عملية انتحار تحل لغزاً عمره 35 عاماً في فرنسا

المنتحر رجل أمن قتل أربعة أشخاص واغتصب ستة

عملية انتحار تحل لغزاً عمره 35 عاماً في فرنسا
TT

عملية انتحار تحل لغزاً عمره 35 عاماً في فرنسا

عملية انتحار تحل لغزاً عمره 35 عاماً في فرنسا

اسمه فرنسوا فيروف وعمره 59 عاماً. وجد منتحراً في بلدة صغيرة اسمها غرو دو روا الواقعة في مقاطعة لو غارد المتوسطية جنوب شرقي فرنسا. الرجل ترك رسالة مكتوبة بخط يده. وعند قراءتها، فهم رجال الدرك الذين اكتشفوا الجثة أن اللغز الذي حير الأجهزة الفرنسية طيلة 35 عاماً، وكان عصياً على الحل، قد تكشفت خيوطه، ولم يعد الأحجية التي عجزوا عن تفكيك طلاسمها.
الرسالة التي تقصد فرنسوا فيروف تركها في مكان ظاهر حتى يعثر عليها، تضمنت اعترافاً ثقيلاً، إذ إن صاحبها يعترف فيها أنه الرجل الذي سمته الأجهزة الأمنية «المنقط»، بسبب النقاط أو الندبات الظاهرة على وجهه، وفق التوصيف الذي حصلت عليه من عدد من الناجين من براثنه. فبين عامي 1983 و1994، اعترف فيروف بارتكاب ست عمليات اغتصاب وأربع عمليات قتل، حصلت كلها في المنطقة الباريسية وجوارها المباشر. ورغم الجهود والإمكانات التي وفرتها الأجهزة الأمنية المختلفة بشرياً وتقنياً لفك لغز المغتصب والقاتل الذي زرع الخوف والرعب خصوصاً لدى النساء، فإنه نجح دوماً في الإفلات من ملاحقيه. ولعل السبب الأول في ذلك أنه كان ينتمي إلى الأجهزة الأمنية، حيث بدأ عنصراً في جهاز الدرك قبل أن ينتقل إلى جهاز الشرطة. وطيلة 35 عاماً، نجح القاتل في تضليل ملاحقيه. وحسب تعليقات أحد المحققين، فإن السبب في ذلك أن فرنسوا فيروف كان يعرف عن ظهر قلب أساليب الأجهزة الأمنية لتعقب القتلة والمجرمين.
بدأت القصة يوم 5 مايو (أيار) عام 1986 عندما عثر على الطفلة سيسيل بلوك في أسفل البناية التي تسكن فيها مع عائلتها، وقد اغتصبت وقتلت بسلاح أبيض. وبفضل شهادات أقاربها، حامت الظنون حول رجل شوهد داخل المبنى، وما لفت الأنظار النقاط الموجودة على وجهه بسبب إصابته بمرض جلدي. وبالاستناد إلى هذه الشهادات، تم وضع رسم تقريبي للجاني. وقبل ذلك بعام، اختفت شابة اسمها كارين لوروا، في التاسعة عشرة من عمرها، في مقاطعة سين - مارن الواقعة شرق باريس من غير أن يعثر على أي أثر لها، ولم يتم الربط بين العمليتين. وبقيت الأمور على هذا النحو حتى عام 1987 عندما وقعت عملية قتل مزدوجة حصلت في قلب باريس، والضحيتان، رجل وامرأة، قضيا خنقاً. لكن هذه الجريمة فتحت الباب لعدة فرضيات، إذ إن الحمض النووي للجاني الذي عثر عليه المحققون في شقة الضحيتين يطابق الحمض النووي الذي تركه القاتل على الطفلة سيسيل بلوك، ما أقنع المحققين أن الجاني هو نفسه في الحالتين. وإلى جانب عمليات القتل الأربعة، حصلت ست عمليات اغتصاب تم ربطها بسبب هذا الحمض بعمليتي القتل. ورغم ذلك، فإن الجاني بقي مختفياً عن الأنظار. وأكدت شهادات الضحايا التي تركها فرنسوا فيروف حية، صحة الرسم التقريبي. وما أثار تساؤلات لدى المحققين أن الجاني لم يكن يعمد إلى إخفاء وجهه، أو أن يترك أثراً لحمضه النووي، الأمر الذي فسره هؤلاء على أنه لا يخاف انكشاف أمره.
بعد العثور على جثة القاتل، تمت المقارنة بين حمضه النووي والحمض النووي المحتفظ به منذ عشرات السنوات في مختبرات الأجهزة الرسمية، ليتبين أنه لشخص واحد. وجاءت الرسالة التي عثر عليها لتؤكد الخلاصة العلمية التي توصل إليها المحققون. وكشفت المعلومات التي تم تداولها في الأيام الأخيرة أن الظنون حامت لدى الأجهزة الأمنية أن مرتكب عمليات الاغتصاب والقتل المشار إليه ينتمي إلى جهاز أمني. وما حصل أن استدعاء وُجه إلى فيروف للسفر إلى باريس من أجل أخذ عينة من حمضه النووي. وتقدر المصادر الأمنية أنه عندما وجد الأخير أن الحبل أخذ يقترب من عنقه، فقد عمد إلى ترك القرية التي كان يقيم فيها شمال مدينة مونبليه وقام بسحب كل أمواله من المصرف، واستأجر منزلاً في بلدة غرو دو روا، حيث عثر عليه منتحراً بابتلاع كمية كبيرة من العقاقير.
وفي الرسالة التي تركها، يؤكد فيروف أنه القاتل الذي أطلق عليه لقب «المنقط»، كما أنه يشرح «الأسباب» التي حولته إلى مجرم حير الأجهزة الأمنية بقوله إنه «لم يكن يشعر أنه بحالة جيدة» عند ارتكاب جرائمه. إلا أنه، لاحقاً، استعاد «توازنه» وذلك منذ عام 1997. وحسب صحيفة «ميدي ليبر»، فإن فيروف يعيد جرائمه لـ«اندفاعات غريزية» عائدة لطفولته، ويذهب إلى القول إنه بعد أن تعرف إلى زوجته وصار لديه أبناء، «هدأت غرائزه»، وشعر بتحسن، ومن ذلك التاريخ توقف عن ارتكاب الجرائم. أما السبب الذي دفعه للانتحار فيعيده إلى رغبته في حماية أسرته.
هكذا، أغلق أحد الملفات التي أربكت الأجهزة الأمنية. لكن 35 عاماً تعد فترة زمنية طويلة للغاية ارتكب خلالها أحد الأفراد، المولج بهم نظرياً حفظ أمن المواطنين، جرائم لا توصف، ونجح في أن يبقى بعيداً عن قبضة العدالة التي وضعت اليد، أخيراً، على جثته.



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».