القاهرة وأديس أبابا تستبدلان بناء «سد الثقة» بـ «أزمة النهضة»

اختتم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته، أمس، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وصفها دبلوماسيون ومراقبون سياسيون بـ«الناجحة»، التي تمهد الطريق الشائك للعلاقات بين البلدين، لكنهم في الوقت ذاته أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الطريق للوصول إلى حلول نهائية فيما يتعلق بسد النهضة، ما زال طويلا وشاقا، وصولا إلى اتفاقية دولية ملزمة.
وخلال كلمته التي وصفت بـ«التاريخية» أمام البرلمان الإثيوبي، أمس، دعا الرئيس السيسي الشعب الإثيوبي إلى فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات مع مصر، وقال: «إننا بحاجة إلى مد بناء جسور الثقة بين البلدين.. ومسؤولية بناء أواصر الثقة تقع على عاتق المثقفين والسياسيين لأنهم قادة الرأي والفكر»، مشددا: «علينا الوقوف في وجه القوى الطامعة في بلادنا».
وأكد الرئيس المصري، في الكلمة التي استغرقت أكثر من 20 دقيقة: «مستعدون لتحمل مسؤوليتنا التاريخية تجاه قارتنا الأفريقية، وحان الوقت كي تتحقق نبوءة ومساعي الزعيم الأفريقي كوامي نكروما (رئيس غانا الأسبق، أحد أبرز دعاة الوحدة في أفريقيا خلال الخمسينات من القرن الماضي)»، مؤكدا أن «مصر الجديدة تحرص على تعزيز علاقتها الوطيدة مع إثيوبيا». وأضاف: «نحن بحاجة إلى بناء جسور الثقة، وأحمل لكم رسالة إخوة وأيادي ممدودة بالخير، ونريد أن نصنع مستقبلا واعدا ونساعد معا في إحياء نفوس بريئة».
وقوبلت كلمة السيسي بعاصفة من التصفيق من جانب النواب الإثيوبيين، خصوصا أنه استعان بمقولة لرئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي قائلا: «ولا يفوتني في هذا المقام إلا أن أشير إلى ما ذكره الراحل العظيم ميليس زيناوي خلال زيارته للقاهرة، عندما قال إن نهر النيل يعد بمثابة الحبل السري الذي يربط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما يؤكد أن تدفق مياه النهر ما بين المنبع والمصب ما هي إلا حصص إلهية قدرها الله لنا جميعا».
ويرى مراقبون ودبلوماسيون أن السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلاماريام ديسالين نجحا في «جسر فجوة» في العلاقات تسببت في جفاء على مدار أكثر من عام منذ تأزمت أزمة سد النهضة عقب واقعة شهيرة، حين جرى بث اجتماع للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي مع عدد من السياسيين في مصر على الهواء مباشرة، تضمنت تهديدات مباشرة للجانب الإثيوبي.. وهو ما تسبب في تأجيج الموقف الثنائي، وتصلب في موقف أديس أبابا في المفاوضات حول سد النهضة، لاعتبارها التهديدات أمرا لا يجوز على سيادتها، بحسب المراقبين.
لكن المشهد، أمس، شهد تغيرا كبيرا عن ذلك، وظهر قدر أكبر من المرونة والنيات الحسنة من الطرفين. وقال وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأنا عملية بناء الثقة.. بدأت العملية فعلا وبنيات صادقة من الطرفين؛ وبالذات من الناحية المصرية. وهذا يعتبر تمهيدا استراتيجيا من مصر لبداية مفاوضات شاقة وطويلة حول الجوانب الفنية لسد النهضة».
وأشار السفير العرابي إلى حفاوة الاستقبال من الجانب الإثيوبي للرئيس المصري، لكنه أكد في الوقت ذاته: «ما زالت هناك مفاوضات شاقة وطويلة حول السد. لكن المتغير الأبرز هو أن مصر للمرة الأولى، وعلى مستوى القيادة، تعترف بحق الجانب الإثيوبي في التنمية، وهذا في حد ذاته أمر مريح لهم.. لكن في النهاية أمامنا وقت طويل لتحقيق الطرف الثاني من المعادلة وهو حقنا في الحياة».
ويتفق الدكتور مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية مع رؤية السفير العرابي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد أن الزيارة وما ترتب عليها واتفاق المبادئ الذي سبقها في الخرطوم وجرى التوقيع عليه من قبل مصر وإثيوبيا والسودان؛ كلها أمور تضع العلاقات الثنائية المصرية - الإثيوبية في وضع أفضل مما كانت عليه وحققت إيجابيات.. لكن في الوقت نفسه، مسألة أن هذا اتفاق مبادئ، بمعنى أن النصوص غير محددة بشكل قاطع أو واضح، بالتالي يحتاج الأمر إلى تطوير اتفاق المبادئ إلى ما يصل إلى معاهدة أو اتفاقية دولية».
وتابع الدكتور علوي: «في تقديري أن المرحلة القريبة القادمة تحتاج مزيدا من التفاوض والمناقشات لتحويل الاتفاق الموقع وترجمتها إلى معاهدة واضحة المضامين والنصوص تحدد الالتزامات والتعهدات بشكل سليم وملزم وواجب النفاذ والاحترام بلغة القانون الدولي».
وعن واقعة الاجتماع الرئاسي إبان حكم الرئيس الأسبق مرسي، التي تسببت في جانب من الأزمة، ومقارنتها بالوضع الحالي على الأرض، يشير الدكتور علوي إلى أن «ما حدث وقت الاجتماع وقيل فيه كلام غريب ولا يتوقع من دولة مثل مصر، وكان يعكس حالة من عدم الخبرة السياسية وعدم القدرة على إدراك الأمور على نحوها السليم في عالم السياسة. وبالتالي، حين نقارن بين الموقفين، آنذاك والآن، فهناك نقلة نوعية وكبيرة، خصوصا أن الرئيس السيسي قام بزيارة إلى أديس أبابا صبيحة توقيع اتفاقية الخرطوم، وتبادل كلمات إيجابية للغاية من الطرفين المصري والإثيوبي فيما يتعلق بأهداف الدولتين. وأهمها الرغبة المتبادلة في إحداث نقلة نوعية في العلاقات الثنائية، وهو ما ظهر جليا في كلمات قائدي البلدين؛ الرئيس المصري، ورئيس الوزراء الإثيوبي، رئيس السلطة التنفيذية في إثيوبيا».