غداً تطوي ألمانيا صفحة ميركل بعد 16 عاماً في الحكم

المرشحان الأوفر حظاً لخلافتها يريدان اتحاداً أوروبياً أقوى... والعالم يتابع النتائج عن كثب

يفتح رحيل المستشارة ميركل التي تحكم منذ عام 2005 حقبة سياسية جديدة في ألمانيا (أ.ف.ب)
يفتح رحيل المستشارة ميركل التي تحكم منذ عام 2005 حقبة سياسية جديدة في ألمانيا (أ.ف.ب)
TT

غداً تطوي ألمانيا صفحة ميركل بعد 16 عاماً في الحكم

يفتح رحيل المستشارة ميركل التي تحكم منذ عام 2005 حقبة سياسية جديدة في ألمانيا (أ.ف.ب)
يفتح رحيل المستشارة ميركل التي تحكم منذ عام 2005 حقبة سياسية جديدة في ألمانيا (أ.ف.ب)

تطوي ألمانيا، غداً (الأحد)، صفحة ميركل بعد 16 عاماً في الحكم، في انتخابات تشريعية تبقى نتائجها مفتوحة أكثر من أي وقت مضى على كل الاحتمالات، أحدها أن ينضم التحالف المسيحي الحاكم إلى صفوف المعارضة مقابل أن تتشكل حكومة يسارية من الاشتراكيين والخضر.
ويفتح رحيل المستشارة أنجيلا ميركل التي تحكم منذ عام 2005 حقبة سياسية جديدة في ألمانيا. ويواجه زعيم المحافظين أرمين لاشيت الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، صعوبات في السير على خطى المستشارة.
ويتابع شركاء ألمانيا في أوروبا والعالم التصويت عن كثب بسبب قلقهم من شلل قد يستمر أشهراً لتشكيل ائتلاف حكومي سيكون الأول بعد عهدها، إذ إن تأثير برلين على سير شؤون الاتحاد الأوروبي يُعد أمراً حاسماً.
وضاق الفارق بين المرشح الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز الذي حصل حزبه على نسبة تأييد هي الأكبر، بلغت 25 في المائة، وبين مرشح الاتحاد الديمقراطي المسيحي أرمين لاشيت الذي حصل حزبه على نسبة بلغت 23 في المائة، وهو معدل منخفض تاريخياً، وفقاً لاستطلاع أجرته قناة «زي دي إف» العامة نشرت نتائجه الخميس.
يوضح المحلل السياسي كارل رودولف كورتي لوكالة الصحافة الفرنسية أن «استطلاعات الرأي لا تُظهر فائزاً واضحاً (...) إذا أخذنا في الاعتبار هامش الخطأ، فهناك في النهاية ثلاثة أحزاب نتائجها متقاربة جداً».
قد توجه هذه الانتخابات ضربة قاسية للمحافظين (حزب ميركل) الذين لطالما كانوا يحصلون على أكثر من 30 في المائة من الأصوات أثناء الانتخابات التشريعية.
وشارك المرشحون على منصب المستشارية، يوم الخميس، في آخر مناظرة تلفزيونية مباشرة وجهاً لوجه ركزت على الاختلافات في السياسة الخارجية والأمنية. وبعد ثلاث مناظرات سابقة جمعت فقط المرشحين الثلاثة الكبار على منصب المستشار - من التحالف المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر - شاركت جميع الأحزاب الممثلة حالياً في البوندستاغ في الجولة الأخيرة من المناظرة. وبدا خلال المناظرة الأخيرة أن هناك إجماعاً في ألمانيا يتشكل حول الحاجة إلى تعزيز «السيادة الأوروبية»، وهو مصطلح استخدمه المرشحان.
وتعهد أولاف شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يوم الخميس، بزيادة الإنفاق الدفاعي في الجيش الألماني، مضيفاً أن أهم هدف للسياسة الخارجية سيكون أوروبا قوية وذات سيادة. كما تم تناول موضوع الصين، حيث قال كريستيان ليندنر، مرشح حزب الديمقراطيين الأحرار، المؤيد لقطاع الأعمال، إنه «يتعين علينا تمثيل مصالحنا وقيمنا بشكل متساوٍ»، بينما دعت مرشحة حزب الخضر أنالينا بيربوك إلى «سياسة أوروبية مشتركة تجاه الصين».
وقال شولتز، نائب المستشارة الحالي، إنه في «عالم سيضم قريباً 10 مليارات نسمة»، من المهم أن يكون هناك «اتحاد أوروبي قوي، وإلا فإننا لن نؤدي أي دور» فيه. وشدد على أنه «يتفهم انزعاج» فرنسا بعد إلغاء أستراليا العقد معها بشأن الغواصات. كذلك، كرر شولتز تمسكه بحلف شمال الأطلسي، وهو أمر يرفضه حزب اليسار الراديكالي «دي لينكه»، الشريك المحتمل في الائتلاف الحكومي الألماني المرتقب تشكيله بعد الانتخابات. من جهته، قال لاشيت الذي يحاول اللحاق بركب منافسه في استطلاعات الرأي: «نحن نحتاج إلى التحدث بصوت واحد، نحتاج إلى إطلاق مشاريع مشتركة ومشاريع تسليح حتى نتمكن من العمل بمجرد انسحاب الولايات المتحدة (من أي اتفاق)، وهذه مهمة يتعين على الحكومة المقبلة إنجازها».
ويحالف الحظ الحزب الاشتراكي الديمقراطي. فبعد أن تكبّد انتكاسات انتخابية عدة في السنوات الأخيرة، نجح الحزب في عكس الاتجاه منذ مطلع العام وتنصيب أولاف شولتز مرشحه البالغ 63 عاماً، نائباً للمستشارة ووزير مالية. ويُتوقع أن يلعب حزب الخضر بقيادة أنالينا بيربوك (40 عاماً) دوراً رئيسياً في الحكومة المقبلة، رغم أن حلوله في المرتبة الثالثة في نوايا التصويت يشكل خيبة أمل بالنسبة لأنصاره.
لم تخفِ بيربوك أنها تفضل ائتلافاً مع الاشتراكيين الديمقراطيين لكن حزبها لا يستبعد العمل مع المحافظين، كما سبق أن فعل في بعض المناطق الألمانية.
وسبق أن أعلنت كل الأحزاب رفضها التحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، لكن حزباً آخر هو الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي الذي حصل على 12 في المائة من نوايا التصويت، سيتمتع على ما يبدو، بتأثير كبير في السلطة المقبلة. ومن الممكن أن يكون أحد أركان ائتلاف ثلاثي مع حزب الخضر والمحافظين أو الاشتراكيين الديمقراطيين.
لكن عدد الملفات المطروحة على جدول أعمال الحكومة المقبلة كثيرة، ومنها التأخر الرقمي الذي تعاني منه الإدارة والشركات، والانتقال البيئي، وشيخوخة السكان، والتفاوتات وتحديد السياسة المتبعة حيال الصين وروسيا.
في عام 2017، استغرق الأمر خمسة أشهر لتشكل ألمانيا ائتلافاً وتبدأ الحكومة الجديدة العمل.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟