أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

بالتوازي مع القلق الجماعي من الصعود الصيني

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان
TT

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

منذ استيلاء جماعة «طالبان» على السلطة في أفغانستان وانسحاب القوات الأميركية السريع من البلاد، وتوقيع اتفاقية الدفاع الثلاثي التي عُرِفت باسم «أوكوس»، ساد التوتر البيئة الإقليمية والدولية، وأصبحت غير ودية وغير موثوق بها ويتعذر التنبؤ بتطورات أحداثها.
ثم إنه مع تكشف حقائق جيوسياسية وجغرافية اقتصادية جديدة، تحولت الهند الآن إلى عنصر محوري في الشبكة الناشئة من التحالفات المتغيرة في المنطقة. وتحمل هذه الديناميكيات المتغيرة فرصاً مهمة لنيودلهي، في ظل صياغة تحالفات جديدة. وربما لذلك، اختار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القيام بجولة داخل الولايات المتحدة وعبر أرجاء الأمم المتحدة، لشعوره بمدى أهمية كل اجتماع تعقده المنظمة الأممية، إلا أن مودي واجه جملة من التحديات في ظل الاجتماعات مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين وقادة الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم «كواد»، وأيضاً كبار رجال الأعمال الأميركيين، بجانب إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدد من الفعاليات الأخرى.
جدير بالذكر أنه خلال فترة توليه رئاسة الحكومة الهندية، زار مودي الولايات المتحدة سبع مرات خلال سبع سنوات: 2014 و2015 و(مرتين عام 2016) و2017 و2019 و2021. والتقى ثلاثة رؤساء مختلفين (باراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن، الذي التقاه كذلك عندما كان نائباً للرئيس). ومع ذلك، حظيت هذه الزيارة باهتمام خاص. وفيما يتعلق بمودي، قد يكون هذه واحدة من أهم التي سيطرت على ذهنه خلالها مخاوف المتعلقة بالأمن، لكن يبدو أن المناقشات تحولت نحو التهديدات الأمنية غير التقليدية التي كانت هي الأخرى على جدول الأعمال.
تفاعلت القوى العالمية مع التطورات الأخيرة في أفغانستان بصور مختلفة، ويبدو أن باكستان والصين وتركيا على وجه التحديد تتخذ مساراً مغايراً لباقي القوى. وكانت روسيا هي الأخرى في التكتل ذاته الداعم لحركة «طالبان»، إلا أنه كما يبدو بدلت موقفها بعد اتصال هاتفي جرى بين الزعيم الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بل كان من اللافت والاستثنائي أن يصل ممثلون عن وكالات الأمن والاستخبارات من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا إلى نيودلهي في وقت واحد؛ إذ استضاف مستشار الأمن الوطني الهندي، أجيت دوفال، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، وكذلك نيكولاي باتروشيف من الاستخبارات الروسية، وريتشارد مور من الاستخبارات البريطانية (إم آي 6)، ومع أي من الدول المشاركة أعلنت عن عقد هذه الاجتماعات، أكدت مصادر مطلعة جلوس مسؤولين روس وأميركيين معاً بوساطة الهند.
مثل هذا الاجتماع غير مسبوق، وهو يشير إلى مدى جدية رد فعل هذه القوى تجاه الأزمة الأفغانية، والدور المهم الذي تضطلع به الهند بجمعها الروس والأميركيين معاً. ومن بين الأمور التي تثير قلق واشنطن، الثروة المعدنية الهائلة وغير المستغَلّة عند أفغانستان، وبالتأكيد، لن يروق لواشنطن أن ترى هذه الثروة في يد الصين. ومن جانبها، لا ترغب روسيا هي الأخرى في ازدياد هيمنة الصين في المنطقة، ذلك أن أي صعود صيني في أفغانستان سيعني تمدّداً أكبر لـ«التنين الأصفر» داخل آسيا الوسطى، التي تمس حدودها سيبيريا الروسية، وهي منطقة شاسعة تتطلع الصين إلى الهيمنة عليها. وفي هذا السياق، من جهته، أعرب راجيف شارما، الدبلوماسي الهندي السابق في أفغانستان، عن اعتقاده بأن الصين، التي أعلنت عن حزمة مساعدات بقيمة 31 مليون دولار أميركي للنظام الجديد في كابل، كانت بمثابة المشكلة الأساسية في اجتماع قادة الوكالات الاستخباراتية من الدول الثلاث.
- الأهمية المحورية لـ«كواد»
ستظل النتائج الاستراتيجية لنشاط ناريندرا مودي المزدوج في واشنطن ملموسة لفترة طويلة، والمقصود هنا اجتماعه بالرئيس الأميركي جو بايدن، قبل مشاركته الشخصية لأول مرة في قمة «كواد» بمشاركة رئيسي وزراء أستراليا واليابان. واللافت هنا أنه جرى إغفال ذكر الصين في البيانين الصادرين عن الاجتماعين؛ إذ أشارت كل البيانات الافتتاحية التي أدلى بها الرئيس ورؤساء الوزراء المشاركون في قمة «كواد» إلى أنه جرى الدفع بالجانب الأمني إلى أولوية متأخرة، في إطار المناقشات التي دارت.
وفي هذا الصدد، أشار الكاتب الصحافي الهندي براتاب بانو ميهتا إلى أن «تعزيز وحدة الصف داخل (كواد) محور سياسي مهم في خضم جهود إعادة تشكيل النظام الآسيوي. وفيما يخص الولايات المتحدة، فإن ذلك يشير إلى التزامها بالبقاء على اتصال مع المحيطين الهندي والهادي، وقيادة جهود تتميز بدرجة أكبر من التنسيق لاحتواء الصين. أما بالنسبة للهند، فإن الإشارة السياسية الكبرى من وراء ذلك أنها مستعدة لأن تكون جزءاً من مجموعة ستحرم الصين من فرصة قلب ما تعتقد هذه المجموعة أنه نظام عالمي قائم على مبادئ الديمقراطية، ومنطقة محيطين هندي وهادي تتميز بالحرية والانفتاح. أما فيما يتعلق بأستراليا، فإنها إشارة واضحة على أنها قد حسمت موقفها، إذ إن التحركات القوية من جانب الصين لم يترك خياراً آخر لهذه الدول».
وللعلم، تعد مجموعة «كواد» جزءاً من إعادة ترتيب الهيكل الأمني في آسيا. والمعتقد أن المجموعة ستتخذ توجهاً أكثر تصادمية، مع كل ما يحمله هذا من مخاطر. ولكن في غمرة الابتهاج بهذه الإشارات السياسية حول هذه التجربة الجديدة «لا يجوز إغفال حقائق مهمة، أبرزها أن (كواد) وُلدت على خلفية تناقض وفشل ذريع، بجانب الصعود الصيني. وبالتالي، سيتعين على (كواد) التغلب على ظلال هذه الإخفاقات»، حسب ميهتا.
ومع ذلك، فإن الوجود المتزامن لرؤساء استخبارات دول «كواد» في واشنطن، وبدء المجموعة في العمل المشترك بمجال التكنولوجيا الناشئة يشير إلى أن الصين كانت دوماً في أذهان المشاركين.
من ناحيته، أشار الكاتب سيما غوها إلى أن «القمة الأولى لقادة (كواد) تحمل رمزية هائلة، خاصة بالنسبة لرئيس الوزراء مودي، لأن هذا جاء بالتزامن مع اجتماعه مع الرئيس بايدن. والمعروف أن مجموعة (كواد) تركز على منطقة المحيطين الهندي والهادي، وليس لأي الدول الثلاث الأخرى حدود طويلة مع الصين كحال الهند التي تشترك مع الصين بحدود تمتد لمسافة 3488 كلم. وفي حين تتمتع أستراليا بحماية المظلة النووية الأميركية، كما خدم التحالف الأمني بين الولايات المتحدة واليابان كلا البلدين على نحو جيد منذ الحرب العالمية الثانية، تظل هناك مخاوف إزاء الدخول في تحالف وثيق مع الولايات المتحدة... التي من الطبيعي أن تسعى لتعزيز مصالحها الخاصة. وهذا أمر تجلّى تماماً في ضوء خروجها الفوضوي من أفغانستان بنحو يكاد يتعذر تصديقه. وبالتالي، تقديمها البلاد إلى (طالبان) على طبق من فضة». وهنا يتساءل غوها: «هل يمكن بعد الآن الوثوق بالولايات المتحدة؟ لقد كانت حكومة أشرف غني دونما شك فاسدة وتفتقر إلى الكفاءة، ومع ذلك تظل الحقيقة أن إبقاءها خارج اتفاق السلام مع (طالبان) وإطلاق سراح 500 من سجناء (طالبان) المتشددين كان خطوة تفتقر إلى الحكمة». بل ويذهب الدبلوماسي الهندي السابق نافتيج سإرنا، الذي أمضى ثلاث سنوات في الولايات المتحدة قبل التقاعد، أبعد ليقول «اليوم، يدفع المدنيون الأفغان، خاصة النساء، ثمن هذه السياسة (الأميركية) المعيبة.
- بين «كواد» و«أوكوس»
من جهة ثانية، سعت الهند لفصل دورها داخل «كواد» عن شراكة «أوكوس» المعلنة قريباً بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. والمؤكد أن بناء أسطول أسترالي من الغواصات النووية في إطار «أوكوس» سيحمل دلالات إيجابية ومهمة فيما يخص الحسابات الاستراتيجية الهندية داخل منطقة المحيطين الهندي والهادي. وحول هذا الأمر شرح سارنا: «الوقت الحالي مناسب كي تسعى الهند بسرعة نحو تعميق المبادرات التعاونية مع الولايات المتحدة لضمان حصولها على عتاد المستقبل، مثل الطائرات من دون طيار (المسيّرات) وأشباه الموصلات والألواح الشمسية المتخصصة، والتعاون مع دول (كواد) بنشاط من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي. وتُعدّ هذه الاستراتيجية المثلى للمضي قدماً عبر النظام البيئي العالمي المقلقل الذي تجد نفسها اليوم فيه».
ومن التطورات الأخرى الإيجابية، إعادة المجموعة التأكيد على رغبتها في العمل مع الشركاء ذوي التفكير المماثل. ومع التأكيد على محورية منظمة «آسيان»، اختارت القوى الأربع كذلك التأكيد على دعم استراتيجية التعاون الجديدة التي أعلنها الاتحاد الأوروبي مع دول منطقة المحيطين الهندي والمحيط الهادي. وفتحت هذه الوثيقة الجديدة آفاقاً جديدة من خلال تنديدها مباشرة بالإجراءات الصينية في بحر الصين الجنوبي وانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم سنكيانغ - ويغور. أيضاً، وتدعو الاستراتيجية الجديدة إلى شراكات موسعة مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاستراتيجية الاقتصادية مع مجموعة من الشركاء الجدد، مثل الهند وكوريا الجنوبية. ومع هذا التقارب في المصالح، نتوقع المزيد من التعاون بين مجموعة «كواد» والاتحاد الأوروبي في المنطقة.
«كواد» أعلنت أيضاً عن تشكيل مجموعة لتنسيق البنية التحتية لتوجيه استثمارات البنية التحتية للمجموعة بشكل أفضل داخل البلدان النامية. ويشير هذا التطور إلى أن «كواد» عقدت العزم بالفعل على إنهاء التردد والصمت الذي اتسمت به استجابتها حتى الآن لـ«مبادرة الحزام والطريق» الصينية. ومن خلال إنشاء آلية التنسيق هذه، أظهرت «كواد» جاهزيتها لتوفير وضع رأس المال الاستثماري والسياسي المطلوب للتنافس مع مبادرات تطوير البنية التحتية العملاقة التي تطرحها الصين.
- «منظمة شنغهاي للتعاون»
أخيراً، وقبل أيام قلائل من مغادرة مودي نيودلهي متجهاً إلى الولايات المتحدة، وجَّه رئيس الوزراء الهندي كلمة إلى أعضاء «منظمة شنغهاي لتعاون»، الذين يضمون رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والرئيس الصيني شي جينبينغ. وكان هذا الاجتماع العشرين لقيادات الدول الأعضاء، الذي انعقد على خلفية عدد من التطورات الإقليمية والعالمية الرئيسية. كذلك كانت هذه المرة الأولى التي يلتقي مودي وجينبينغ وجهاً لوجه، وإن على نحو افتراضي، منذ حالة التأزُّم بين قوات البلدين على طول «خط السيطرة الفعلية»، في مايو (أيار). ولقد وجه مودي انتقادات إلى الصين، معتبراً أن تعزيز الترابط بين دول المنظمة يستدعي «أن نمضي قدماً مع مراعاة احترام سيادة بعضنا البعض وسلامته الإقليمية».
ومن دون ذكر باكستان بالاسم، وجه مودي توبيخاً لزعيمها عمران خان «لسعيه إلى طرح قضايا ثنائية (مثل كشمير) أمام منظمة شنغهاي للتعاون».
- مودي يرسل من نيويورك إشارات وتحذيرات إلى باكستان
> حمّل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الخطاب، الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، رسالة موجهة بوضوح إلى باكستان، قال فيها: «من الضروري للغاية ضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية لنشر الإرهاب والأنشطة الإرهابية»، ومن ثم أعرب الزعيم الهندي القومي اليميني عن مخاوف الهند بخصوص أفغانستان. واللافت أنه تطرق في كلمته «إلى تفاقم التفكير الرجعي والتطرف في العالم»... واستطرد: «في ظل هذه الظروف، يتعيّن على العالم بأسره أن يجعل التفكير العلمي والعقلاني والتقدمي أساس برامجهم التنموية»، معرباً عن اعتقاده بأن التقدم الاجتماعي والتكنولوجي يساعد في التغلب على الآيديولوجيات المتطرفة.
من ناحية، صرح اللفتنانت جنرال متقاعد من الجيش الهندي سيد عطا حسنين بأن «واحدة من أكبر الأفكار التي طرحتها الهند في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، العزلة الكاملة لباكستان على المسرح العالمي. وعلى مدار فترة طويلة، لعبت باكستان عن طيب خاطر دور المنطقة العازلة الغربية للحد من الطموحات الإقليمية للهند». وحسب كلام حسنين «انتهت اللعبة الكبرى أخيراً، تاركة إسلام آباد للتعامل مع شياطين الإرهاب التي أثارتها. ولقد أشارت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (وهي هندية الأم) نفسها إلى ملاذات الإرهاب في باكستان أثناء لقائها مع مودي، ما يشير إلى تغيُّر المزاج العام في واشنطن. ومن المحتمل أن تكون جولة مودي قد حققت كل ذلك بكثير من البراعة والشعور بالتوازن»، وفق تعبير الجنرال الهندي.
- أضواء على حقيقة الخلاف حول «أوكوس»
> وقعت أستراليا والمملكة المتحدة (بريطانيا) والولايات المتحدة اتفاقية عسكرية عرفت باسم «أوكوس» (الأحرف الأولى من أسماء الدول الثلاث AUKUS)، التي بمقتضاها ستبني أستراليا أسطولاً من الغواصات النووية بمعاونة الدولتين الأخريين. وهذا ما أدى إلى إلغاء عقد كانت أستراليا قد وقَّعته مع فرنسا لشراء غواصات تقليدية، الأمر الذي أشعل خلافاً مع فرنسا التي شكت من أن الاتفاقية أُبرمت من وراء ظهرها، وأن حليفاً رئيسياً في «ناتو» (حلف شمال الأطلسي) لا تجوز معاملته بمثل هذه «القسوة».
وبينما كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على وشك الصعود للطائرة التي ستقله إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماع «كواد» والجمعية العامة للأمم المتحدة، تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تناول خلاله تعزيز التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وكذلك تعزيز الاستقلال الاستراتيجي للهند، وفق بيان من مكتب ماكرون. ونظر مراقبون إلى هذه المكالمة على أنها رسالة من قبل فرنسا الغاضبة، التي لطالما اعتبرتها الهند لفترة طويلة شريكاً استراتيجياً جديراً بالاعتماد عليه، موجهة إلى واشنطن وغيرها ممن يعتبرون الهند أحد أهم شركائهم في منطقة المحيطين الهندي والهادي. كذلك رأوا فيها تعبيراً عن استياء باريس من استبعادها من اتفاقية «أوكوس»، رغم الوجود الفرنسي القوي في المنطقة.b ومن جانبه، دعم الاتحاد الأوروبي الموقف الفرنسي، مؤكداً على أن منطقة المحيطين الهندي والهادي بحاجة لمزيد من التعاون و«قدر أقل من التشرذم».
السؤال المطروح هنا هو: إذا كان من الممكن التعامل مع فرنسا على هذا النحو، فكيف سيكون الحال مع شركاء أقل أهمية، مثل الهند؟
وكيل وزارة الخارجية الهندي السابق كانوال سيبال قال معلقاً: «شعارنا التعامل مع الإيجابيات وحماية مصالح الهند بأفضل ما نستطيع». ويقر سيبال بأن كون دولة ما صديقة لواشنطن يحمل مزايا كثيرة. وعلى سبيل المثال، فإن الاتفاق النووي المدني المُبرم بين الهند والولايات المتحدة عام 2006 أنهى اعتبار الهند دولة منبوذة نووياً، وسمح لها بخيار التجارة النووية، والوصول إلى أحدث التقنيات. لكنه، مع ذلك، نبه إلى ضرورة أن تحتاط الهند إزاء رهاناتها والتأكد من أن لديها خيارات أخرى. ويشار هنا إلى أنه سيجري نشر ثماني غواصات نووية أسترالية في مياه المحيطين الهندي والهادي بمقتضى اتفاقية «أوكوس»، وذلك بهدف احتواء الصين بصورة أساسية.
ورغم امتلاك الصين صواريخ تمكّنها من استهداف سفن السطح الأميركية، فإنه لم نجح بعد في تطوير تقنية قادرة على التصدّي للغواصات داخل المياه العميقة.
وفي هذا الشأن يوضح وكيل وزارة الخارجية هارش شرينغلا قائلاً: «تختلف (كواد) و(أوكوس) في طبيعتيهما، ذلك أن (كواد) مجموعة متعددة الأطراف من البلدان ذات الرؤية والقيم المشتركة. كما أن لدينا أيضاً رؤية مشتركة تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادي وضرورة العمل على جعلها منطقة تتميز بالشفافية والانفتاح والشمول». أما سلفه الوكيل السابق كانوال سيبال، فيعتقد أنه «في الوقت الحالي، لن تكون الهند رافضة لـ(أوكوس)، بل ستنظر إليها باعتبارها قوة مضاعفة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وإن أي تحرك لاحتواء الصين يمثل خطوة مرحب بها. كما أن اليابان، عضو (كواد) التي تدخل في نزاعات بين الحين والآخر مع الصين، راضية بالتأكيد عن الاتفاق الجديد».
ومعلوم أن نيودلهي تعتمد على تأكيدات واشنطن بأن «أوكوس» لن تتداخل مع «كواد»، ثم إنها تعي جيداً الثقل الأميركي والمكاسب الاقتصادية المترتبة على الدخول معها في علاقات وثيقة. وكذلك، يمكن لنيودلهي أن تضطلع بدور إيجابي في الأزمة الدبلوماسية المتعلقة بـ«أوكوس».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.