إلى عوالم تستهويه رغم أنه لا يدرك كنهها، ولكنه يشعر معها بالسعادة الغامرة.
من وقتها؛ أخذ تفكير زيكيني ينصبّ على كيف له أن يكون عازفاً عالمياً ماهراً للبيانو، ليسعد الناس ما داموا يتحدثون بلغة الوجدان والرومانسية دون الحاجة إلى ترجمة حرفية، وعندما انطلق بالمراحل الدراسية المختلفة، كان قد قرر بالفعل أن تكون كل دراساته في الموسيقى وفي آلة البيانو على وجه التحديد، لما وجد فيها من سحر موسيقى لم يستطع أن يغالبه.
وما انطلق زيكيني في هذه الطريق، حتى مضى فيها إلى أن نال درجات عليا في الموسيقى من «الأكاديمية الفرنسية للموسيقى»، على أيدي خبراء مهرة؛ إذ ما زال يتذكر كيف كان بروفسور موسيقي شهير يهتم به ويأخذ بيده إلى التعلم، واكتشف تقنيات الأداء الموسيقي على آلة البيانو، والقدرة على الإبداع والابتداع في هذا النوع من الفن.
زيكيني الذي أصبح أحد مشاهير موسيقى البيانو على المستوى العالمي، حيث حاز العديد من الجوائز العالمية، وجد أن المسؤولية تلح عليه لحمل رسائل الرومانسية والمليوديا والحب والسلام والإنسانية والعبور بها إلى وجدان شعوب العالم، فبدأ رحلة أسفاره إلى مختلف أنحاء العالم يقدم مقطوعاته الموسيقية على آلة البيانو، وهو يصول ويجول في العالم بلا كلل أو ملل.



مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».