نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية

أستاذة جامعية وإدارية تونسية «في خدمة الدولة»

نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية
TT

نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية

نجلاء بودن رمضان... أول رئيسة حكومة عربية

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيد غالبية المراقبين داخل تونس وخارجها بتعيين امرأة في الـ63 من عمرها رئيسة جديدة للحكومة بعد أكثر من شهرين من الجدل والصراعات، في أعقاب إبعاد حكومة هشام المشيشي وحل البرلمان وتعليق العمل بأغلب فصول الدستور بحجة تعرض البلاد لـ«خطر داهم». وكانت المفاجأة الثانية أن نجلاء بودن رمضان التي عُينت في هذا المنصب لم تكن ضمن قائمة المرشحات له، رغم تأكيد تقارير إعلامية كثيرة منذ شهرين أن «الخلف» المحتمل للمشيشي قد يكون سيدة. إذ توقع كثيرون أن تكون رئيسة الحكومة المقبلة الوزيرة نادية عكاشة، مديرة مكتب الرئيس وكبيرة مستشاريه في قصر قرطاج. وفي مطلق الأحوال، لم يكن يُعرف عن بودن الانخراط في الصفوف الأولى للحياة السياسية والشأن العام طوال مسيرتها العلمية والهندسية في المدرسة العليا للمهندسين، ثم منذ تعيينها في 2006 على رأس مسؤوليات في وزارة التعليم العالي.
بخلاف الغالبية الساحقة من رؤساء الحكومات الذين تداولوا على المنصب في تونس، منذ استقلال البلاد عن فرنسا في مارس (آذار) 1956، لا تنحدر نجلاء بودن رمضان من محافظات «الساحل» أو من العاصمة تونس، إذ إنها من أصيلات مدينة القيروان العريقة، العاصمة الأولى للبلاد ولكامل شمال أفريقيا والأندلس إبان العهدين الأموي والعباسي الأول.
وإذا تلتقي نجلاء بودن مع رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في كونها من أبناء الجهات الداخلية «المهمشة» مثل محافظات القيروان وسليانة وجندوبة، فإنها تختلف عنه اجتماعياً، كونها تنحدر من واحدة من أعرق وأغنى العائلات السابقة في القيروان، التي هاجرت إلى العاصمة أو إلى مدن منطقة «الساحل» التي ينحدر منها الرئيسان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ومعظم وزرائهما.
ومن ناحية أخرى، بودن أصيلة «قلب مدينة القيروان التاريخية، داخل الأسوار التاريخية، وليست من بنات أريافها الفقيرة أو أحيائها الشعبية». ثم إنها من عائلة حضرية ميسورة الحال نسبياً وليست من بنات القبائل والوافدين الذين أصبحوا غالبية السكان في المدينة وضواحيها بعدما توسعت أرجاؤها وتضاعف عدد سكانها عشرات المرات بفعل النزوح والهجرة. وأيضاً على المستوى الأسري، تزوجت نجلاء بودن بطبيب أصيل مدينة المهدية الساحلية السياحية، 180 كلم جنوبي العاصمة تونس، من عائلة رمضان.
- خريجة جامعات فرنسا
تعد نجلاء بودن واحدة من خريجات «مدرسة الزعيم الحبيب بورقيبة والدولة الحديثة»، عندما كان النجاح في المدارس العمومية شرطاً للدخول إلى جامعات العاصمة تونس والحصول على منحة دراسة في جامعة أوروبية. وبالفعل كانت نجلاء بودن واحدة من أبرز طالبات تونس المتألقات في «المدارس العليا الكبرى» الفرنسية للهندسة وعلوم المناجم بعد فوزها بمرتبة متقدمة في «المدارس التحضيرية لدخول كبرى الجامعات الفرنسية». ومن ثم، تخرجت نجلاء بالإجازة في الهندسة ثم حازت درجة الدكتوراه عام 1987 من جامعة فرنسية مرموقة متخصصة في علوم المناجم هي «الإيكول دي مين دو باريس».
هذه المؤهلات العلمية، إلى جانب الخبرة في الجامعات الفرنسية، أهلت بودن لأن تعين أستاذة في «المدرسة الوطنية للمهندسين» في «المركب الجامعي» الكبير في جامعة العاصمة تونس، وهي واحدة من جامعات النخبة في البلاد. ولقد حافظت الدكتورة بودن على موقعيها الأكاديمي والعلمي حتى 2006، وهو تاريخ تكليفها لأول مرة بمهمة إدارية وتعليمية بصفة مستشارة في ديوان وزير التعليم العالي وقتها والقيادي في الحزب الحاكم العميد الأزهر بوعون.
- مسؤولة «مخضرمة»
تابعت نجلاء بودن التدريس في المدرسة العليا للمهندسين المختصين في علوم المناجم والزلازل والمتغيرات الجغرافية، في الوقت الذي حافظت طوال السنوات الـ15 الماضية على منصب مستشارة بامتيازات مدير مركزي، أو مدير عام، مع كل وزراء التعليم العالي الذين تعاقبوا على الوزارة منذ عام 2006، بدءاً من عميدي كلية الحقوق السابقين الأزهر بوعون (2006 - 2010) والبشير التكاري (2010 - 2011). وأيضاً، بعد «ثورة يناير (كانون الثاني)» على حكم الرئيس بن علي 2011، وإسناد الحقيبة إلى وزراء من المعارضة السابقة بينهم أحمد إبراهيم، الزعيم السابق للحزب الشيوعي (حزب «التجديد» و«المسار» لاحقاً)، والمهندس المنصف بن سالم، القيادي في حزب «حركة النهضة» الإسلامي، والخبير التقني المستقل شهاب بودن، الذي يحمل اسمها العائلي نفسه وهو مثلها من مدينة القيروان وتخرج في جامعات فرنسية ثم عُين أستاذاً في «المدرسة الوطنية للمهندسين». ولقد عُين شهاب بودن وزيراً للتعليم العالي عام 2015 في الحكومة التي ترأسها المهندس الحبيب الصيد، وكانت في حينه ائتلافاً سياسياً بين حزبي «نداء تونس» بقيادة الباجي قائد السبسي و«حركة النهضة» بقيادة راشد الغنوشي وحزامهما البرلماني والسياسي.
في الواقع، تُعد نجلاء بودن من بين كوادر الدولة «المخضرمين» الذين تولوا مسؤوليات عليا في الدولة لسنوات عدة. وكلفت بملفات كثيرة للتعاون الدولي بين الوزارة ومؤسسات عالمية في عهد الوزيرة الحالية ألفة بن عودة صيود وسلفيها سليم خلبوص وتوفيق الجلاصي، اللذين عُينا بعد خروجهما من الوزارة في مؤسسات دولية خارج البلاد.
ولقد نوّه المؤرخ نور الدين الدقي، المدير العام السابق للتعليم العالي في الوزارة، خلال تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالخبرة العلمية والأكاديمية لـ«بودن»، مشدداً على خبراتها ومستعرضاً مناصبها التي شغلتها بكفاءتها، مديرة للتدريب في مدرسة المهندسين في 2004، ثم نائبة مدير، فمديرة ثم مستشارة بامتيازات مدير عام في مكاتب عدد من الوزراء قبل «ثورة 2011» وبعدها.
- استقلالية عن الأحزاب
في المقابل، في حين شكك البعض في فرص نجاح رئيسة الحكومة المعينة في تأدية مهمتها بسبب استقلاليتها عن الأحزاب الكبرى والنقابات المتحكمة في المشهد السياسي بتونس، ناهيك عن مؤسسات الدولة منذ 2011، أثنى عدد كبير من الحقوقيين والناشطات السياسيات على استقلاليتها. بل رأى هؤلاء في هذه الاستقلالية الميزة و«الورقة الرابحة» التي راهن عليها الرئيس قيس سعيد المستقل بدوره عن كل الأحزاب عند اختيارها.
وفي هذا السياق، شبّهت كلثوم كنو، رئيسة جمعية القضاة السابقة، رئيسة الحكومة المعينة بالمستشارة الألمانية المودعة أنجيلا ميركل... مع التذكير بتشابه الأسماء والأحرف بين «نجلاء» و«أنجيلا»... وسارت في هذا المنحى عديد صفحات المواقع الاجتماعية التي أطلقت حملة «نجلاء التونسية تخلف أنجيلا الألمانية».
من جانب ثانٍ يجمع مؤيدو نجلاء بودن وخصومها على أن كفاءتها العلمية والمهنية وحيادها السياسي والحزبي واستقلاليتها حقائق تفسر وتؤكد نجاحها في مسيرتها الإدارية رغم التغيرات وإبعاد عدد من المسؤولين السابقين في الوزارة والدولة بعد 2011، وهنا تحدث شكري النفطي، المستشار السابق لوزير التعليم العالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن «السمعة الطيبة» التي تحظى بها نجلاء بودن وبما عُرفت به من «مثابرة في العمل صباحاً ومساءً»، وهو ما فسّر تكليفها برئاسة قطاعات استراتيجية في قطاعات التعليم العالي والبحث العلمي والتعاون الدولي، من بينها: «مراقبة الجودة» وتنفيذ مشاريع إصلاح التعليم العالي والشراكة مع المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو»، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، وهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، والمركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل.
وفي الاتجاه ذاته، تكلم عدد من زملاء الرئيسة المعينة السابقين في ديوان وزارة التعليم العالي لـ«الشرق الأوسط»، منهم المدير العام للتعليم العالي نور الدين الدقي، ومدير عام ديوان قطاع الخدمات الجامعية سعيد بحيرة، وبالأخص، عن التزامها و«مثابرتها على العمل من دون كلل من الثامنة صباحاً إلى الثامنة مساءً».
- خبرة دولية
وفضلاً عما تقدم، ووفق شهادات عدد من الوزراء والمسؤولين السابقين في وزارة التعليم العالي ممن عملوا مع نجلاء بودن قبل مفصل 2011 وبعده، مما يميز رئيسة الحكومة المعينة إتقانها اللغات الأجنبية وبطلاقة، خاصة الفرنسية والإنجليزية، وهو ما أهّلها لأن تُعين على رأس قطاع العلاقات مع البنك الدولي والمؤسسات الأجنبية المعنية بالشراكة مع تونس في العديد من القطاعات مثل التربية والتعليم، والبحث العلمي، والتدريب. مع أن هذا الاختصاص دفع عدداً من خصومها ومعارضي تعيينها إلى شن حملة ضدها في المواقع الاجتماعية. كذلك، شنّت بعض المجموعات التي تصف نفسها بـ«المستقلة» حملة ضدها، متهمة إياها بسوء التصرف في منحة حصلت عليها الوزارة سابقاً من البنك الدولي قيمتها 60 مليون دولار أميركي (أي نحو 180 مليون دينار تونسي) بهدف تحسين مستوى التعليم والدراسات في جامعات تونس!
وذهب أشرف العيادي، رئيس منظمة «أنا يقظ»، غير الحكومية التونسية المدعومة مالياً من مؤسسات أميركية وأوروبية، إلى حد الكلام عن «وجود ملف تحقيق ضد نجلاء بودن» في تلميح عن «شبهة فساد» مزعومة. وكانت تقارير هذه المنظمة تسببت سابقاً في إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ عام 2020 بعدما اتهمته بالتورط في «شبهة تضارب مصالح». وادعى العيادي أن رئيسة الحكومة المعينة شخصية «لقيت دعماً من قِبل السيدة الأولى حرم رئيس الجمهورية القاضية إشراف شبيل سعيد رغم معارضة محيط الرئيس». وأعرب عن «تخوفه» من أن يكون مصيرها مثل مصير رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي الذي عُزل بعد «الإجراءات الاستثنائية» التي قررها الرئيس التونسي يوم 25 يوليو (تموز) الماضي، رغم الدعم القوي الذي لقيه أول الأمر من قبل قصر قرطاج عند تعيينه وزيراً للداخلية، ثم رئيساً للحكومة.
- وزيرة أم رئيسة حكومة؟
في المقابل، إلى جانب تنويه عدد من خصوم الرئيس سعيد وأنصاره بقراره تعيين نجلاء بودن على رأس الحكومة، فإنهم تساءلوا عما إذا كان سيسمح لها بأن تلعب دور «رئيس الحكومة» حسب الصلاحيات التي ينص عليها دستور البلاد الصادر في 2014، أم ستكون مجرد «وزيرة أولى» في «فريق حكومي» يرأسه رئيس الجمهورية شخصياً، حسب المرسوم 117 الذي أصدره يوم 22 سبتمبر (أيلول) الماضي.
إذ قال وليد الجلاد، البرلماني والقيادي في حزب «تحيا تونس»، إن رئيسة الحكومة المعينة «شخصية جامعية محترمة سبق أن كرمها من قبل الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي»، لكنه استطرد قائلاً: «... ولكن لا بد من التراجع عن المرسوم 117 الذي جعل من رئيس الدولة رئيساً فعليا للحكومة، وألغى الفصل بين السلطات والسلطة الرقابية للسلطة التشريعية المنتخبة على الحكومة والسلطة التنفيذية». كذلك رحب غازي الشواشي، زعيم حزب «التيار الديمقراطي» المعارض، بتعيين امرأة رئيسة للحكومة، ولكن مع مطالبة الرئيس سعيد بالتراجع عن المرسوم 117 وعن كل القرارات التي ألغت دور البرلمان والمؤسسات المنتخبة والدستور.
وفي المقابل، مع ثناء الوزير السابق والقيادي المنشق عن «حركة النهضة» سمير ديلو على مبدأ تعيين امرأة على رأس الحكومة، فإنه أعرب عن «أسفه» لأن هذه الخطوة جاءت في مرحلة تواجه فيها كل مؤسسات الدولة أزمة شرعية قانونية ودستورية «داخلياً وخارجيا» منذ القرارات الرئاسية الصادرة يوم 22 سبتمبر الماضي.
هذا، بينما وقع عشرات من أعضاء البرلمان الذي علق الرئيس التونسي أشغاله، لوائح تطالب بـ«استئناف العمل البرلماني والمسار الديمقراطي» في رد على هذه القرارات، رحّب أعضاء في الكونغرس الأميركي وسياسيون أوروبيون بارزون بتعيين بودن. إلا أن هؤلاء اعتبروا في تصريحات جديدة أن نجاحها مشروط بمعالجة الملفات الاقتصادية الاجتماعية المتراكمة وبأن تكون الحكومة «خاضعة لرقابة مؤسسة تشريعية منتخبة». فهل يؤدي تعيين حكومة نجلاء بودن إلى إخراج تونس من أزمتها... أم يعمق الأزمات المتراكمة منذ سنوات؟



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.