{طالبان} تواجه عدوها اللدود... {داعش خراسان}

بعد سيطرتها على كابل في 15 أغسطس (آب)، وهو التاريخ الذي يعتقد عموما أنه يمثل نهاية الحرب التي دامت 20 عاما في أفغانستان، وعدت طالبان في مؤتمر صحافي مبكر بأن الأرض الأفغانية لن تستخدم مطلقا بعد الآن لشن هجمات إرهابية.
من المؤكد أن حركة طالبان كانت تتمنى بعد سيطرتها على أفغانستان أن تسير الأمور سلسة على هواها، لكنها فوجئت بقيام عناصر تنظيم «داعش خراسان»، عدوها اللدود، بشن سلسلة من هجمات بالقنابل على جوانب الطرق استهدفت عناصر طالبان في شرق أفغانستان. ويقول الكاتب تريفور فيلسيث في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إن مدينة جلال آباد، في جنوب كابل، حيث تحظى داعش خراسان بتواجد ملحوظ، شهدت سلسلة من التفجيرات التي استهدفت مركبات طالبان مؤخراً، مما أدى لمقتل ثمانية أشخاص، من بينهم عدد غير معروف من جنود طالبان والمدنيين الأفغان.
كما ترددت أنباء عن وقوع ثلاثة انفجارات أخرى في المدينة يوم الاثنين الماضي، رغم أنه لم يمكن التأكد من وقوع خسائر أخرى في الأرواح بين عناصر طالبان. ويقول فيلسيث إن حملة داعش خراسان الإرهابية ضد طالبان، التي تسيطر الآن بشكل تام على كل أفغانستان لأول مرة في تاريخها، تثير المخاوف من وقوع تمرد متجدد. ويضم تنظيم داعش خراسان الكثير من المسلحين من الأعضاء السابقين في طالبان والذين اجتذبتهم الطموحات العالمية لداعش، كما يضم الكثير من الباكستانيين الذين ينتمون لحركة طالبان باكستان. وربما عرف تنظيم داعش خراسان بهجومه الانتحاري في محيط مطار حامد كرازاي الدولي أثناء عملية إجلاء الولايات المتحدة لقواتها، مما أدى لمقتل 12 جنديا أميركيا وأكثر من 90 من الأفغان بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 150 شخصاً.
ولهذا السبب، فرضت هجمات داعش خراسان الإرهابية العلنية ضغطا متزايدا على طالبان لكي ترد بقوة لاحتوائها. كما أن قدرة طالبان على قمع النشاط العنيف تعتبر أيضاً اختباراً رئيسيا لحكم طالبان المبكر؛ حيث إن إحدى النقاط التي روجت لها الحركة هي فكرة أن سيطرتها على السلطة في أفغانستان تمثل نهاية الصراع الدائر منذ 40 عاما وعودة للسلام والسلامة العامة.
وقال فيلسيث إن تنظيم داعش خراسان أبعد ما يكون عن أهم التحديات التي تواجهها طالبان؛ إذ أن طالبان تواجه مهمة لا تحسد عليها تتمثل في إعادة بناء أفغانستان بعد الحرب التي استمرت طوال أربعة عقود، ومنع حدوث أزمة اقتصادية، وتجنب وقوع مجاعة، والتعامل مع النظام الصحي المهلهل في البلاد وسط تفش جديد لفيروس كورونا. ومما يزيد الطين بلة، قيام معظم النخبة المتعلمة في البلاد بالفرار منها مما يحرم طالبان من رأسمال بشري مهم. ورغم استمرار بقاء بعض منظمات المساعدات الدولية في البلاد، غادر الكثير من المنظمات الأخرى، مما يحرم اقتصاد البلاد من أموال المساعدات. ورغم أن طالبان تعتمد تاريخيا على تجارة الهيروين لتوفير التمويل اللازم لها، تعهدت أيضاً أثناء مؤتمرها الصحافي بالقضاء على زراعة الأفيون في البلاد، وبذلك من المحتمل أن تقضي على مصدر مهم للدخل.
ويختتم فيلسيث تقريره بقوله إنه على هذا الأساس، ليس من المحتمل أن يمثل تنظيم داعش خراسان الذي يضم آلافا قليلة من المقاتلين تهديدا خطيرا لاستقرار البلاد، بالمقارنة بمجموعة القضايا المذهلة الأخرى التي تواجهها طالبان.
وفي سياق متصل أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ختام اجتماع عقده الأربعاء مع وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي أن الدول الخمس «تريد جميعها أفغانستان مستقرة». وقال غوتيريش إن الوزراء الخمسة أكدوا خلال الاجتماع أنهم جميعاً يريدون «أفغانستان تحترم فيها حقوق النساء والفتيات، وأفغانستان لا تكون ملاذاً للإرهاب، وأفغانستان تكون لدينا فيها حكومة جامعة تمثل مختلف قطاعات السكان». وشارك في الاجتماع بالإضافة إلى غوتيريش وزراء الخارجية الأميركي والصيني والروسي والبريطاني والفرنسي. ورداً على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية قبل الاجتماع بشأن ما إذا كان ممكناً التوصل إلى موقف موحد بين الدول الخمس بشأن حركة طالبان، قال السفير الصيني في الأمم المتحدة تشانغ جون إن «الوحدة في كل مكان».
من جهته، أعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس مجددا في كلمة ألقاها أمام مجموعة العشرين عن القلق إزاء الحكومة المؤقتة في أفغانستان والتي لا تضم أفرادا من غير طالبان ولا نساء لكن فيها وزراء على القائمة السوداء للأمم المتحدة بتهم إرهاب. وأضاف ماس «إعلان حكومة غير شاملة كان خطأ تكتيكيا ارتكبته طالبان لأن هذا سيصعب علينا التعامل معها».
وتابع «من المهم أن يسمع (طالبان) هذا الأمر منا جميعا. وعلينا أيضاً التحدث بصوت واحد عندما يتعلق الأمر بالمعايير السياسية الأساسية لأي مشاركة مستقبلية معهم».
وقالت مسؤولة أميركية لصحافيين في نيويورك عقب الاجتماع «كان هناك الكثير من النقاط المشتركة حول ما نريد أن نراه من طالبان، خصوصاً فيما يتعلق باحترام النساء والفتيات ومكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات». وأضافت «أعتقد أنه لا أحد، بما في ذلك الصينيون، راضٍ عن تركيبة هذه الحكومة المؤقتة». وعقد الاجتماع في قاعة مجلس الأمن الدولي بمبادرة من بريطانيا التي أبدت رغبتها في التحدث «بصوت واحد مع طالبان».
وكانت حركة طالبان التي تسعى للحصول على اعتراف دولي بعد استيلائها على السلطة في أفغانستان طلبت من الأمم المتحدة السماح لها بأن تلقي كلمة أفغانستان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنتهي اجتماعاتها مساء الاثنين المقبل. لكن الولايات المتحدة قالت إن لجنة الاعتمادات في الأمم المتحدة التي يعود إليها أمر تحديد الجهة التي تمثل أي دولة عضو في المنظمة قالت إن اللجنة لن تجتمع قبل نوفمبر (تشرين الثاني).