أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

بالتوازي مع القلق الجماعي من الصعود الصيني

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان
TT

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

منذ استيلاء جماعة «طالبان» على السلطة في أفغانستان وانسحاب القوات الأميركية السريع من البلاد، وتوقيع اتفاقية الدفاع الثلاثي التي عُرِفت باسم «أوكوس»، ساد التوتر البيئة الإقليمية والدولية، وأصبحت غير ودية وغير موثوق بها ويتعذر التنبؤ بتطورات أحداثها.
ثم إنه مع تكشف حقائق جيوسياسية وجغرافية اقتصادية جديدة، تحولت الهند الآن إلى عنصر محوري في الشبكة الناشئة من التحالفات المتغيرة في المنطقة. وتحمل هذه الديناميكيات المتغيرة فرصاً مهمة لنيودلهي، في ظل صياغة تحالفات جديدة. وربما لذلك، اختار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القيام بجولة داخل الولايات المتحدة وعبر أرجاء الأمم المتحدة، لشعوره بمدى أهمية كل اجتماع تعقده المنظمة الأممية، إلا أن مودي واجه جملة من التحديات في ظل الاجتماعات مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين وقادة الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم «كواد»، وأيضاً كبار رجال الأعمال الأميركيين، بجانب إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدد من الفعاليات الأخرى.
جدير بالذكر أنه خلال فترة توليه رئاسة الحكومة الهندية، زار مودي الولايات المتحدة سبع مرات خلال سبع سنوات: 2014 و2015 و(مرتين عام 2016) و2017 و2019 و2021. والتقى ثلاثة رؤساء مختلفين (باراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن، الذي التقاه كذلك عندما كان نائباً للرئيس). ومع ذلك، حظيت هذه الزيارة باهتمام خاص. وفيما يتعلق بمودي، قد يكون هذه واحدة من أهم التي سيطرت على ذهنه خلالها مخاوف المتعلقة بالأمن، لكن يبدو أن المناقشات تحولت نحو التهديدات الأمنية غير التقليدية التي كانت هي الأخرى على جدول الأعمال.
تفاعلت القوى العالمية مع التطورات الأخيرة في أفغانستان بصور مختلفة، ويبدو أن باكستان والصين وتركيا على وجه التحديد تتخذ مساراً مغايراً لباقي القوى. وكانت روسيا هي الأخرى في التكتل ذاته الداعم لحركة «طالبان»، إلا أنه كما يبدو بدلت موقفها بعد اتصال هاتفي جرى بين الزعيم الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بل كان من اللافت والاستثنائي أن يصل ممثلون عن وكالات الأمن والاستخبارات من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا إلى نيودلهي في وقت واحد؛ إذ استضاف مستشار الأمن الوطني الهندي، أجيت دوفال، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، وكذلك نيكولاي باتروشيف من الاستخبارات الروسية، وريتشارد مور من الاستخبارات البريطانية (إم آي 6)، ومع أي من الدول المشاركة أعلنت عن عقد هذه الاجتماعات، أكدت مصادر مطلعة جلوس مسؤولين روس وأميركيين معاً بوساطة الهند.
مثل هذا الاجتماع غير مسبوق، وهو يشير إلى مدى جدية رد فعل هذه القوى تجاه الأزمة الأفغانية، والدور المهم الذي تضطلع به الهند بجمعها الروس والأميركيين معاً. ومن بين الأمور التي تثير قلق واشنطن، الثروة المعدنية الهائلة وغير المستغَلّة عند أفغانستان، وبالتأكيد، لن يروق لواشنطن أن ترى هذه الثروة في يد الصين. ومن جانبها، لا ترغب روسيا هي الأخرى في ازدياد هيمنة الصين في المنطقة، ذلك أن أي صعود صيني في أفغانستان سيعني تمدّداً أكبر لـ«التنين الأصفر» داخل آسيا الوسطى، التي تمس حدودها سيبيريا الروسية، وهي منطقة شاسعة تتطلع الصين إلى الهيمنة عليها. وفي هذا السياق، من جهته، أعرب راجيف شارما، الدبلوماسي الهندي السابق في أفغانستان، عن اعتقاده بأن الصين، التي أعلنت عن حزمة مساعدات بقيمة 31 مليون دولار أميركي للنظام الجديد في كابل، كانت بمثابة المشكلة الأساسية في اجتماع قادة الوكالات الاستخباراتية من الدول الثلاث.
- الأهمية المحورية لـ«كواد»
ستظل النتائج الاستراتيجية لنشاط ناريندرا مودي المزدوج في واشنطن ملموسة لفترة طويلة، والمقصود هنا اجتماعه بالرئيس الأميركي جو بايدن، قبل مشاركته الشخصية لأول مرة في قمة «كواد» بمشاركة رئيسي وزراء أستراليا واليابان. واللافت هنا أنه جرى إغفال ذكر الصين في البيانين الصادرين عن الاجتماعين؛ إذ أشارت كل البيانات الافتتاحية التي أدلى بها الرئيس ورؤساء الوزراء المشاركون في قمة «كواد» إلى أنه جرى الدفع بالجانب الأمني إلى أولوية متأخرة، في إطار المناقشات التي دارت.
وفي هذا الصدد، أشار الكاتب الصحافي الهندي براتاب بانو ميهتا إلى أن «تعزيز وحدة الصف داخل (كواد) محور سياسي مهم في خضم جهود إعادة تشكيل النظام الآسيوي. وفيما يخص الولايات المتحدة، فإن ذلك يشير إلى التزامها بالبقاء على اتصال مع المحيطين الهندي والهادي، وقيادة جهود تتميز بدرجة أكبر من التنسيق لاحتواء الصين. أما بالنسبة للهند، فإن الإشارة السياسية الكبرى من وراء ذلك أنها مستعدة لأن تكون جزءاً من مجموعة ستحرم الصين من فرصة قلب ما تعتقد هذه المجموعة أنه نظام عالمي قائم على مبادئ الديمقراطية، ومنطقة محيطين هندي وهادي تتميز بالحرية والانفتاح. أما فيما يتعلق بأستراليا، فإنها إشارة واضحة على أنها قد حسمت موقفها، إذ إن التحركات القوية من جانب الصين لم يترك خياراً آخر لهذه الدول».
وللعلم، تعد مجموعة «كواد» جزءاً من إعادة ترتيب الهيكل الأمني في آسيا. والمعتقد أن المجموعة ستتخذ توجهاً أكثر تصادمية، مع كل ما يحمله هذا من مخاطر. ولكن في غمرة الابتهاج بهذه الإشارات السياسية حول هذه التجربة الجديدة «لا يجوز إغفال حقائق مهمة، أبرزها أن (كواد) وُلدت على خلفية تناقض وفشل ذريع، بجانب الصعود الصيني. وبالتالي، سيتعين على (كواد) التغلب على ظلال هذه الإخفاقات»، حسب ميهتا.
ومع ذلك، فإن الوجود المتزامن لرؤساء استخبارات دول «كواد» في واشنطن، وبدء المجموعة في العمل المشترك بمجال التكنولوجيا الناشئة يشير إلى أن الصين كانت دوماً في أذهان المشاركين.
من ناحيته، أشار الكاتب سيما غوها إلى أن «القمة الأولى لقادة (كواد) تحمل رمزية هائلة، خاصة بالنسبة لرئيس الوزراء مودي، لأن هذا جاء بالتزامن مع اجتماعه مع الرئيس بايدن. والمعروف أن مجموعة (كواد) تركز على منطقة المحيطين الهندي والهادي، وليس لأي الدول الثلاث الأخرى حدود طويلة مع الصين كحال الهند التي تشترك مع الصين بحدود تمتد لمسافة 3488 كلم. وفي حين تتمتع أستراليا بحماية المظلة النووية الأميركية، كما خدم التحالف الأمني بين الولايات المتحدة واليابان كلا البلدين على نحو جيد منذ الحرب العالمية الثانية، تظل هناك مخاوف إزاء الدخول في تحالف وثيق مع الولايات المتحدة... التي من الطبيعي أن تسعى لتعزيز مصالحها الخاصة. وهذا أمر تجلّى تماماً في ضوء خروجها الفوضوي من أفغانستان بنحو يكاد يتعذر تصديقه. وبالتالي، تقديمها البلاد إلى (طالبان) على طبق من فضة». وهنا يتساءل غوها: «هل يمكن بعد الآن الوثوق بالولايات المتحدة؟ لقد كانت حكومة أشرف غني دونما شك فاسدة وتفتقر إلى الكفاءة، ومع ذلك تظل الحقيقة أن إبقاءها خارج اتفاق السلام مع (طالبان) وإطلاق سراح 500 من سجناء (طالبان) المتشددين كان خطوة تفتقر إلى الحكمة». بل ويذهب الدبلوماسي الهندي السابق نافتيج سإرنا، الذي أمضى ثلاث سنوات في الولايات المتحدة قبل التقاعد، أبعد ليقول «اليوم، يدفع المدنيون الأفغان، خاصة النساء، ثمن هذه السياسة (الأميركية) المعيبة.
- بين «كواد» و«أوكوس»
من جهة ثانية، سعت الهند لفصل دورها داخل «كواد» عن شراكة «أوكوس» المعلنة قريباً بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. والمؤكد أن بناء أسطول أسترالي من الغواصات النووية في إطار «أوكوس» سيحمل دلالات إيجابية ومهمة فيما يخص الحسابات الاستراتيجية الهندية داخل منطقة المحيطين الهندي والهادي. وحول هذا الأمر شرح سارنا: «الوقت الحالي مناسب كي تسعى الهند بسرعة نحو تعميق المبادرات التعاونية مع الولايات المتحدة لضمان حصولها على عتاد المستقبل، مثل الطائرات من دون طيار (المسيّرات) وأشباه الموصلات والألواح الشمسية المتخصصة، والتعاون مع دول (كواد) بنشاط من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي. وتُعدّ هذه الاستراتيجية المثلى للمضي قدماً عبر النظام البيئي العالمي المقلقل الذي تجد نفسها اليوم فيه».
ومن التطورات الأخرى الإيجابية، إعادة المجموعة التأكيد على رغبتها في العمل مع الشركاء ذوي التفكير المماثل. ومع التأكيد على محورية منظمة «آسيان»، اختارت القوى الأربع كذلك التأكيد على دعم استراتيجية التعاون الجديدة التي أعلنها الاتحاد الأوروبي مع دول منطقة المحيطين الهندي والمحيط الهادي. وفتحت هذه الوثيقة الجديدة آفاقاً جديدة من خلال تنديدها مباشرة بالإجراءات الصينية في بحر الصين الجنوبي وانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم سنكيانغ - ويغور. أيضاً، وتدعو الاستراتيجية الجديدة إلى شراكات موسعة مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاستراتيجية الاقتصادية مع مجموعة من الشركاء الجدد، مثل الهند وكوريا الجنوبية. ومع هذا التقارب في المصالح، نتوقع المزيد من التعاون بين مجموعة «كواد» والاتحاد الأوروبي في المنطقة.
«كواد» أعلنت أيضاً عن تشكيل مجموعة لتنسيق البنية التحتية لتوجيه استثمارات البنية التحتية للمجموعة بشكل أفضل داخل البلدان النامية. ويشير هذا التطور إلى أن «كواد» عقدت العزم بالفعل على إنهاء التردد والصمت الذي اتسمت به استجابتها حتى الآن لـ«مبادرة الحزام والطريق» الصينية. ومن خلال إنشاء آلية التنسيق هذه، أظهرت «كواد» جاهزيتها لتوفير وضع رأس المال الاستثماري والسياسي المطلوب للتنافس مع مبادرات تطوير البنية التحتية العملاقة التي تطرحها الصين.
- «منظمة شنغهاي للتعاون»
أخيراً، وقبل أيام قلائل من مغادرة مودي نيودلهي متجهاً إلى الولايات المتحدة، وجَّه رئيس الوزراء الهندي كلمة إلى أعضاء «منظمة شنغهاي لتعاون»، الذين يضمون رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والرئيس الصيني شي جينبينغ. وكان هذا الاجتماع العشرين لقيادات الدول الأعضاء، الذي انعقد على خلفية عدد من التطورات الإقليمية والعالمية الرئيسية. كذلك كانت هذه المرة الأولى التي يلتقي مودي وجينبينغ وجهاً لوجه، وإن على نحو افتراضي، منذ حالة التأزُّم بين قوات البلدين على طول «خط السيطرة الفعلية»، في مايو (أيار). ولقد وجه مودي انتقادات إلى الصين، معتبراً أن تعزيز الترابط بين دول المنظمة يستدعي «أن نمضي قدماً مع مراعاة احترام سيادة بعضنا البعض وسلامته الإقليمية».
ومن دون ذكر باكستان بالاسم، وجه مودي توبيخاً لزعيمها عمران خان «لسعيه إلى طرح قضايا ثنائية (مثل كشمير) أمام منظمة شنغهاي للتعاون».
- مودي يرسل من نيويورك إشارات وتحذيرات إلى باكستان
> حمّل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الخطاب، الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، رسالة موجهة بوضوح إلى باكستان، قال فيها: «من الضروري للغاية ضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية لنشر الإرهاب والأنشطة الإرهابية»، ومن ثم أعرب الزعيم الهندي القومي اليميني عن مخاوف الهند بخصوص أفغانستان. واللافت أنه تطرق في كلمته «إلى تفاقم التفكير الرجعي والتطرف في العالم»... واستطرد: «في ظل هذه الظروف، يتعيّن على العالم بأسره أن يجعل التفكير العلمي والعقلاني والتقدمي أساس برامجهم التنموية»، معرباً عن اعتقاده بأن التقدم الاجتماعي والتكنولوجي يساعد في التغلب على الآيديولوجيات المتطرفة.
من ناحية، صرح اللفتنانت جنرال متقاعد من الجيش الهندي سيد عطا حسنين بأن «واحدة من أكبر الأفكار التي طرحتها الهند في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، العزلة الكاملة لباكستان على المسرح العالمي. وعلى مدار فترة طويلة، لعبت باكستان عن طيب خاطر دور المنطقة العازلة الغربية للحد من الطموحات الإقليمية للهند». وحسب كلام حسنين «انتهت اللعبة الكبرى أخيراً، تاركة إسلام آباد للتعامل مع شياطين الإرهاب التي أثارتها. ولقد أشارت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (وهي هندية الأم) نفسها إلى ملاذات الإرهاب في باكستان أثناء لقائها مع مودي، ما يشير إلى تغيُّر المزاج العام في واشنطن. ومن المحتمل أن تكون جولة مودي قد حققت كل ذلك بكثير من البراعة والشعور بالتوازن»، وفق تعبير الجنرال الهندي.
- أضواء على حقيقة الخلاف حول «أوكوس»
> وقعت أستراليا والمملكة المتحدة (بريطانيا) والولايات المتحدة اتفاقية عسكرية عرفت باسم «أوكوس» (الأحرف الأولى من أسماء الدول الثلاث AUKUS)، التي بمقتضاها ستبني أستراليا أسطولاً من الغواصات النووية بمعاونة الدولتين الأخريين. وهذا ما أدى إلى إلغاء عقد كانت أستراليا قد وقَّعته مع فرنسا لشراء غواصات تقليدية، الأمر الذي أشعل خلافاً مع فرنسا التي شكت من أن الاتفاقية أُبرمت من وراء ظهرها، وأن حليفاً رئيسياً في «ناتو» (حلف شمال الأطلسي) لا تجوز معاملته بمثل هذه «القسوة».
وبينما كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على وشك الصعود للطائرة التي ستقله إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماع «كواد» والجمعية العامة للأمم المتحدة، تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تناول خلاله تعزيز التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وكذلك تعزيز الاستقلال الاستراتيجي للهند، وفق بيان من مكتب ماكرون. ونظر مراقبون إلى هذه المكالمة على أنها رسالة من قبل فرنسا الغاضبة، التي لطالما اعتبرتها الهند لفترة طويلة شريكاً استراتيجياً جديراً بالاعتماد عليه، موجهة إلى واشنطن وغيرها ممن يعتبرون الهند أحد أهم شركائهم في منطقة المحيطين الهندي والهادي. كذلك رأوا فيها تعبيراً عن استياء باريس من استبعادها من اتفاقية «أوكوس»، رغم الوجود الفرنسي القوي في المنطقة.b ومن جانبه، دعم الاتحاد الأوروبي الموقف الفرنسي، مؤكداً على أن منطقة المحيطين الهندي والهادي بحاجة لمزيد من التعاون و«قدر أقل من التشرذم».
السؤال المطروح هنا هو: إذا كان من الممكن التعامل مع فرنسا على هذا النحو، فكيف سيكون الحال مع شركاء أقل أهمية، مثل الهند؟
وكيل وزارة الخارجية الهندي السابق كانوال سيبال قال معلقاً: «شعارنا التعامل مع الإيجابيات وحماية مصالح الهند بأفضل ما نستطيع». ويقر سيبال بأن كون دولة ما صديقة لواشنطن يحمل مزايا كثيرة. وعلى سبيل المثال، فإن الاتفاق النووي المدني المُبرم بين الهند والولايات المتحدة عام 2006 أنهى اعتبار الهند دولة منبوذة نووياً، وسمح لها بخيار التجارة النووية، والوصول إلى أحدث التقنيات. لكنه، مع ذلك، نبه إلى ضرورة أن تحتاط الهند إزاء رهاناتها والتأكد من أن لديها خيارات أخرى. ويشار هنا إلى أنه سيجري نشر ثماني غواصات نووية أسترالية في مياه المحيطين الهندي والهادي بمقتضى اتفاقية «أوكوس»، وذلك بهدف احتواء الصين بصورة أساسية.
ورغم امتلاك الصين صواريخ تمكّنها من استهداف سفن السطح الأميركية، فإنه لم نجح بعد في تطوير تقنية قادرة على التصدّي للغواصات داخل المياه العميقة.
وفي هذا الشأن يوضح وكيل وزارة الخارجية هارش شرينغلا قائلاً: «تختلف (كواد) و(أوكوس) في طبيعتيهما، ذلك أن (كواد) مجموعة متعددة الأطراف من البلدان ذات الرؤية والقيم المشتركة. كما أن لدينا أيضاً رؤية مشتركة تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادي وضرورة العمل على جعلها منطقة تتميز بالشفافية والانفتاح والشمول». أما سلفه الوكيل السابق كانوال سيبال، فيعتقد أنه «في الوقت الحالي، لن تكون الهند رافضة لـ(أوكوس)، بل ستنظر إليها باعتبارها قوة مضاعفة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وإن أي تحرك لاحتواء الصين يمثل خطوة مرحب بها. كما أن اليابان، عضو (كواد) التي تدخل في نزاعات بين الحين والآخر مع الصين، راضية بالتأكيد عن الاتفاق الجديد».
ومعلوم أن نيودلهي تعتمد على تأكيدات واشنطن بأن «أوكوس» لن تتداخل مع «كواد»، ثم إنها تعي جيداً الثقل الأميركي والمكاسب الاقتصادية المترتبة على الدخول معها في علاقات وثيقة. وكذلك، يمكن لنيودلهي أن تضطلع بدور إيجابي في الأزمة الدبلوماسية المتعلقة بـ«أوكوس».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.