بعد قرابة ثمانية أشهر من الوئام النسبي، عادت ليبيا مجدداً إلى دائرة الانقسام السياسي والمجتمعي على خلفية نزاع بين الحكومة ومجلس النواب، وذلك قُبيل أقل من ثلاثة أشهر على إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، المرتقبة في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتسلمت حكومة «الوحدة» الوطنية مهامها من إدارتين متنازعتين في عملية سلسة، عقب انتخابها مطلع فبراير (شباط) الماضي من قبل أعضاء «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بجنيف. ويرى متابعون أنها قطعت مع المجلس الرئاسي، بقيادة محمد المنفي، شوطاً في إنهاء انقسام المؤسسات الليبية. لكن خلافاً مع مجلس النواب دفع خصوم السياسة إلى استدعاء مؤيديهم إلى الشارع للتظاهر والاحتجاج مجدداً، في مشهد يهدد اتفاق جنيف، الموقع في 23 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020، ويعيد للأذهان فترات مؤلمة سابقة عاشتها ليبيا.
واحتشد آلاف المتظاهرين بميدان (الشهداء) وسط طرابلس العاصمة (غرب ليبيا) خلال اليومين الماضيين، بحضور رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، للتنديد بقرار مجلس النواب، الذي قضى بحجب الثقة عن حكومة «الوحدة»، وموقفه من رفض الموافقة على الميزانية التي سبق أن تقدمت بها.
وشهد الميدان، الذي احتضن الجماهير خلال اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011 التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، ما يشبه إطلاق حملة الدبيبة الرئاسية، وهتافات مطالبة بإسقاط البرلمان، وسط ظهور ملحوظ ومكثف لقيادات تنظيم الإخوان في طليعة المتظاهرين، واتهامهم بتحشيد المواطنين للتظاهر بـ«مقابل مادي».
في موازاة ذلك، احتشد آلاف المواطنين في ساحة الكيش بمدينة بنغازي (شرق) في وقت متأخر مساء أول من أمس، دعماً لقرارات مجلس النواب وقانون الانتخابات، الذي أصدره مؤخراً. بالإضافة إلى المطالبة بإجراء الاستحقاق المرتقب في موعدها المحدد، ورفض التمديد لحكومة الدبيبة. ووقع طرفا النزاع الليبي، المنخرطان في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، بعد محادثات مطولة في مقر الأمم المتحدة بجنيف في 23 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020.
وفي ظل تصاعد الاستقطاب بين خصوم السياسة، شددت عضو «ملتقى الحوار السياسي» أم العز الفارسي، على أنه «لا مفر لنا من تجديد الشرعية وتوحيد المؤسسات الليبية، وإلا فإننا سنكون في طريقنا لجماهيرية شعبوية منفلتة، وستدوس في طريقها كل أملنا بالخلاص».
ودعت أم الفارسي في تصريح صحافي، أمس، بضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المباشرة والمتزامنة في موعدها. وهو نفس التوجه الذي ذهب إليه غالبية السياسيين في ليبيا «لوضع حد لحالة الاستقطاب، ونُذر التصعيد المسلح الذي بدأ يتهدد البلاد».
وانقسم غالبية النواب البرلمانيين، كل حسب جبهته، إذ بدأ الموالون منهم لمعسكر الشرق في التشكيك بكل الإجراءات والقرارات التي اتخذها الدبيبة، بشأن صرف منح الزواج للشباب، وزيادة رواتب المعلمين، أو المشاريع التي تعاقدت عليها حكومته، واعتبروها «رشاوى انتخابية»، وتسويقاً للدبيبة لخوض الانتخابات إن أراد ذلك، لكن التابعين لغرب البلاد يرون أن هذه ملفات مُعطلة منذ سبع سنوات، وأن رئيس الحكومة تصدى لها، «وتمكن من حلها في غضون أشهر قليلة».
غير أن المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، قال إن البعض يتعلل بأن عدم اعتماد البرلمان للميزانية عطل الحكومة عن صرف المرتبات للمعلمين، مضيفاً أن الحكومة «تقرر اليوم صرف زيادات المُعلمين دون اعتماد ميزانية، وذلك لهدف وغاية».
واستكمل بليحق موضحاً: «الهدف والغاية الأهم والأكبر تحققت، وهو ما أراده مجلس النواب عندما أصدر هذه القوانين، وهو تحسين دخل المواطن».
ويخشى سياسيون ومتابعون للشأن الليبي من تصاعد وتيرة «استدعاء الشارع» من قبل الخصوم السياسيين، كلما تفاقمت الأمور، ويرون أنه قد يؤثر سلباً على كيفية إجراء الاستحقاق المرتقب في أنحاء البلاد بالشكل المطلوب، أو الاعتراف والتسليم بنتائج الانتخابات إذا ما أجريت.
وكان رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، قد حسم موقفه من الترشح للانتخابات الرئاسية المنتظرة، بالقول في تصريحات إعلامية مساء أول من أمس: «لا أستطيع أن أقول شيئاً عن الترشح للرئاسة حتى يفتح باب إعلان الترشح، وقبل ذلك فإعلان ترشحي غير مناسب».
خصوم السياسة في ليبيا «يستنجدون بالشارع» لتعزيز مواقفهم
خصوم السياسة في ليبيا «يستنجدون بالشارع» لتعزيز مواقفهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة