العراق و«استحقاق أكتوبر الانتخابي» وسط رهانات الداخل والخارج

صالح يرسم صورة العراق المستقبلية... والكاظمي يفي بأهم تعهداته

العراق و«استحقاق أكتوبر الانتخابي» وسط رهانات الداخل والخارج
TT

العراق و«استحقاق أكتوبر الانتخابي» وسط رهانات الداخل والخارج

العراق و«استحقاق أكتوبر الانتخابي» وسط رهانات الداخل والخارج

قبل نحو أسبوع من أهم استحقاق انتخابي ينتظره العراق، يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، حرص الرئيس العراقي الدكتور برهم صالح على رسم صورة أرادها أن تكون واقعية، سواء لمستقبل بلاده أو مستقبل المنطقة. ففي الأسبوع الماضي، كان لصالح خطابان: الأول من على منصة الأمم المتحدة حيث ألقى كلمة العراق أمام الجمعية العامة للمنظمة في دورتها الـ76. والثاني مقابلة مع قناة «سي إن إن». وفي الخطابين كرر صالح آراءه وقناعاته، وكذلك مخاوفه وتحذيراته. وعرض أيضاً رؤى ومقاربات لكيفية بناء علاقات مستقبلية بين جميع دول المنطقة، لا سيما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وبدء الانسحاب من العراق. وفي غضون ذلك، سعى صديقه ورفيق دربه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للإيفاء بوعوده وتعهداته بشأن أهم استحقاق سياسي أجمع عليه الجميع بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، وهو الانتخابات المبكرة.
على صعيد الانتخابات المبكّرة، فإنها كانت أحد أهم المطالب التي تضمنتها مطالب مَن عُرفوا بـ«ثوار تشرين» شريطة تنظيمها في ظل قانون جديد يعتمد الدوائر المتعددة والفوز بأعلى الأصوات. وهو ما حصل بالفعل، مع تغيير مفوضية الانتخابات التي اختيرت من القضاة. وقبل ذلك كله أُقيلت حكومة عادل عبد المهدي، وأُتي بالكاظمي رئيساً للوزراء في «مرحلة انتقالية» أهم ما فيها التعهُّد بإجراء انتخابات مبكّرة، فضلاً عن الكشف عن قتلة المتظاهرين وحصر السلاح بيد الدولة. إلا أن الكتل السياسية التي قدّمت للكاظمي دعمها أثناء تكليفه بتشكيل الحكومة... تراجع معظمها عن دعمه تحت مختلف التبريرات. لكن الكاظمي واصل العمل بما توافر لديه من أدوات بفضل تأييد بعض القوى السياسية المؤمنة باستمرار مسار الدولة، حتى لو كانت لديها خلافات مع الحكومة وجهازها التنفيذي.
خلال فترة السنة ونصف السنة التي أمضاها مصطفى الكاظمي رئيساً لوزراء العراق، يمكن القول، طبقاً لأوصاف المراقبين السياسيين، إن هناك «تكاملاً» في الأداء بينه وبين رئيس الجمهورية. وفيما بدا أن الرجلين يتبادلان الأدوار في السياستين الخارجية والداخلية، فإن النتيجة التي انتهت بها الأوضاع، أكدت هذا «التكامل» لدى اتجاه البلاد إلى خوض الانتخابات قبل أيام على تحوّل الحكومة إلى «حكومة تصريف أعمال»، بعد حلّ البرلمان نفسه في السابع من الشهر الحالي.
لقد استقبل العراق في الشهر الثالث من هذا العام بابا الفاتيكان عبر حدث بدا استثنائياً شاهده العالم أجمع. ونجحت الزيارة، وكانت الترتيبات البروتوكولية متميزة حتى في طريقة الاستقبال والفعاليات بين رئيسي الجمهورية والوزراء. وخلال يونيو (حزيران) الماضي، استضاف العراق القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن التي بدت خطوة مهمة على صعيد إعادة العراق إلى محيطه العربي، بعد قطيعة طالت لأكثر من عقد ونصف العقد. ومع نهاية أغسطس (آب) الماضي، استضاف العراق أهم حدث إقليمي خلال السنوات الماضية، حين استضاف مؤتمر «بغداد للتعاون والشراكة»، الذي شاركت فيه دول الجوار العراقي فضلاً عن بعض الدول الإقليمية، بجانب فرنسا التي مثّلها رئيسها إيمانويل ماكرون. وعلى الأثر، ظهر الأداء العراقي مختلفاً مقارنة بالفترة الماضية، وبدا العراق مؤهلاً بالفعل للعب دور متميز في العلاقات الإقليمية والدولية خلال المرحلة المقبلة، وهي الأخطر في الشرق الأوسط.
الرئيس صالح حرص، عبر كلمته في الأمم المتحدة وفي مقابلته مع «سي إن إن»، على تحديد أهم المخاطر التي تواجهها المنطقة، والحلول التي تقترحها بغداد. وداخلياً، كما حاول صالح تقديم رؤى وتصورات لمستقبل المنطقة من دون التفكير بما إذا كان سيعود لدورة ثانية أم لا، استكمل الكاظمي كل مستلزمات إجراء الانتخابات، ومعها عقد الاتفاقيات مع الأشقاء والأصدقاء، من دون التفكير في أن عمر حكومته الافتراضي كحكومة انتقالية انتهى.
- رؤى وتصورات
قال برهم صالح من على منصة الأمم المتحدة إن «تحقيق السلام في المنطقة لن يتم من دون عراق آمن ومستقر بسيادة كاملة». وشدد على أن «إعادة العراق لدوره المحوري في المنطقة يستدعي دعماً إقليمياً ودولياً وإنهاء تنافسات وصراعات الآخرين على أرضنا».
ثم دعا صالح إلى «تشكيل تحالف دولي لمحاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، على غرار التحالف الدولي ضد الإرهاب»، مضيفاً إنه «لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بإنهاء الفساد بوصفه اقتصاداً سياسياً للعنف والإرهاب... فالفساد والإرهاب مترابطان ومتلازمان ومتخادمان، ويديم أحدهما الآخر».
وفي سياق رؤيته لطبيعة التحديات التي تواجه المنطقة اهتم رئيس الجمهورية بالتعبير عن طبيعة ما يواجه المنطقة التي هي باتت بأمس الحاجة «إلى التعاون والعمل على خطط بناء البنية التحتية وتوسيع ودمج اقتصاداتنا ومكافحة تغير المناخ، والعمل على تلبية متطلبات سكاننا من الوظائف وتعليم جيد ورعاية صحية أفضل، ولا يمكنك الانتظار حتى يقوم الآخرون بحل هذا من أجلنا، علينا أن نعمل عليها بأنفسنا. العراق كان ساحة للصراع الإقليمي والدولي بأموال العراقيين وأرواحهم، ويجب أن تنتهي هذه الحالة».
وفي مقابلته مع «سي إن إن»، رسم صالح صورة لمن يتصدى بعد الانتخابات لقيادة العراق قائلاً إن «عدد سكان العراق الآن 40 مليون نسمة، وفي 2050 سيصبح نحو 80 مليون نسمة، ونفس الحال مع كل دول المنطقة التي تشهد تزايداً في السكان. وقد لا نستطيع إيجاد الوظائف للأجيال القادمة إذا استمرت الديناميكية الحالية من الصراعات في المنطقة، وهذا ينطبق أيضاً على إيران والأردن ومصر وباقي الجيران».
- نسب المقاطعة والاقتراع
على صعيد آخر، في الانتخابات العراقية تجري المراهنة على نوعين من الجمهور، حسب طبيعة وموقف كل كتلة أو حزب سياسي؛ فثمة قوى وأحزاب تراهن على المشاركة العالية في الانتخابات المقبلة بوصفها الطريق الوحيد لتغيير المعادلة السياسية التي توقفت عند جمهور نسبته طوال الدورات البرلمانية الأربع الماضية ثابتة وتتراوح بين 20 و25 في المائة. بينما تراهن قوى وأحزاب على «تكلّم» الغالبية الصامتة من الناخبين التي تتعدى نسبتها 70 في المائة.
وبالعكس، طبقاً للخريطة السياسية العراقية منذ أول دورة برلمانية عام 2005، ترهن الكتل السياسية الحالية التي تتسيد المشهد السياسي، والأحزاب التي تمثلها، وجودها باستمرار النسب المتدنية من الاقتراع، أي أنه في حال بقيت النسبة بحدود 20 إلى 25 في المائة ستظل كبيرة فرص بقاء الكتل والزعامات الحالية (الشيعية والسنّية والكردية) ذاتها قائمة. وحتى بافتراض حصول تغيير، فإنه داخل الكتلة من المكوّن نفسه صعوداً أو نزولاً.
أما في حال تعدت نسبة الاقتراع حدود 30 أو40 أو 50 أو 60 في المائة، فإن الخربطة ستتبدل لجهة بروز قوى جديدة من شأنها تغيير المعادلة السياسية أو في الأقل إحداث شرخ كبير فيها لغير صالح الأحزاب المتنفذة. ولذا، بينما تسعى الأحزاب المتنفذة لضمان المقاطعة الجماهيرية حفظاً لوجودها، فإن القوى الداعمة للتغيير تعمل على المشاركة الجماهيرية الواسعة بوصفها السبيل الوحيد لإقصاء الأحزاب والكتل الحالية.
ومعلوم أن الانتخابات المبكرة أُقِرّت بناء على الحراك الجماهيري الذي أخذ تسميات عديدة، منها «انتفاضة تشرين» (أكتوبر) عام 2019 أو «تظاهرات تشرين» أو «ثورة تشرين»، فصار ممثلو هذا الحراك - الذي راح ضحيته نحو 600 قتيل وأكثر من 24 ألف جريح - يسمّون «التشارنة». وفي المقابل، لقّبت أحزاب السلطة المهيمنة على القرار السياسي في العراق المنتفضين بـ«الذيول» و«أبناء السفارات»، متهمة إياهم بالانتماء إلى الخارج، مع أن الشعار الوحيد الذي رفعه المتظاهرون في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية هو: «نريد وطناً». ثم إنه، رغم كل عمليات الخطف والاغتيالات والمطاردات التي مورست ضد المنتفضين، فإنهم تمكنوا من فرض معادلة جديدة تمثلت في إسقاط الحكومة السابقة (حكومة عادل عبد المهدي) وتغيير قانون الانتخابات من الدائرة الواحدة إلى الدوائر المتعددة، وكذلك مفوضية الانتخابات، بجانب إجبار السلطة على إجراء الانتخابات مبكرة.
ولقد وفر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي جاء على وقع تلك الاحتجاجات، الأرضية المناسبة لإجراء الانتخابات ومحاولة تسهيل عملية تغيير المعادلة السياسية، الأمر الذي دفع الكتل والأحزاب المتضررة من سياساته، إلى شن حملات إعلامية عليه وعلى فريقيه الحكومي والاستشاري، حاولت تحميلهم تبعات 18 سنة من الفشل المتراكم في العديد من المجالات والميادين.
- السيستاني يدعم التغيير
من ناحية أخرى، قبل أيام أعلنت المرجعية الشيعية العليا في النجف إنها ستعاود خطب الجمعة بدءًا من يوم أمس (الجمعة)، بعد توقف دام نحو سنتين نتيجة لتفشي وباء «كوفيد - 19». وكما فرح كثيرون بالقرار، فإنه قوبل بفتور من قبل عدد من القوى والأحزاب التي تدعي أنها تسير على خط المرجعية، لكنها لا تنفذ ما تطرحه من تعليمات أو إرشادات. وطبقاً لمراقبين، فإن السبب الذي جعل المرجعية تعيد خطبة الجمعة - قبل أسبوعين من الانتخابات - هو إدراكها أن الأحزاب والقوى التقليدية تعمل على زرع اليأس في نفوس المواطنين كي لا يتوجهوا إلى مراكز الاقتراع... بسبب خشية هذه القوى من خسارة مزيد من مقاعدها في مجلس النواب، وبالتالي نفوذها وامتيازاتها. لكن المفاجأة التي جاءت من النجف، ومن مرجعية السيد علي السيستاني بالذات، هي صدور تعليمات عن مكتبه، منذ يوم الأربعاء الماضي. وطبقاً للبيان الصادر عن المرجعية، فإنها «تشجّع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يُرجى أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي». وأضاف البيان أن «على الناخبين الكرام أن يأخذوا العِبَر والدروس من التجارب الماضية، ويعوا قيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فيستغلوا هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفؤة عن مفاصلها الرئيسة، وهو أمر ممكن إن تكاتف الواعون وشاركوا في التصويت بصورة فاعلة وأحسنوا الاختيار، وبخلاف ذلك فسوف تتكرر إخفاقات المجالس النيابية السابقة والحكومات المنبثقة عنها، ولات حين مندم».
كذلك أكدت المرجعية، كما قبيل الانتخابات الماضية، من أنها لا تساند أي مرشح أو قائمة انتخابية على الإطلاق، وأن الأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم. ونبّهت أيضاً إلى أهمية التدقيق في سِيَر المرشحين في دوائرهم الانتخابية كي لا ينتخبوا منهم إلا الصالح النزيه، الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره.
- أربيل... ومفاجأة التطبيع مع إسرائيل!
> بينما كانت أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، تتأهب للبدء باستقبال الوفود السياسية الوافدة إليها بعد إجراء الانتخابات المرشحة لرسم ملامح الخريطة السياسية المقبلة، شهدت المدينة عقد مؤتمر دعا للتطبيع مع إسرائيل.
المؤتمر الذي جرى الإعلان عنه بوصفه «مؤتمراً للتطبيع مع إسرائيل» عُقد في أحد فنادق المدينة، وضم نحو 300 شخصية، بمن فيهم نجل الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس، بدا مفاجئاً بكل المعايير. وفي حين أن وزارة الداخلية في إقليم كردستان أعلنت عدم علمها وموافقتها على عقد المؤتمر في أربيل، لكن البيان الختامي للمؤتمر، الذي دعا إلى التطبيع علناً، والانضمام إلى «اتفاقات إبراهيم» أثار ردود فعل غاضبة في بغداد.
بيان المؤتمر الختامي، الذي تلاه وسام الحردان رئيس «صحوة العراق»، وجّه طلباً للعراق عامة بالدخول في علاقات مع إسرائيل وشعبها. وبينما رحَّب وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، بدعوة تجمع عراقي للتطبيع مع بلاده، ووصف الحدث بأنه «يبعث على الأمل»، جاء رد الحكومة العراقية في بيان شديد اللهجة صادر عن مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وفيه رفضت بشدة مثل هذه المحاولات.
وجاء في البيان أن «الحكومة العراقية تعرب عن رفضها القاطع للاجتماعات غير القانونية، التي عقدتها بعض الشخصيات العشائرية المقيمة في مدينة أربيل بإقليم كردستان، من خلال رفع شعار التطبيع مع إسرائيل». وأردف أن «هذه الاجتماعات لا تمثل أهالي وسكان المدن العراقية العزيزة، التي تحاول هذه الشخصيات بيأس الحديث باسم سكانها، وأنها تمثل مواقف من شارك بها فقط، فضلاً عن كونها محاولة للتشويش على الوضع العام وإحياء النبرة الطائفية المقيتة، في ظل استعداد كل مدن العراق لخوض انتخابات نزيهة عادلة ومبكرة، انسجاماً مع تطلعات شعبنا وتكريساً للمسار الوطني الذي حرصت الحكومة على تبنيه والمسير فيه».
كذلك، ذكر البيان أن «طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستورياً وقانونياً وسياسياً في الدولة العراقية، وأن الحكومة عبّرت بشكل واضح عن موقف العراق التاريخي الثابت الداعم للقضية الفلسطينية العادلة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ورفض كل أشكال الاستيطان والاعتداء والاحتلال التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الشقيق».
من جهتها، أعلنت الرئاسة العراقية رفضها لمخرجات مؤتمر أربيل. وقال بيان رئاسي إنه «في الوقت الذي تؤكد فيه رئاسة الجمهورية موقف العراق الثابت والداعم للقضية الفلسطينية وتنفيذ الحقوق المشروعة الكاملة للشعب الفلسطيني، فإنها تجدد رفض العراق القاطع لمسألة التطبيع مع إسرائيل، وتدعو إلى احترام إرادة العراقيين وقرارهم الوطني المستقل».
وأضاف البيان الرئاسي: «تؤكد رئاسة الجمهورية أن الاجتماع الأخير الذي عُقد للترويج لهذا المفهوم لا يمثّل أهالي وسكان المدن العراقية، بل يمثّل مواقف من شارك بها فقط، فضلاً عن كونه محاولة لتأجيج الوضع العام واستهداف السلم الأهلي».
ودعت الرئاسة العراقية، من ثم، إلى «الابتعاد عن الترويج لمفاهيم مرفوضة وطنياً وقانونياً، وتمس مشاعر العراقيين، في الوقت الذي يجب أن نستعد فيه لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة تدعم المسار الوطني في العراق وتعيد لجميع العراقيين حياة حرة كريمة».
في أي حال، فإن مؤتمر أربيل عقّد المشهد السياسي كثيراً، لا سيما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني كان قد عقد عدة اتفاقيات مع زعامات شيعية من أجل التحالفات في فترة ما بعد الانتخابات، الأمر الذي قد يخلّف تداعيات بسبب استضافة أربيل - معقل بارزاني - لهذا المؤتمر، رغم إعلانها رفض تبني مخرجاته.
هذا، ولم يقف الأمر عند حد رفض كل الكتل والأحزاب والقيادات العراقية ما حصل في أربيل؛ إذ أصدر القضاء العراقي مذكرات قبض بحق عدد من المشاركين في المؤتمر - الذي حمل اسم «السلام والاسترداد» - ما دفع عدداً كبيراً من الشخصيات المشاركة فيه إلى التراجع والاعتذار. ولقد شملت حملة التنصّل من المؤتمر والتبعات الناجمة عنه النائب السابق في البرلمان العراقي، مثال الآلوسي، الذي كان أول سياسي ونائب عراقي يزور إسرائيل علناً بعد سنة تقريباً من سقوط النظام السابق بعد الغزو الأميركي للعراق. ولقد أصدر القضاء العراقي مذكرة قبض بحق الألوسي، بينما هو يقيم حالياً في ألمانيا لإجراء عملية جراحية، طبقاً لما أعلنه. ومع أن الآلوسي كرّر «إيمانه بالتطبيع ودعوته لإقامة علاقات مع إسرائيل»، فإنه نفى علاقته بأي حال من الأحوال بالمؤتمر المذكور.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»