المشهد

«ماد ماكس» يصل إلى «كان»

المشهد
TT

المشهد

المشهد

* لا علاقة لنا باختيارات مهرجان «كان» بالطبع، لكن بعد أيام قليلة من نشر «الشرق الأوسط» (في صفحة السينما في الأسبوع الماضي) تحقيقا حول الفيلم الجديد في سلسلة «ماد ماكس» تحت قيادة المخرج جورج ميلر وبطولة توم هاردي، أعلن المهرجان الفرنسي اختياره ليعرض ضمن البرنامج الرسمي خارج المسابقة.
* وإذا كان الأمر مفاجئا إلى حد ما، فليكن. هو مفاجئ لأن أفلام السلسلة السابقة مرت تحت رادار المهرجان الفرنسي الذي لم يستضف أيا منها، رغم نجومية مل غيبسون حينها. اليوم، في عصر من المتغيرات التي تشمل مفاهيم وتودي بتقاليد، يجد المهرجان الفرنسي العتيد نفسه مطالبا بتوسيع رقعة اهتمامه طالما أن الفيلم الذي يجري اختياره للمناسبة جيد في مقام أو أكثر.
* لكن المشاهد الأولى التي شاهدناها من الفيلم تحمل تبريرات قد تدفع «كان» لاختيار الفيلم للواجهة: إنه برهان على أن سينما التشويق والأكشن ليست بالضرورة أفلاما جوفاء لا يجب أن تحظى باهتمام مهرجانات السينما لمجرد أنها ترفيهية. في الواقع، أكثر أفلام هوليوود تداولا للقضايا السياسية هي أفلام الخيال العلمي والأفلام البوليسية وأفلام الوسترن. أقلها علاقة بجوانب الحياة السياسية هي، غالبا، الأفلام الموسيقية والعاطفية والميلودرامية.
* اختيار «كان» لهذا الفيلم لكي يتلألأ في سماء مليئة بالأفلام والنجوم تم بعد أخذ موافقة شركة وورنر التي تريد من هذا الفيلم لا أن يكون آخر السلسلة، كما يقول مخرجه الأسترالي ميلر، بل منتصفها: الأول لحلقات جديدة تستطيع وورنر اعتمادها لتصبح أفلاما دورية شأنها في ذلك شأن ما تنتجه من أفلام، مثل: «سوبرمان» و«باتمان» و«فريق العدالة».
* كان من الممكن للمهرجان الفرنسي، لو أراد، تقديم بضعة أفلام كلاسيكية بمناسبة مرور 50 سنة على إنتاجها. ربما لم تخطر الفكرة على أحد، لكنها فكرة أكثر من جيدة، لأن عام 1965 كان مليئا بالأفلام الكبيرة والمهمة. مثلا هو العام الذي قدم فيه فديريكو فيلليني فيلمه الرائع «جولييت الأرواح»، وأورسون ولز «دقات منتصف الليل»، وروبرت وايز «صوت الموسيقى». ثم ماذا عن فيلم جيلو بونتوكورفيو «معركة الجزائر»، أو لوي بونييل «سيمون الصحراء»، أو آرثر بن «ميكي واحد»؟
* على ذكر «صوت الموسيقى» حضرت بطلته جولي أندروز، يوم أمس (الخميس) عرضا خاصا للفيلم أقيم في قاعة «تشاينيز ثيتر» في لوس أنجليس ومعها الممثل كريستوفر بلامر. قبل سنوات سألت أندروز عن رأيها في موقف كثير من النقاد حول الفيلم آنذاك إذ كان سلبيا، فقالت: «ربما كانت لديهم أفلام أخرى فضلوها عليه. الفترة نفسها كانت غنية جدا بالأفلام».



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.