شاشة الناقد

The Middle Man
> إخراج: بَنت هامر
> النرويج – كندا (2021)
> كوميديا سوداء | مهرجان تورونتو
★★★
إذا كانت السينما الإسكندنافية اليوم متمحورة حول بضعة أسماء بارزة من بينها راي أندرسن وتوماس فنتربيرغ وأكي كوريسماكي، فإنّ المجال مفتوح لضم بَنت (Bent) هامر إلى المجموعة. هو ليس بالمخرج الجديد تحديداً، إذ سبق له أن أسس لنفسه مركزاً، ولو محدود الشهرة، في المهرجانات الدولية منذ عام 2003 عندما قدّم باكورة أعماله Eggs.
فيلمه الجديد «الوسيط» كوميديا ساخرة في الباطن قاطبة ومتجهمة في الظاهر تدور حول رجل لا يوجد ما يسعده يستلم مهام تتطلب شخصاً قانتاً وغير سعيد، لقد عيّنه مجلس بلدة صغيرة يتألف من رجل دين ورجل بوليس ورجل طب بأن يكون وسيطاً ينقل العزاء لأهالي المصابين والموتى. مهمّة يتوخاها المجلس للإيحاء بأن الطبيب وشريف البلدة وناسكها يشاركون حزن الأهالي على موتاهم.
لكن فرانك (بال سفير هاغن) رجل عاطفي بدوره. عند مثوله أمام ذلك المجلس يبدأ بالبكاء فينهره شريف البلدة (بول غروس)، محذّراً إياه بأن البكاء هو من نصيب أهالي الموتي ولا يستطيع أن يبكي أمامهم. عاطفته الصادقة تكاد تجرّه إلى متاعب مع سكرتيرته (توفا نوفوتني) قبل أن يتسبب صديقها السابق بإصابة صديق فرانك في عراك يؤدي بالصديق إلى المستشفى. من هنا وصاعداً ستزداد الإصابات وما تخلفه من خسائر بشرية تبعاً لأحداث أخرى غير متوقعة. فرانك الذي عليه أن يقدّم التعازي ويستقبل العواطف غير المرحبة في بعض الأحيان يجد نفسه بحاجة لمن يعزّيه في وضعه النفسي والعاطفي حيال ما يدور.
يعمد هامر إلى معالجة رصينة طوال الوقت. هو ليس بوارد تحريك الكاميرا أو التقاط مشهد بغاية الإضحاك، لكنه يحاول الإيحاء بسوداوية الكوميديا من خلال شخصيته الأولى وما تمر به، كما من خلال المعالجة الدرامية للموضوع. على ذلك، الكوميديا السوداء عليها أن تسخر من شيء (أي شيء)، لكن هذه الكوميديا لا تطرح نقداً أو سبباً للسخرية.

Snakehead
> إخراج: إيفان جاكسون ليونغ
> الولايات المتحدة (2021)
> عصابات | مهرجان تورونتو
★★★
في نهاية فيلم رومان بولانسكي «تشايناتاون» (1974) يقف جاك نيكولسون غاضباً: لقد شهد جريمة قتل والقاتل (جون هيوستون) سيفلت من العقاب في وسط حي تشايناتاون في لوس أنجليس. زميله في مكتب التحقيقات الخاصة يحاول التخفيف من الصدمة فيقول له Come on J J… It’s Chinatown
هي «تشايناتاون» بالفعل وفيلم إيفان ليونغ يعزز هذه الصورة في فيلمه «سنايكهَد» في أحداث تنتقل إلى الحي الصيني في نيويورك وإلى تسعينات القرن الماضي. لكن إذا ما كانت العبارة الأخيرة في فيلم بولانسكي وصفية ومستسلمة للواقع، فإن فيلم ليونغ حاضر لتعزيز هذا الواقع استناداً إلى أحداث بعضها وقع فعلياً.
بطلته امرأة صينية جميلة اسمها «سيستر تسي» (شويا تشانغ) ساقتها الظروف الصعبة لقبول الانتقال من الصين للولايات المتحدة عبر باخرة شحن هرّبتها هي وأخريات. العملية كانت جزءاً من عمليات كثيرة تشرف عليها امرأة قوية الشأن اسمها داي ماه (جايد وو) أسست لنفسها تجارة رقيق ناجحة وسط الحي الصيني الذي يبدو دوماً كما لو أن نور الشمس لا يصل إلى زواياه وطرقه المكتظة.
تسي ليست حالمة بالعمل في أميركا والتخلص من إرث أمس صيني. وصولها إلى هنا هي الطريقة الوحيدة للبحث عن ابنتها التي سبقتها إلى نيويورك قبل عدة سنوات. لكن إذ قبلت تسي الانخراط في عملية تديرها داي ماه، يصبح لزاماً عليها أن تنخرط في عملياتها إلى أن تدفع تكاليف تهريبها.
في البداية تحوّلها ماه للعمل كمومس، لكن تسي ترفض ذلك (وتضرب أول زبون) فتمنحها ماه فرصة العمل مع ابنها رامبو (سونغ كانغ) في عملياتها الخطرة. رامبو يشعر بالمنافسة ويزداد عداوة بعدما رفضت تسي تحرّشاته، مما يدفع بالفيلم إلى قدر من الإثارة أو الرغبة لانتظار النتائج. لكن رغم صعوبة وضع تسي من حيث علاقتها بالعصابة وخطورة العمل بحد ذاته، أن هدفها الذي تتستر عليه يبقى نصب عينيها وهو البحث عن ابنتها.
الأحداث مستوحاة من قضية في ملفات البوليس تحمل اسم «عصابة الأخت بينغ» وتم تغيير بينغ إلى داي ماي، وإضافة كل ذلك الخط الرئيسي حول المرأة الباحثة عن ابنتها. هناك أحداث كثيرة تقع في هذا الإطار، والمخرج يرغب في سرد فيلم عصابات مثير. فيلم يجسّد الخطر جنباً إلى جنب الحالة الإنسانية الماثلة. لكن ما يعوق خطّته في هذا الشأن رغبته الموازية في تقديم حالة إنسانية متمثلة بالأم الباحثة وابنتها. هذا يدفعه لكي يستخدم أكثر مما ينبغي من مشاهد الاسترجاع (فلاشباكس) مما يؤخر أي حدث يقع في زمن الفيلم الحالي.
على ذلك كله، إنسانية الفيلم متأتية من حرص المخرج، في فيلمه الروائي الأول، على تقديم قضية بطلته المحقّة وعنادها في سبيل تحقيق ما تريد رغم كل المعيقات المحيطة بها. وفي الوقت ذاته لا يتعرّض للبيئة الصينية ذاتها ناقداً، بل عارضاً يسعى لنقل صورة واقعية قدر الإمكان.

Siddhartha
> إخراج: داميانو جياكوميللي، لورنزو رابوني
> إيطاليا (2020)
> تسجيلي [بيئة] | عرض خاص
★★
النأي بالنفس عن المجتمعات المدنية والمعاصرة له طريقتان. الأولى هي أن يمتنع النائي بنفسه عن التعامل مع أدوات الحياة الحاضرة ومتطلباتها وقوانينها من دون أن يترك مكانه في المدينة. الثانية هي أن ينأى بنفسه بدنياً أيضاً، فيختار موقعاً من الطبيعة (غابة أو ريف أو صحراء) ليعيش فوقه بعيداً عن أدوات الحياة المعاصرة وعن مدنها وبيئاتها الاجتماعية أيضاً.
العجوز فابريزيو اختار الحل الثاني منذ سنوات بعيدة. وهو اختار غابة من الأشجار غير المكتظّة مع حيواناته الأليفة (يستخدم لحمها عند اللزوم) وزارعة الأرض التي حوله بالخضراوات والثمار التي يعمد إلى طبخها وتناولها. معه ابنه الفتى سدهارتا الذي يبلغ تسع سنوات من العمر بشعر طويل وبدن ليّن وتلقائية. هو سعيد بالعيش مع والده في ذلك اللامكان. والفيلم يأخذ على عاتقه التقاط حياتهما بيومياتها وأفكارهما، وكل ذلك القليل من المفارقات التي يمكن أن تقع بينهما.
بعد حين من هذا الفيلم تتكشف للمشاهد بأن ما سبق من وصف هو كل ما لدى الفيلم توفيره. تبقى الفكرة مدعاة للمتابعة كرصد لأسلوب حياة، لكن السرد المتوالي للحالة الواحدة (يلتقيان في بعض المشاهد بأقاربهما الذين يسكنون الشقق) يمتص ذلك الاهتمام ويمنح الفيلم حالة واحدة.

★ ضعيف | ★ ★ : وسط | ★★★: جيد |★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة