الطاقة تشعل التضخم الأوروبي... وروسيا تؤكد إيفاء التزاماتها

يبحث وزراء الاتحاد الأوروبي ومسؤولو المفوضية والبرلمان الأوروبي سبل السيطرة على الأسعار (أ.ب)
يبحث وزراء الاتحاد الأوروبي ومسؤولو المفوضية والبرلمان الأوروبي سبل السيطرة على الأسعار (أ.ب)
TT

الطاقة تشعل التضخم الأوروبي... وروسيا تؤكد إيفاء التزاماتها

يبحث وزراء الاتحاد الأوروبي ومسؤولو المفوضية والبرلمان الأوروبي سبل السيطرة على الأسعار (أ.ب)
يبحث وزراء الاتحاد الأوروبي ومسؤولو المفوضية والبرلمان الأوروبي سبل السيطرة على الأسعار (أ.ب)

ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية في منطقة اليورو بأسرع وتيرة منذ عام 2008 خلال شهر سبتمبر (أيلول)، في ظل ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة، بحسب بيانات رسمية نشرت الجمعة.
وأفادت وكالة الإحصاءات الرسمية التابعة للاتحاد الأوروبي «يوروستات» بأن التضخم في منطقة اليورو وصل إلى 3.4 في المائة على أساس سنوي، فيما ازدادت أسعار الطاقة بنسبة 17.4 في المائة، مقابل 15.4 في المائة في أغسطس (آب) الماضي... وكان ازدياد التكاليف أعلى بكثير من هدف 2.0 في المائة الذي حدده البنك المركزي الأوروبي وسيزيد الضغط على حكومات الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات تخفف عبء كلفة الطاقة.
وتصر رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد على أن معدل التضخم المرتفع لا يزال ظاهرة مؤقتة مرتبطة بوباء كوفيد الذي عرقل سلاسل الإمداد وأحدث اضطرابات في سوق الطاقة... لكن «يوروستات» ذكرت أن التضخم الأساسي الذي يستثني الطاقة وغيرها بلغ 1.9 في المائة، مقارنة بـ1.6 في المائة قبل شهر.
وباتت أسعار الطاقة مسألة تثير حساسيات سياسية في أوروبا، إذ تدرس دولها سلسلة واسعة من الخطط الطارئة لخفض الأسعار بالنسبة للمستهلكين. وتستعد بروكسل لسلسلة إجراءات قصيرة الأمد مثل خفض ضرائب القيمة المضافة ورسوم إنتاج الطاقة، على أمل المحافظة على الالتزامات بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
ومن المقرر أن يبحث وزراء الاتحاد الأوروبي ومسؤولو المفوضية والبرلمان الأوروبي خلال الأسابيع المقبلة، سبل السيطرة على الأسعار، وسوف يتناول زعماء التكتل هذه المسألة خلال قمتهم المزمعة يومي 21 و22 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وارتفعت أسعار الجملة للغاز الطبيعي خلال الشهور الأخيرة، كما زادت أسعار الكهرباء بشكل ملموس، حيث شعر كثير من المستهلكين في العديد من الدول بتأثير هذه الزيادة.
وهناك مخاوف أن تؤدي الزيادة في الأسعار إلى رد فعل سلبي حيال خطط الاتحاد الأوروبي للتحول إلى الطاقة المتجددة خلال السنوات المقبلة. ودعا كثير من الدول الأعضاء في التكتل، بما في ذلك إسبانيا، إلى اتخاذ إجراء مشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي للتصدي لارتفاع التضخم.
ويفوق المعدل الحالي للتضخم النسبة المستهدفة من البنك المركزي الأوروبي، التي تبلغ 2 في المائة سنوياً. ومن المتوقع أن تصدر المفوضية الأوروبية بياناً بشأن ارتفاع التضخم خلال الأسابيع المقبلة.
ووسط أزمة الطاقة والاتهامات الموجهة إلى روسيا، قال الكرملين، الجمعة، إن روسيا تفي بكامل التزاماتها بموجب عقود الغاز الطبيعي القائمة، وإن معظم الشكاوى الموجهة بحق موسكو بشأن الغاز الطبيعي ترجع لأسباب سياسية.
وكانت «غازبروم»، التي وفرت العام الماضي نحو ثلث الغاز الطبيعي الذي تستهلكه أوروبا، قد تعرضت لانتقادات واتهامات بأنها تعمدت خفض صادرات الغاز إلى أوروبا خلال الشهرين الماضيين في إطار ضغوطها للحصول على موافقة سريعة على خط أنابيب «نورد ستريم 2» المثير للجدل، الذي يمر في منطقة البلطيق.
وقالت أوكرانيا، في وقت سابق، إن «غازبروم» علقت نقل الغاز إلى المجر، بعد أيام من توقيع شركة الطاقة الروسية اتفاقاً طويل الأمد للإمدادات مع الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الجانب الآخر، تتوقع موسكو زيادة إمدادات «غازبروم» إلى الأسواق الرئيسية ومن بينها أوروبا وتركيا والصين إلى 197.3 مليار متر مكعب خلال العام الجاري. وأفادت «بلومبرغ» بأن هذا الحجم يزيد بنسبة 10 في المائة على إنتاج الشركة العام الماضي، كما يفوق بنسبة طفيفة توقعات «غازبروم» عن إنتاجها لعام 2021. وكانت شركة الغاز الروسية قد ذكرت، في وقت سابق، أنها تتوقع تصدير 183 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا وتركيا، فضلاً عن 8.5 مليار متر مكعب إلى الصين.
وتندرج هذه التوقعات في إطار النظرة المستقبلية للاقتصاد الكلي الروسي، التي اطلعت عليها «بلومبرغ» وتستخدمها الحكومة الروسية لصياغة مشروع موازنة 2022. وتقول «بلومبرغ» إن الصادرات الفعلية لعام 2021 ربما تختلف عن هذه الأرقام حسب القرارات النهائية لشركة «غازبروم» التي تتوقف على أوضاع السوق وطلبات العملاء والقدرات الإنتاجية للشركة.
وبالتزامن مع أزمة الطاقة والإمدادات وارتفاع أسعار المستهلك في أوروبا، كشف مسح، الجمعة، أن أنشطة التصنيع في منطقة اليورو ظلت قوية في سبتمبر، لكنها تلقت ضربة كبيرة من اختناقات في سلاسل الإمدادات من المرجح أن تستمر وتُبقي الضغوط التضخمية عند مستوى مرتفع.
وتعاني المصانع جراء مشكلات لوجستية، ونقص في المنتجات وأزمة عمالة ناجمة إلى حد كبير عن الاضطرابات الجارية بسبب جائحة فيروس كورونا التي أجبرت الحكومات على فرض قيود صارمة على التنقل. ونزلت القراءة النهائية لمؤشر «آي. إتش. إس ماركت» لمديري المشتريات في قطاع الصناعات التحويلية إلى 58.6 نقطة في سبتمبر من 61.4 في أغسطس لتنخفض قليلاً فحسب عن قراءة أولية عند 58.7.
وتراجع مؤشر يقيس الإنتاج، ويغذي مؤشر مديري المشتريات المجمع المقرر أن يصدر يوم الثلاثاء ويعد مقياساً جيداً لمتانة الاقتصاد، من 59.0 في أغسطس إلى 55.6. وقال كريس ويليامسون، كبير اقتصاديي الأعمال لدى «آي. إتش. إس»: «بينما توسع التصنيع في منطقة اليورو بوتيرة قوية في سبتمبر، فإن النمو اعتراه الضعف بشكل ملحوظ، إذ أعلن المنتجون عن تنامي الخسائر بسبب العوامل المعاكسة في سلاسل الإمداد. مشكلات الإمداد مستمرة في إحداث أضرار في أجزاء كبيرة من قطاع التصنيع الأوروبي، في ظل الإعلان عن تأخيرات وحالات نقص بمعدلات غير مشهودة لقرابة ربع قرن وفي ظل عدم ظهور أي مؤشرات على تحسن وشيك».
وتسببت الاختناقات في إبقاء الضغط على تكاليف المواد الخام التي تحتاج إليها المصانع. ونزل مؤشر أسعار المدخلات قليلا فحسب من 87 في أغسطس إلى 86.9، لكن المصانع مررت بعض تلك الزيادات إلى المستهلكين واقترب مؤشر أسعار الإنتاج من مستوى مرتفع سجله خلال الصيف.



تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
TT

تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)

شهد نشاط الأعمال في منطقة اليورو تحسناً ملحوظاً هذا الشهر، فقد عاد قطاع الخدمات المهيمن إلى النمو، مما ساهم في تعويض الانكماش المستمر في قطاع التصنيع.

وارتفع «مؤشر مديري المشتريات المركب الأولي» لمنطقة اليورو، الذي تُعِدّه «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 49.5 في ديسمبر (كانون الأول) الحالي من 48.3 في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رغم أنه بقي دون مستوى الـ50 الذي يفصل بين النمو والانكماش. وكان استطلاع أجرته «رويترز» قد توقع انخفاضاً إلى 48.2.

وقال سايروس دي لا روبيا، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «هامبورغ التجاري»: «نهاية العام جاءت أكثر تفاؤلاً مما كان متوقعاً بشكل عام. عاد نشاط قطاع الخدمات إلى منطقة النمو، مع تسارع ملحوظ في التوسع، مشابه للتوسع الذي شهدناه في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين».

وارتفع مؤشر قطاع الخدمات إلى 51.4 من 49.5، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى استقرار الوضع عند مستويات نوفمبر الماضي. ومع ذلك، فقد أظهرت البيانات أن الشركات لا تتوقع تحسناً سريعاً في النشاط؛ إذ حافظت على استقرار أعداد الموظفين بشكل عام، فقد تراجع مؤشر التوظيف في قطاع الخدمات إلى 50.1 من 51.0.

في المقابل، استقر مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع، الذي ظل دون 50 منذ منتصف عام 2022، عند 45.2 في نوفمبر، وهو أقل بقليل من توقعات الاستطلاع البالغة 45.3. كما تراجع مؤشر الناتج، الذي يغذي «مؤشر مديري المشتريات المركب»، إلى 44.5 من 45.1.

وأضاف دي لا روبيا: «لا يزال الوضع في قطاع التصنيع متدهوراً، فقد انخفض الناتج بوتيرة أسرع في ديسمبر الحالي مقارنة بأي وقت سابق من هذا العام، كما تراجعت الطلبات الواردة أيضاً».

وفي إشارة إلى استمرار تدهور الوضع، تواصل تراجع الطلب على السلع المصنعة في منطقة اليورو، فقد انخفض مؤشر الطلبات الجديدة إلى 43.0 من 43.4.

ومع ذلك، أظهرت البيانات تحسناً في التفاؤل العام، حيث ارتفع «مؤشر التوقعات المستقبلية المركب» إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر، مسجلاً 57.8 مقارنة بـ56.1 في الشهر السابق.

وفي فرنسا، انكمش قطاع الخدمات بشكل أكبر في ديسمبر، رغم تباطؤ وتيرة الانكماش، وفقاً لمسح تجاري أجرته «ستاندرد آند بورز غلوبال». وارتفع «مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات» التابع لمؤسسة «إتش سي أو بي» إلى 48.2 في ديسمبر من 46.9 في نوفمبر الذي سبقه، متجاوزاً بذلك توقعات المحللين التي كانت تشير إلى 46.7.

كما شهد القطاع الخاص الفرنسي الأوسع تحسناً طفيفاً، حيث ارتفع «مؤشر الناتج المركب لقطاع إدارة المشتريات» إلى 46.7 من 45.9، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 45.9. ومع ذلك، تراجع نشاط التصنيع إلى أدنى مستوى له في 55 شهراً عند 39.6 مقارنة بـ41.1 في الشهر السابق.

وفي هذا السياق، قال طارق كمال شودري، الخبير الاقتصادي في بنك «هامبورغ التجاري»: «يظل قطاع الخدمات في حالة من الغموض، وباستثناء مدة قصيرة خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس، فقد واجه مقدمو الخدمات صعوبة في تحقيق زخم للنمو».

وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى أن عدم الاستقرار السياسي، وضعف ظروف الطلب، كانا من أبرز التحديات التي ساهمت في انخفاض حاد بالتوظيف. وبيّن الاستطلاع أنه رغم التحسن الطفيف في ثقة الأعمال، فإن التوقعات لا تزال ضعيفة في ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي.

أما في ألمانيا، فقد تراجع التباطؤ الاقتصادي بشكل طفيف في ديسمبر، لكن نشاط الأعمال ظل في حالة انكماش للشهر السادس على التوالي. وارتفع «مؤشر مديري المشتريات الألماني المركب»، الذي أعدته «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 47.8 من 47.2 في نوفمبر، رغم أنه ظل في منطقة الانكماش. وكان المحللون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا قراءة تبلغ 47.8.

كما ارتفع مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات في ألمانيا إلى 51 خلال ديسمبر من 49.3 في نوفمبر، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 49.4. وفي هذا السياق، قال دي لا روبيا: «يمثل هذا التحسن في قطاع الخدمات توازناً جيداً مع تراجع الناتج الصناعي السريع، مما يبعث بعض الأمل في أن الناتج المحلي الإجمالي قد لا يكون قد انكمش في الربع الأخير من العام».

وكانت ألمانيا قد تفادت الركود الفني في الربع الثالث، لكن الحكومة تتوقع انكماش الناتج بنسبة 0.2 في المائة عام 2024 عموماً، مما يجعلها متخلفة عن بقية الاقتصادات العالمية الكبرى. وعانى الاقتصاد الألماني من تأثيرات ازدياد المنافسة من الخارج وضعف الطلب وتباطؤ الصناعة. بالإضافة إلى ذلك، أدى الخلاف حول الموازنة إلى إسقاط الائتلاف الثلاثي في البلاد، مما ترك أكبر اقتصاد في أوروبا في حالة من الغموض السياسي حتى الانتخابات المبكرة في فبراير (شباط) المقبل.

وقال دي لا روبيا: «لم يقدم قطاع التصنيع أي مفاجآت إيجابية في العطلات. هذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى الأخبار السلبية المستمرة حول الشركات التي تخطط لإعادة الهيكلة».

كما تدهور مؤشر التصنيع قليلاً، حيث انخفض إلى 42.5 من 43 في الشهر السابق، وظل بعيداً عن مستوى النمو. وكان المحللون يتوقعون زيادة طفيفة إلى 43.3.