واشنطن توجه تهمة الهروب لجندي أميركي أفرجت عنه طالبان

يمكن أن يصدر بحقه حكم بالسجن لمدة خمسة أعوام من محكمة عسكرية

السيرجنت الأميركي بو بيرغدال («الشرق الأوسط»)
السيرجنت الأميركي بو بيرغدال («الشرق الأوسط»)
TT

واشنطن توجه تهمة الهروب لجندي أميركي أفرجت عنه طالبان

السيرجنت الأميركي بو بيرغدال («الشرق الأوسط»)
السيرجنت الأميركي بو بيرغدال («الشرق الأوسط»)

اتهم الجيش الأميركي السيرجنت بو بيرغدال، بالفرار من الخدمة، وكان بيرغدال قد احتجز كأسير حرب لدى حركة طالبان في أفغانستان لمدة 5 أعوام قبل أن يتم تحريره في عملية تبادل للأسرى حظيت بدرجة كبيرة من العلانية.
وصرح الكولونيل دانيال كينج بأن بيرغدال يواجه تهمة واحدة تتعلق بالفرار من الخدمة بقصد التهرب من واجب مهم أو خطير وتهمة سوء سلوك أمام العدو. ورفضت يوجين فيدل محامية بيرغدال التعليق على التقارير الإعلامية.
ويوجد بيرغدال في فورت سام هيوستن في سان انتونيو حيث يعمل موظفا. فيما أعلن مسؤولون أميركيون، أول من أمس، عن توجيه الجيش الأميركي، تهمتين للرقيب بو بيرغدال تتمثل بـ«هجر قاعدته وإساءة التصرف أمام العدو» وذلك بعد تحريره في عام 2014 من حركة طالبان التي أسرته في عام 2009. يُذكر أن هذه الاتهامات تأتي بعد الضجة الكبيرة التي أثارتها الإدارة الأميركية بالموافقة على مبادلة بيرغدال بخمسة من معتقلي غوانتانامو المنتمين لحركة طالبان، في الوقت الذي أثيرت مخاوف عن مدى المساعدة التي قدمها الرقيب لمخابرات حركة طالبان.
ويُشار إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، صرح في حينها بأن الولايات المتحدة الأميركية تلقت تأكيدات من قطر بأنه سيتم اتخاذ تدابير من شأنها «حماية أمننا القومي»، مقابل مبادلة خمسة معتقلين بغوانتانامو للإفراج عن الرقيب بالجيش الأميركي، بو بيرغدال. وبموجب نظام القضاء العسكري، ستحال قضية بو بيرغدال إلى جلسة استماع بموجب المادة 32 التي تحدد ما إذا كان هناك ما يكفي من الأدلة لمحاكمته أمام محكمة عسكرية.
وأوضح كينج أن بيرغدال يمكن أن يصدر بحقه حكم بالسجن لمدة 5 أعوام بتهمة الفرار من الخدمة، والسجن مدى الحياة بتهمة سوء السلوك. وأطلقت حركة طالبان سراح بيرغدال في مايو (أيار) العام الماضي، في مقابل خمسة عناصر من طالبان كانوا معتقلين في معتقل خليج غوانتانامو الأميركي بكوبا.
وقوبلت صفقة التبادل بانتقادات حادة من جانب بعض أعضاء الكونغرس الأميركي وبعض العسكريين من زملاء بيرغدال. ودافع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن الصفقة شملت الإفراج عن 5 من عناصر طالبان كانوا معتقلين في سجن غوانتانامو مقابل إفراج الحركة عن عسكري أميركي، وسط تقارير بأنه كان محتجزا في قفص معدني في ظلام دامس.
وقال كيري بعد إتمام الصفقة أن السيرجنت الأميركي بو بيرغدال كان مهددا بالتعرض للتعذيب على يد محتجزيه. وأضاف: «من المسيء وغير المفهوم ترك أميركي، بإدراك كامل، بأيدي أشخاص يمكن أن يعذبوه أو يقطعوا رأسه أو يفعلوا به أشياء عدة».
وجاءت تصريحات كيري لشبكة «سي إن إن» بعد تقرير عن الظروف الصعبة التي كان يحتجز فيها بيرغدال في أفغانستان، وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن السيرجنت أبلغ مسؤولين طبيين بأنه تم احتجازه في ظلام دامس في قفص معدني لأسابيع.
وكان بو بيرغدال، الذي أطلقت حركة طالبان الأفغانية سراحه في 31 مايو الماضي مقابل إفراج واشنطن عن 5 من كبار قادة الحركة من معتقل غوانتانامو، كتب رسالتين لعائلته من السجن مناشدا عدم الحكم عليه قبل سماع قصته، لا سيما السبب الذي دفعه إلى ترك قاعدته العسكرية وزملائه الجنود في عام 2009.
وقال السيرجنت الأميركي في رسالة مؤرخة بيوم 23 مارس (آذار) 2013: «كانت القيادة ضعيفة، إن لم تكن معدومة. كانت الظروف سيئة وبدا أنها تزداد سوءا لا سيما بالنسبة إلى الرجال الذين كانوا يخاطرون بحياتهم في الهجمات».
وأضاف: «في حال وصلت هذه الرسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية، أقول لهؤلاء المشاركين في التحقيق إن هناك أكثر من جانب واحد للوضع، فأرجوكم أخبروا الحكومة أن تنتظر للحصول على الأدلة كاملة». وحصلت صحيفة «دايلي بيست» على نسخ من الرسالتين من قبل مصادر على اتصال مع طالبان. وأكد مسؤولون أميركيون وغربيون أنها وصلت عن طريق الصليب الأحمر الدولي.
يُذكر أن زملاء بيرغدال الجنود شنوا هجوما كلاميا قاسيا ضده، وتحديدا لأن كثيرا من الجنود أصيبوا خلال البحث عنه، إلى جانب الموارد العسكرية التي أنفقت خلال هذه العملية.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.