Dune
> إخراج: دنيس فلنييف
> الولايات المتحدة (2021)
> مغامرات | عروض تجارية
ما بين مشاهدة «كثبان» لأول مرّة في مهرجان فينيسيا وثاني مرّة قبل أيام وبعد قراءة ما تيسر من رواية فرانك هربرت الضخمة التي استوحى الفيلم منها شخصياته وأحداثه، يتأكد أن الرؤية التي بثّها المخرج الكندي فلنييف في فيلمه لم تكن غريبة عن تلك التي حاكها هربرت في حكايته. ما هو جديد هو كيف جسّد المخرج رؤيته تلك في بصريات أخّاذة وكيف وظّف المؤثرات على نحو دقيق وغير مستعجل في استعراض القدرات.
فلنييف دوماً ما كان المخرج الذي يريد تقديم السبب الوجيه وراء الصورة الجميلة. في «بلايد رَنر 2049» وقبله في «وصول» (وكلاهما من أفلام الخيال العلمي) سعى جيداً لتقديم المضمون كفعل جاد لجانب البصريات كفعل جاد أيضاً. في فيلمه الجديد لا يُغيّر المخرج منهجه هذا ولو تحت مبرر أن ما يقدّمه هو حكاية فانتازية من المغامرات والشجون والأفكار من اللقطة الأولى وحتى الأخيرة.
بعناية، يجذب الفيلم مشاهديه إلى ناصيتيه: الحكاية الضخمة التي يصهرها في نحو ساعتين ونصف والتقنيات المتاحة له على كل صعيد. «كثبان» بذلك يرتفع كأحد أفضل الأفلام من نوعه تماماً كما فعل «سيد الخواتم» و«أفاتار» من قبل رغم كل الاختلاف القائم بين كل من هذه الأفلام الثلاثة.
الرواية صعبة. وسبق لنا أن عرضنا هنا المحاولات التي جرت لنقلها والتي انتهت إلى فيلم واحد بالعنوان ذاته حققه ديفيد لينش سنة 1984 لكنها غير مستحيلة وما ينجزه فلنييف هو سرد نصف الحكاية الضخمة في أسلوب عمل يحفظ رغبته في نقلها بأمانة وتطويع ما يعجق بها من أحداث وأفكار إلى سرد مُتاح للفئات المختلفة من الجمهور، تلك التي تريد المتعة الفكرية والذهنية وتلك التي تكتفي بمتعة الفرجة على ما هو غريب وضخم وغير متوقع.
الحكاية هي صراع على كوكب اسمه أراكيس. كوكب فيه نبتة تمنح الصحة وطول العمر. باقي ما تتميّز به هو كثبان صحراوية غير متناهية تعيش تحت رمالها ديدان ضخمة. الصحراء مجسّدة كعالم شاسع يسمح للمشاهد التفكير بما وراءه والخوف مما هو مخفي فيه. تهب عليه الرياح وتخرج من تحت رماله الديدان وبقدر ما هو موحش كفكرة هو بصرياً جميل.
هذا يعود إلى أسلوب فلنييف في التعامل مع جغرافية المكان (براري المكسيك في «سيكاريو» أو مدينة لاس فيغاس المدمّرة في «بلايد رَنر 2049») وتحويلها إلى لاعب مهم في بلورة الحكاية التي يسردها. لا ننسى إنه في «سيكاريو»، مثلاً، حوّل قصّة بوليسية كان يمكن لسواه الاكتفاء بتحقيقها على هذا النحو إلى فيلم يحفل بمعالجات الشخصيات الرئيسية في الفيلم وفي مقدّمتها تلك التي أدتها إميلي بلنت.
الأحداث التي نراها هي تمهيد لما سيقع في الجزء الثاني، ومفادها هنا هي محاولة السيطرة على ذلك الكوكب المبهر والمخيف معاً. بناء على أمر أصدره الإمبراطور لقبيلة أتريديس ينص على أن يؤول إليها أمر حكم الكوكب الذي كان دوماً تحت إدارة قبيلة أخرى (اسمها هاركونن). لكن الطلب ليس سوى خدعة للقضاء على الأتريدسيين وتثبيت حكم الهاركننيين على الكوكب. بطل الفيلم، بول (تيموثي شامالات) هو ابن حاكم أتريديس (أوسكار أيزاك) الذي عليه الآن أن يقرر مستقبله، مستعيداً في الوقت ذاته ما تعلّمه من أبيه حول القدر والحياة وباحثاً عن سر رؤاه لامرأة جميلة (زندايا). هذا الجزء الأول هو تمهيد لما سيلي وقسم منه عن العلاقات الأسرية المتينة ثم عن حياة بول المنفردة والمليئة بالشجون. هذا لا يمنع من مشاهد قتال وتشويق معالجة بالقدر ذاته من الإبهار البصري.
موسيقى هانز زيمر آيلة إلى الأوسكار بلا ريب. كذلك الفيلم ومخرجه وبعض ممثليه (من بينهم إيزاك وزندايا وربيكا فرغوسن) وبالتأكيد مسؤولي المؤثرات ومصممي الإنتاج. «كثبان» لا يجب أن يُشاهد في راحة البيت. لا يمكن للشاشة الصغيرة أن تستوعب مساحته وحجمه وبصرياته ولا شريط صوته. بعض المتاعب في رصف بعض الأحداث، لكن ما عدا هذا الأمر هو عمل يكتنز فن السينما من لقطة لأخرى.
Ennio
> إخراج: جوزيبي تورناتوري
> إيطاليا (2021)
> تسجيلي | عروض مهرجان فينيسيا
ذات مرّة، وبينما كان ستانلي كوبريك منهمكاً في تصوير Clockwork Orange سنة 1970. خطر له أن إنيو موريكوني هو من يحتاجه لوضع موسيقى الفيلم. وسيلته للتواصل مع الموسيقار الإيطالي الكبير هي عن طريق المخرج سيرجيو ليوني الذي كان ساهم أكثر من سواه في رصف ممر الموسيقار للشهرة. في واحدة من مقابلات موريكوني في هذا الفيلم يكشف عن أن ليوني أراد الاستثئار بموريكوني فكذّب على كوبريك، ذاكراً أن موريكوني لن يكون متوفراً لبضع سنوات بسبب ارتباطاته. يكشف موريكوني ذلك، ويؤكد أسفه أن الفرصة لم تتح له لكي يعمل مع كوبريك.
هذه واحدة (دالّة) من حكايات وذكريات كثيرة يسردها المؤلف الإيطالي (1928 - 2020) في فيلم تحيّة من نحو ساعتين ونصف يلقيها المخرج المعروف جوسيبي تورناتوري (Cinema Paradiso، The Legend of 1900) عليه.
يكشف موريكوني من البداية عن حياته حين كان صغيراً حلم بأن يدرس الطب لكن والده الذي كان عازف ترومبيت، أراده موسيقاراً. فترة الشباب كانت قاسية ومريرة. يتذكر موريكوني أنه كان مضطراً للعزف في المطاعم لقاء مأكله ثم يمضي ليتذكر كيف وضع قدمه بثبات في الأكاديمية التي تعلّم فيها ثم الفترة التي قضاها يكتب موسيقى لإعلانات تلفزيونية ثم تلك التي دلف فيها إلى السينما.
يمشي الفيلم على وتيرة جيدة إلى أن يصطدم بطموح غير مُبرر. رغب تورناتوري لفيلمه أن يشمل كل ما يمكن توفيره من حياة موريكوني الخاصّة والعامّة و- طبعاً - الفنية. بما في ذلك الحفلات التي أمّها وأسفاره. يستخدم المخرج وثائقيات مصوّرة لكن كلما تابعنا هذا الملف من الوثائقيات، ابتعدنا عن ناصية العمل وبؤرته، وهو موريكوني كفنان. كان يكفي مثالين من هنا وآخر من هناك، لكن المخرج سمح لنفسه أن يكون شاملاً وحريصاً على فتح كل باب من أبواب حياة شخصيته.
ما يرصده الفيلم ومخرجه بنجاح، كل تلك المقابلات والمشاهد التي خص معظمها لمخرجين استعانوا بموسيقاه مثل كلينت إيستوود، وأوليفر ستون، وداريو أرجنتو وكونتن تارنتينو. كذلك مع مؤلفين موسيقيين من بينهم كوينسي جونز، وجون ويليامز وهانز زيمر.
تيموثي شالامات وزندايا في «كثبان»