لبنان يعمل على «تغيير السلوك» مع صندوق النقد الدولي

ميقاتي يشرف مباشرة على فريق العمل والمفاوضات

عون مترئساً الاجتماع المالي أمس (الرئاسة اللبنانية)
عون مترئساً الاجتماع المالي أمس (الرئاسة اللبنانية)
TT

لبنان يعمل على «تغيير السلوك» مع صندوق النقد الدولي

عون مترئساً الاجتماع المالي أمس (الرئاسة اللبنانية)
عون مترئساً الاجتماع المالي أمس (الرئاسة اللبنانية)

ترسل السلطات اللبنانية مزيداً من الإشعارات إلى إدارة صندوق النقد الدولي لإظهار النوايا الجدية في تغيير السلوك ومنهجية العمل قبيل استئناف جولات المفاوضات الجديدة التي لا تقتصر على الاتفاق على برنامج تمويلي فحسب، إنما توخياً للبناء على استجابة المؤسسة المالية الدولية لإعادة بناء جسور التعاملات والثقة مع الدول والمؤسسات التي أبدت استعدادات مشروطة للمساهمة في إخراج البلاد من قعر الأزمات المتراكمة منذ سنتين.
وقال مسؤول مالي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، إن الاجتماع الأول للحكومة هذا الأسبوع «يحظى برصد خارجي حثيث ترقباً لمقررات عملية من شأنها تكريس التوجهات المعلنة التي تم إبلاغها بمضامينها مع إدارة الصندوق عبر اتصالات ومشاورات غير رسمية شارك فيه وزراء ومسؤولون في البنك المركزي». كما «وردت كبند رئيسي في اجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في نهاية الأسبوع الماضي».
وخلال الاجتماع الاقتصادي والمالي في القصر الجمهوري الذي ترأسه الرئيس ميشال عون أمس (الاثنين) في حضور الرئيس ميقاتي ولقائهما الثنائي قبله، ركز الطرفان على مقتضيات استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتحضيرات اللازمة لذلك، وبما يشمل التوافق المسبق على مجموعة قرارات تنفيذية متتالية سيتخذها مجلس الوزراء وفي مقدمتها تأليف الفريق الرئيسي المفاوض وتسمية الفريق المساند، على أن يتوليا معاً وبمشاركة مسؤولي القطاع المالي إعادة صوغ خطة التعافي التي طرحتها الحكومة السابقة على إدارة الصندوق.
ويقدر المسؤول المالي أن إحراز تقدم نوعي في إدارة المهمة وإمكانية نجاحها سيكون مرهوناً بعدة عوامل متداخلة، «أولها السرعة من دون التسرع في إتمام التحضيرات وبدء المفاوضات الثنائية خلال أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير»، وثانيها «وجود تغطية سياسية عريضة تؤكد استجابة السلطتين التنفيذية والتشريعية في مواكبة البنود الأساسية التي يجري الاتفاق على الشروع بتنفيذها»، وثالثها «التثبت من أولوية التدقيق والمساءلة في الإنفاق بدءاً من معالجة أزمة الكهرباء».
وتقول مصادر مواكبة إن ميقاتي «سيتولى الإشراف السياسي المباشر على الملف، نظراً لحساسيته البالغة في ضوء التجربة التي خاضتها الحكومة السابقة عبر 17 جولة مفاوضات رسمية لم تحقق أي تقدم يذكر، على أن توكل رئاسة الفريق التقني إلى نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي والاستفادة من إمكانية تفرغه لهذه المهمة ومن واقع معايشته الوظيفية السابقة في الصندوق»، فضلاً عن «التنسيق المباشر مع لجنة المال النيابية وجمعية المصارف بغية توحيد الرؤى وأرقام الخسائر وضمان إظهار روحية الفريق الواحد».
ويقتضي هذا المسار، بحسب قراءة المسؤول المالي وتواصله المباشر مع مسؤولين في الصندوق، التخلي عن «اللعبة» اللبنانية المعهودة في توصيف المعالجات ثم التنصل من موجباتها على منوال تكرار التهرب من الالتزامات الإصلاحية المقابلة في أربعة مؤتمرات دولية سابقة خصت لبنان بمنح ومساعدات وقروض بمليارات الدولارات، كما الخروج من حال الإنكار التي أودت إلى إنفاق أكثر من 10 مليارات دولار من احتياطات العملات الصعبة على خيارات دعم عقيمة لم تصل ثلث مبالغها إلى المستهدفين.
ويندرج في هذا السياق إعداد البنود الموضوعية وتدرجها في خطة الإنقاذ الموعودة والبرنامج الزمني للإصلاحات والأدوار المناطة بالقطاعات الحيوية. ولن تنفع «الشطارة»، بحسب المسؤول المالي، في حرف تركيز إدارة الصندوق وخبرائه عن مسارات الأولويات المحددة بوضوح تام من قبلهم، والتي وردت في ورقة العمل التي رفعتها المديرة العامة للصندوق كريستالينا غورغيفا، قبل أقل من شهرين، إلى مؤتمر باريس الدولي لدعم بيروت والشعب اللبناني الذي حشد له الرئيس الفرنسي مشاركة واسعة من المانحين العرب والدوليين.
وينوه المسؤول المالي بأن إدارة الصندوق تكرر تأكيداتها ومن دون أي مواربة، بأن الالتزام بجدول الإصلاحات سيحرر مليارات الدولارات لمصلحة الشعب اللبناني. وهذه هي اللحظة التي يتعين فيها على صناع السياسات اللبنانيين أن يقوموا بتحرك حاسم للحصول على مساعدة الصندوق والمانحين من المجتمع الدولي.
وفي الأولويات، «يتعين استعادة ملاءة الموارد العامة وصلابة النظام المالي، مرفقاً بالتحذير بأنه إن لم يكن الدين العام مستداماً، فسوف يرزح الجيل الحالي والأجيال القادمة من اللبنانيين تحت وطأة مزيد من الديون تفوق قدرتهم على السداد». وهذا ما يجعل الصندوق يطالب باستدامة الديون كأحد شروط الإقراض، مما يعني أهمية المسارعة إلى إجراء مفاوضات موازية مع الدائنين المحللين والخارجيين. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يتسم النظام المالي بالملاءة، فالذين سبق واستفادوا من العائدات المفرطة في السابق يجب أن يتشاركوا أعباء إعادة رسملة البنوك لضمان حماية مدخرات الغالبية العظمى من المودعين اللبنانيين العاديين.
وينبغي، بحسب ورقة العمل، وضع ضمانات وقائية مؤقتة لتجنب استمرار خروج رؤوس الأموال الذي يمكن أن يزيد من ضعف النظام المالي خلال فترة ترسخ الإصلاحات المطلوبة. وذلك يشمل إقرار مشروع قانون ضوابط رأس المال في النظام المصرفي (الكابيتال كونترول) وإلغاء نظام سعر الصرف المتعدد القائم حالياً، مما يساعد على حماية الاحتياطيات الدولية في لبنان مع الحد من مساعي التربح والفساد.
وأيضاً ثمة حاجة لخطوات صريحة لتخفيض الخسائر طويلة الأمد في كثير من المؤسسات العامة، كما ينبغي وجود درجة أكبر من قابلية التنبؤ، والشفافية، والمساءلة وإجراء تدقيق شامل في المؤسسات المفصلية ومنها المصرف المركزي، فضلاً عن إرساء شبكة موسعة للأمان الاجتماعي من أجل حماية فئات الشعب اللبناني الأكثر هشاشة.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».