اللبنانيون ذاهبون إلى شتاء «لا دفء» فيه

لا مازوت ولا حطب... وقرويون يستعدون بقطع أشجارهم

TT

اللبنانيون ذاهبون إلى شتاء «لا دفء» فيه

لا يعلم بسام مرعي، ابن منطقة حنيدر في وادي خالد العكارية (شمال لبنان)، أي شتاء سيمر عليه وعلى عائلته هذا العام. «لا مازوت ولا حطب حتى الآن!»، يخبر «الشرق الأوسط» بصوت يعتريه القلق.
ومع اقتراب فصل الشتاء، تلوح أزمة جديدة أنتجها الانهيار الاقتصادي الأكبر في تاريخ لبنان. وقد يضطر بعض اللبنانيين إلى اختبار برد الشتاء هذا العام من دون تدفئة، بعدما كواهم حر الصيف من دون تكييف.
ويسكن معظم اللبنانيين في القرى والبلدات والمدن الجبلية، التي تتخطى ارتفاع 300 متر عن سطح البحر، حيث تصبح التدفئة في هذه المناطق ضرورية، ولا يمكن الاستغناء عنها خلال الشتاء الذي يمتد برده لحوالي الخمسة أشهر. اعتاد اللبنانيون، مع قدوم شهر سبتمبر (أيلول)، تأمين محروقاتهم ومستلزمات التدفئة، إلا أن أزمة انقطاع المحروقات، منعت العدد الأكبر منهم من تأمين المازوت، إذ تحول طيلة الأشهر الماضية إلى مادة نادرة.
ويقول مرعي: «لغاية الآن ما زال الطقس يمدنا بالدفء، ولم نتمكن من تأمين المازوت أو الحطب بسبب ارتفاع الأسعار، فالحطب باهظ الثمن وقليل الوجود»، ويضيف «ضيعتنا اسمها الوعر ومن اسمها تدل على أنها لا تحوي أشجارا، وحتى التحطيب في الحقول أو البساتين ليس خيارا لأبناء البلدة».
ويحتاج كل بيت تقريبا لحوالي 6 أطنان من الحطب طوال موسم البرد، وفي حين كان سعر طن الحطب يصل لحوالي 750 ألف ليرة العام الماضي (50 دولارا على سعر صرف السوق السوداء)، ارتفع سعره بشكل ملحوظ هذا العام ليتراوح بين 4 ملايين و5 ملايين ليرة لبنانية (350 دولارا على سعر صرف السوق السوداء)، ما يجعل الشراء مستحيلا بالنسبة للبنانيين المنهكين من الوضع الاقتصادي المتفاقم.
ويأمل أهالي حنيدر في أن تساعد الدولة أو الجمعيات الإنسانية في تأمين المازوت هذا العام، بحسب مرعي، الذي يؤكد أيضا أنها «المرة الأولى التي يعجز فيها أهالي المنطقة عن تأمين المازوت أو الحطب».
ويتخوف من أن يطل فصل الشتاء ببرده القارس من دون أي وسيلة تدفئة في المنطقة، ويقول: «الظروف هذه السنة صعبة جدا... ما باليد حيلة سوى الاتكال على الله».
وكان سعر صفيحة المازوت العام الماضي يتراوح بين 14 ألف ليرة و17 ألفاً، مع دعم كامل للمادة من مصرف لبنان، إلا أن السعر حلق هذا العام بعد رفع الدعم ووصل إلى نحو 300 ألف ليرة لـ20 لترا في السوق السوداء، أي ما يعادل نصف الحد الأدنى للأجور في البلاد (675 ألف ليرة).
من جهته، يقول سامر رستم، ابن بلدة تكريت العكارية، إن بعض أبناء البلدة شحلوا أشجار بساتينهم للحصول على كمية من الحطب، لكنه يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الكمية لا تكفي البيوت طوال فترة فصل الشتاء كما أن نسبة قليلة من أهالي البلدة لا تتجاوز العشرة في المائة قامت بهذا الأمر».
ويخبر رستم «الشرق الأوسط» أنه عادة ما تصل درجات الحرارة إلى الصفر في بلدة تكريت ويكون البرد قارسا، ويحتاج البيت الواحد لأربعة براميل من المازوت بالحد الأدنى في الشتاء. وفي حال تعذر تأمين المادة فالحل بالنسبة لأهالي المنطقة هو «البطانيات وتكثيف الملابس... أو الدعم من الدولة أو مساعدات المغتربين».
وفي حين يعمد البعض إلى قطع الأشجار بهدف الحصول على حطب التدفئة، يلجأ البعض الآخر إلى تقليم ما يملكون من أشجار مثل السنديان والزيتون لاستخدامه للتدفئة في فصل الشتاء بدلا من المازوت الذي أصبح بعيد المنال بالنسبة لمعظم اللبنانيين.
ويقوم بعض أهالي بلدة شحيم (قضاء الشوف) بتشحيل بساتينهم لتأمين حطب التدفئة للشتاء، ويقول محمد لـ«الشرق الأوسط» إن «البلدة فيها بساتين كبيرة وأشجار متنوعة تساعد على تأمين كمية لا بأس بها من الحطب من الممكن أن يكفي طوال فصل الشتاء».
وفي هذا الإطار، يقول مدير برنامج الأرض والموارد الحية في جامعة البلمند الخبير البيئي الدكتور جورج متري لـ«الشرق الأوسط»: «هناك من يقومون بقطع الأشجار بطريقة غير قانونية وغير منظمة ما يتسبب بضرر كبير خصوصا في المناطق الجردية والجبلية النائية التي تحوي أشجارا معمرة، حيث يعمد الأشخاص إلى قطع الأشجار من الجذوع بهدف الحصول على كميات أكبر من الحطب».
ويضيف «كذلك في المناطق التي شهدت الحرائق يعمد الأهالي إلى قطع الأشجار داخل الأراضي المحروقة، وهنا الخطورة البيئية الأكبر إذ يجب حماية هذه المناطق لتسهيل إعادة التجديد الطبيعي لهذه الأراضي».
ويأسف متري لـ«ازدياد هذه الظاهرة في ظل غياب قدرة السلطات المعنية لناحية المتابعة والحماية وتطبيق القوانين، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وغلاء تكلفة المازوت».
ويقول: «قبل 3 سنوات لبنان شهد الكثير من الحرائق الكارثية إذ التهمت النيران أكثر من 12 ألف هكتار من الأراضي، والمشكلة اليوم أننا نحتاج للحفاظ على ما تبقى من الغطاء الحرجي خصوصا أنه يعاني من أزمات عدة».
ويوضح أن «غابات لبنان فقدت مناعتها وإمكانيتها على الصمود أمام التحديات، وهناك تدهور كبير في الأراضي الحرجية وأكثر من 30 في المائة من الغابات اللبنانية تراجعت بيئيا وبالتالي، ستزيد هذه القضية من مشاكل المساحات الحرجية، خصوصا أنها ارتفعت بشكل كبير وبدأنا نلمس النتائج وللأسف لم يتم تدارك هذه الأزمة بعد». ويضيف: «رغم أن الوزارة وضعت خطا ساخنا للتبليغ عن هذه التعديات فإنها تجري بوتيرة سريعة جدا تفوق قدرة أي وزارة على التعامل معها».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.